أحدث الأخبار
الجمعة 22 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
اسمها فلسطين… لا إسرائيل!!
بقلم : غادة السمان ... 05.12.2020

بمناسبة اقتراب السنة الجديدة 2021 تلقيت، كالكثيرين، هدايا دعائية من بعض الشركات والبنوك الغربية، وأكثرها عادة مفكرة للسنة المقبلة 2021 وبينما كنت أقلب مفكرة فخمة الطباعة وصلتني من إحدى المؤسسات الباريسية العربية وأتامل ملحقاتها من توقيت ساعات العواصم قياساً لتوقيت باريس كما خرائط العالم، فوجئت بخريطة العالم العربي، والأقطار كلها تحمل اسمها مثل سوريا ولبنان والعراق والكويت والسعودية ومصر (إلى آخره)، ولكن اسم فلسطين تم شطبه ونشروا مكانه اسم إسرائيل!
هكذا ببساطة، يشطبون اسم فلسطين من الخريطة ويضعون مكانه اسم إسرائيل؟ اشتعلت غضباً، وبالذات لأن المفكرة الهدية وصلتني من مؤسسة عربية فرنسية.. ولكنها عربية أولاً.
لعل الموظف المسؤول عن طباعة هذه الهدية (المسمومة) نقلها بحسن نية عن خرائط صارت شائعة غربياً وتلغى اسم فلسطين لتكتب إسرائيل. ولذا، أكتب للتذكير بمقاطعة كل خريطة تضع اسم إسرائيل على أرض فلسطين المحتلة، بدلاً من اسم فلسطين. لا يكفي أن يكون اسم فلسطين مدموغاً في قلوبنا ـ نحن العرب- كالوشم، بل ينبغي حماية هذا الاسم ورفض استبداله باسم إسرائيل.
*بصمة الصوت!
للأصوات بصمات لا تشبهها بصمة أخرى، تماماً كما للأصابع. ففي زيارتي الأخيرة إلى بيروت، دخلت إلى إحدى الصيدليات في شارع الحمراء لشراء علبة «اسبرو» (ومن لا يصاب هذه الأيام بالصداع في بيروت؟) وهناك شاهدت رجلاً في سبعينيات العمر ممتلئ القامة، وكنت واثقة من أنني أعرفه، ولكنني نسيت بالضبط من هو، ولكنه عرفني وصافحني بحرارة، فرددت عليه بالمثل، هنا قال لي: هل تذكرين من أنا؟ والغريب أنني حين سمعت صوته عرفته، وقلت له: أنت فلان، ولو لم يخاطبني لما عرفته. ولو كان علي مثلاً التعرف عليه عبر الزجاج في مخفر بوليس لما استطعت أن أعرفه! فقط حين سمعت صوته عرفته، وقلت بثقة: أنت فلان!
للأصوات بصمات، وما من صوت يشبه الآخر، بل للصوت (موسيقى) مميزة وهوما لم أنتبه إليه من قبل.
أهذا ما يجعلنا نطمئن إلى بعض الناس حتى في مخابرة هاتفية لأن بصمة صوتهم بدت نقية وودودة حقاً، ويجعلنا بالتالي ننفر من أصوات أخرى لأشخاص لا نعرفهم أيضاً؟
*ماذا ينقص الأطباء العرب؟
أشعر بالأسف كلما قرأت عن حاكم عربي ركب الطائرة وذهب للعلاج في أوروبا أو أمريكا! لماذا؟
ماذا ينقص الأطباء العرب؟ ولماذا لا يتعالج الحاكم والثري في وطنه العربي؟ النقص في أدوات العلاج كأجهزة التنفس بالأوكسجين أو سواها؟ أم التوهم بأن الطبيب الغربي أكثر قدرة على شفاء المريض؟ أتساءل: لماذا لا نجعل من مستشفياتنا أماكن زاخرة بالأدوات الطبية الضرورية للعلاج؟ وماذا ينقصنا؟ الأطباء؟ بالتأكيد لا. والطبيب العربي الذي درس في جامعة غربية يساوي طبيباً غربياً درس الشيء ذاته (أو يفوقه علماً). والمطلوب ليست طائرة خاصة ترحل بحاكم إلى وطن غربي للعلاج، بل توفيرالعلم وأدوات العلاج للشبان العرب الذين يدرسون الطب.. المطلوب قبل أي شيء آخر الثقة بأنفسنا.
