أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
الأردن في جلباب الآخرين : السقوط من القاع!!
بقلم : د.لبيب قمحاوي* ... 24.01.2018

الاردنيون في حيرة يتساءلون عن مصير العديد من القضايا والتحديات السياسية و الاقتصادية التي تعصف بهم وتقلقهم كبشر ، وتضع وطنهم و دولتهم أمام أخطار تتفاقم بإضطراد ، وتشكل تهديدا لإستقرارهم النفسي و الحياتي و أمنهم وأمن وطنهم ، علما أن هذه التحديات مفروضة في معظمها على الأردن و الأردنيين من خارج الحدود ومن داخلها .
من الملاحظ مؤخراً إزدياد الاسئلة و التساؤلات التي يثيرها العديد من الأردنيين بخصوص هذه التحديات و القضايا مما يعكس تزايد القلق بين أوساط الشعب الأردني وعدم ثقته بقدرة أولي الأمر من المسؤولين على القيام بما هو مطلوب لخدمة مصالح الوطن بكفاءة وشفافية . إن غياب قنوات التواصل بين الحكم و الشعب قد ساهم في تفاقم هذه الحالة التي تخلو من إجابات شافية و شفافة على أسئلة و تساؤلات المواطن و مخاوفه. وتزداد أهمية التحديات التي يجابهها الأردن كلما اقتربنا من التحدي المالي و الاقتصادي . فالاردن الذي يعاني من عجز مزمن في ميزانيته وضعف في موارده يجابه الآن قسوة الإختيار بين المساعدات المالية و بين استقلال قراره و ارادته السياسية . وابتعاد الحكم في نهجه عن التواصل مع الشعب كوسيلة لخلق جبهة واسعة تدعم الحكم في أي قرار يتخذه وتساعد في التخفيف من تبعات ذلك القرار قد أدى الى خلق مزيد من البلبلة الداخلية والتذمر الشديد المرافق لسياساته المالية و الضرائبية .
ان الإمعان في الاستمرار في سياسة إقصاء المواطن والاستهتار به قد تكون مسؤولة بالنتيجة عن حالة القنوط والغضب المكبوت التي يشعر بها الأردنيون مما جعل العلاقة بين الشعب والحُكْم مأزومة وتحكمها في معظم الأحيان الشائعات نتيجة لغياب المعلومة الصحيحة أو عدم الثقة بالمسؤولين والتي تعود في أساسها لغياب التواصل . وقد فتح هذا التباعد بين الحكم و الشعب الباب أمام المحاولات المستمرة لمؤسسات الدولة العميقة لتبرئة الكبار و تحميل وِزْرَ القرارات السيئة أو القاسية لمسؤولين آخرين أقل شأناً أو أقل حَظْوَةً مما ساهم بالنتيجة في تبلور حَالةٍ من الفوضى و التداخل و العشوائية التي لا تسمح لأحد بالإشارة المباشرة لمصادر الخلل أو التقصير الحقيقية ، الأمر الذي جعل من عملية استبدال مسؤول بآخر هي
وفي هذا السياق ، فإن المحاولات المستمرة من قبل معظم المسؤولين الكبار للإختباء خلف الملك والإدعاء بأن ما يفعلونه هو إما برغبة أو إرادة أو حتى وحي من الملك هو أمر غير مقبول ويدعوا الى الحزن و الشفقة على مثل تلك العقليات السطحية و الإنهزامية لمسؤولين كبار. فالدستور يُعفي الملك أصلاً من المسؤولية بإعتبار أنه يمارس سلطاته من خلال وزرائه وهم دستورياً غير معفيين من المسؤولية حتى لو إدعى أي منهم أنه يمارس مايفعله بناء على رغبة ملكية . واذا كان أي مسؤول يشعر بأنه عاجز عن ممارسة السلطات المناطة به عليه أن يرفض إستلام موقع المسؤولية و إلا فإنه يبقى مسؤولاً دستورياً عن الاخطاء التي تقع فيها وزارته وسياستها وسياسة حكومته حتى ولو كان ينفذ رغبة ملكية سواء بالأمر المباشر أو بالوحي أو بالوهم .
الموضوع في أصوله هو في قدرة المسؤول على الموازنة بين جاذبية المنصب و المصلحة الخاصة من جهة ، ومتطلبات وأولوية المصلحة العامة فيما لو كان هنالك اي تعارض بينهما ، من جهة أخرى . وفي حال تغليب المصلحة الخاصة تصبح المساءلة حقاً عاماً بغض النظر عن النص القانوني أو الممارسة . فأولوية الحق تفوق طبيعة النص الذي يمكن التلاعب به من قبل المسؤول . فالتلاعب بالنصوص الدستورية و القانونية المتعلقة بالمسؤولية لا يعُفي المسؤول من المساءلة و العقاب من منطلق أن أولوية الحق لا تحتاج الى نصوص لتبيانها أو أعذاراً لعدم تطبيقها ، و الباطل لا يتطلب نصوصاً لمنعه ، خصوصاً عندما يتعلق الموضوع بالمصلحة العامة . فحصانة المال العام مثلاً هو مبدأ فوق النصوص ولا يعني غياب النص
لقد آن الأوان لوضع مبدأ تلازم السلطة بالمسؤولية موضع التنفيذ حتى لو تم الإخلال بفعالية ذلك المبدأ من خلال التلاعب ببعض النصوص الدستورية . فمجرد قبول موقع المسؤولية من قبل أي شخص فإن هذا القبول يجعله خاضعاً للمساءلة والا فإن عليه الاستقالة إذا ما طُلِبَ منه فعل شئ مخالف للمصلحة العامة أو للقانون أو روح الدستور .