*الرئيس ميتران تعالج في فرنسا بلده!
لم أسمع عن حاكم غربي غادر بلده إلى قطر آخر، فحين أصيب رئيس جمهورية فرنسا السيد ميتران بمرض السرطان لم يرحل للعلاج، بل تعالج في بلده؛ فقد سبق أن وفّر للمستشفيات -كما قبله من رؤساء الجمهورية- ما يلزم لمعالجة ذلك المرض اللعين، ناهيك عن الأطباء المقتدرين.
الطبيب العربي مقتدر أيضاً شرط توفير العلم العصري له في كليات الطب والأدوات الطبية لدعمه في علاج مريضه.
أحلم باليوم الذي لا أقرأ فيه خبراً عن رئيس جمهورية عربي سافر للعلاج في أوروبا أو أمريكا.
والأمثلة لا تعوزني لذكر أسمائهم.. وكان عليهم خلال فترة حكمهم توفير أساليب العلاج الذي يمضون إليه في الغرب بدلاً من توفيره في أوطاننا للناس جميعاً وبالذات للفقراء.. متى ننفق الأموال العربية حيث ينبغي، ونكف عن (الهرب) إلى مستشفيات أوروبا وأمريكا كلما ضربنا مرض ما؟
*تحاشيت دائماً الوقوع في ذلك!
في خبر من مصدر موثوق هو للزميل في «القدس العربي» سعد الياس، يقول إن بهاء رفيق الحريري أجرى مقابلة مع صحافي من تل أبيب دون معرفة هويته!! وهذا صحيح ويحدث. ومنذ وصولي للإقامة في باريس، حرصت على الابتعاد عن كل ما هو إسرائيلي، وكان ذلك متوافراً بعد فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل بدلاً من يوسف إدريس، وقيل إن السبب دعمه زيارة السادات لتل أبيب. في الفترة التي وصلت فيها إلى باريس كان جر الأسماء العربية إلى التواصل الغامض مع الأدباء الإسرائيليين والصحافيين نشيطاً، حتى أنني (تقوقعت) واعتذرت عن كثير من المناسبات الأدبية التي كانت ستفيد الإعلام عن عملي الأدبي، وبالتالي أرقام مبيعات كتبي المترجمة.
لقد شكرت، واعتذرت عن عدم الذهاب، مثلاً لشهر، للإقامة في بيت الألماني الفائز بجائزة نوبل هاينريتش بول، الذي كرس بيته في ألمانيا بعد وفاته ليأتي إليه الأدباء للإقامة لشهر مجاناً لكتابة عمل جديد.
والطريف أن ابن هاينريتش بول، الفائز بجائزة نوبل، كان ناشري الأول الألماني، وصدرت لي عن دار نشره الألمانية روايتان، هما «بيروت 75» و»كوابيس بيروت».
المهم أنني لم أذهب لقضاء شهر مجاني في بيت هاينريتش بول، للتفرغ للكتابة، إذ خفت أن تكون جارتي في البيت أو (جاري) إسرائيلياً، كما اعتذرت للعديد من المؤتمرات العالمية خوفاً من أن تأتي إسرائيلية (إسرائيلي) لالتقاط صورة معي دون أن أدري أنها من رعايا أعداء الوطن العربي. وبالتالي، أتعاطف مع بهاء رفيق الحريري الذي لم يكن يدري أن محاوره إسرائيلي، وليس بوسعنا قطع علاقتنا مع العالم الخارجي خوفاً من التورط في حوار لم نكن نرغب فيه.
وأعترف بأنني خسرت الكثير أدبياً من (وسواسي) وخوفي من محاورة إسرائيلي دون أن أدري تماماً، كما حدث لبهاء رفيق الحريري، ويكفي أن الزميل سعد الياس قام بإيضاح ما حدث لكي لا يسيء البعض التفسير!!

**المصدر : القدس العربي
1