إن أهمية تفعيل مبدأ " تلازم السلطة بالمسؤولية " تزداد مع ازدياد حجم التحديات التي يواجهها الأردن من جهة وتفاقم الفساد و الاعتداء على المال العام من جهة أخرى. والواقع أن الأردن يعاني من كلا الأمرين معاناة تتجاوز قدرته على الاحتمال مما يستدعي ضرورة منع حصول الشئ عوضاً عن محاولة معالجة آثاره . ومع أن الفساد ، خصوصاً المالي ، جديد على الحياة العامة في الأردن ، إلا أنه استشرى و استفحل بسرعة وبشكل جنوني فاق قدرة الاقتصاد الأردني على الإحتمال وساهم في رفع المديونية العامة الى أرقام فلكية .
ان وقف الفساد ووضع حد له لا يكفي إذا ما إقترن بالسماح للفاسدين بالاحتفاظ بما سرقوه . فإستعادة المال العام المسروق وماترتب عليه من أرباح وفوائد وما يترتب عليه من غرامات هو أمر هام وضروري خصوصاً في ظل إصرار الحكومات الأردنية المتعاقبة على معالجة مشاكلها الاقتصادية من خلال فرض المزيد من الضرائب على الأردنيين . و المواطن الأردني سوف يُبدي استعداداً أكبر لتحمل الأعباء المرافقة لرفع الضرائب و الأسعار إذا ما شعر بجدية الدولة في مكافحة الفساد أولاً و استعادة المال العام المنهوب . وبخلاف ذلك فإن المواطن الأردني سوف يشعر بضعف الدولة أمام الأقوياء الفاسدين وقسوتها على المواطن الضعيف واستبدادها في التعامل معه . و دراسة سلوك الحكومات الأردنية المتعاقبة في العقدين الأخيرين يؤكد أنها إفتقرت ، وما زالت ، إلى الحصافة اللازمة لتقدير أهمية فتح قنوات التواصل العلني مع الشعب على كافة المستويات و التحدث إلى المواطنين الأردنيين بصراحة و صدق وشفافية . أما الاستمرار في سياسة تجاهل المواطن وحرمانه من حقه في معرفة حقيقة ما يدور و على إبقاءه في الظلام فإنه لن يساعد في تخفيف الضغوط المرافقة لسياسة رفع الأسعار و الضرائب بل على العكس . والواقع أنه لو تمت مفاتحة الأردنيين بواقع الحال و أن مصلحة الأردن و واقع الأمور يتطلب من الأردن مزيداً من الاعتماد على النفس وعلى موارده الخاصة حماية لاستقراره ومصالحه الوطنية لَمَا تردد الشعب الأردني في الاستجابة و التعاون ضمن إطار تفعيل المؤسسات الدستورية التشريعية و الرقابية و القضائية وعلى قاعدة وضوح الرؤيا و التواصل المستمر إنطلاقاً من أن المواطن شريك في صنع القرار وليس في تحمل المسؤولية فقط ، وعلى قاعدة المبدأ الدستوري ( المادة 111 ) و التي تنص على " أن لا تتجاوز (الضرائب) مَقْدِرَةِ المكلفين على الأداء ... " ، بالأضافة الى العدالة في فرض الضرائب بحيث لا تتحملها الأغلبية الضعيفة بل الأقلية الغنية أولاً عملاً بالمبدأ الدستوري (المادة 111) التي تنص على أن تكون الضرائب تصاعدية.
يتجه الأردن بخطى حثيثة نحو خطوط تماس وخيارات خطرة في علاقاته السياسية والاقتصادية العربية و الاقليمية و الدولية . فالأردن يقترب الآن من تلك الخطوط بحذر لأنه لا يملك من أدوات الضغط ما يسمح له باتخاذ مواقف تُخَالف ما قد يريده حلفاءَهُ التقليديين . و النظام عزل نفسه من خلال إبقاء الشعب بعيداً عن ألية إتخاذ القرار وهو بذلك أصبح وحيداً في تحمل تبعات هذا الوضع. والأردن ، وان كان لاينفرد في هذا الوضع بل يأتي منسجما في سياق الحالة العربية بشكل عام ، إلا أن ذلك لا يعفيه من مسؤوليات وتبعات قرارات الحكم
السير بين الألغام لم يعد ممكنا لكثرة تلك الألغام والحكمة قد تقتضي إنتهاج سياسات تُبْعِد الأردن عن حقل الألغام برمته . ولكن ذلك قد يعني أن يسقط الأردن من سلم الاهتمام الإقليمي و العالمي ويصبح بلا دور . وهذا قد يتطلب صياغة نهج سياسي جديد يعتمد على الإقلال من المخاطر و التحديات لمصالح الأردن من خلال منع حدوثها أصلاً عوضاً عن معالجة ذيولها .
الأردن بحاجة أيضاً الى تطوير وتقوية العمل المؤسسي داخله والى تنشيط الإهتمام الشعبي العام بقضايا الوطن وعدم ترك ذلك حكراً على مجموعة من المسؤولين هم في واقعهم أقرب الى الموظفين منهم الى السياسيين أو الاستراتيجيين ، وهم بذلك إما أن يكونوا غير قادرين أو غير راغبين في تقديم المشورة و النصيحة التي قد تُغْضِب أولى الأمر ، أو هكذا يعتقدون ، حفاظاً على مصالحهم الشخصية
وديمومتهم في المنصب حتى ولو كان ذلك على حساب المصلحة العامة .

1