كل اللقاءات تنذر بالفشل، ويبدو أن بصيص النور بعيد الأمد، المسألة الليبية متداخلة ومركبة، كل الأطراف المفاوضة الآن في حرج، لا تجيب، ولا تتجرأ على التوقيع على مسودة اتفاق قبل استشارة الدولة، أو القوى الحاضنة إقليميا ودوليا. حالة من الفوضى الأمنية، بل إن صح القول، استباحة للأراضي الليبية في شرق البلاد وغربها ووسطها وجنوبها، من خلال السيطرة على قواعد عسكرية وجوية، أصبحت جسرا دائما وملاذا لقوى خارجية تتصارع في ما بينها لمد أطرافها بالعتاد والدعم، ولكسب مواقف سياسية في ظل خريطة التحالفات الدولية المتحركة.
بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لا تقر بفشلها، رغم تعدد المناوبين الممثلين للأمين العام للمنظمة، لم يفلح باثيلي كما الذين سبقوه، حتى إن الناس ملوا من الانتظار، وتكاد أصواتهم تصدح علنا، أن كل الأزمات المتوالية، هي نتاج إدارة البعثة الدولية، وتجاوز دورها الداعم لإرادة الليبيين فقط، أرادت أن تصمم خريطة مستقبل دولة ممزقة، وفق رؤية لا تبرحها، رغم عطب نتائجها. الشارع يلقي سخطه على البعثة معللا، ذلك بعدم فهمها للتركيبة الليبية المتنوعة والمعقدة، واختلاط وتشابك المصالح في ما بينها، ما ساهم في تعثر مساعي السلام وعدم الوصول إلى توافق يرضي جميع الأطراف في الساحة.
انتهت لقاءات مجلس النواب والدولة «عقيلة – المشري»، إلى أن لا وفاق، بل وإعلان التنافر التام كلما طالت الحوارات حول الانتخابات الرئاسية، وبينما يرى طرف أن الجنسية الأجنبية، والخلفية العسكرية، لا تؤهل لبناء دولة مدنية، ينافح الآخر على إبعاد كل الشروط، حتى إن سمحت للابن سيف القذافي بأن يكون هو الآخر منافسا، بعدما كان مطلوبا للمحكمة الدولية، ولا يجوز له الترشح.. وهو الآن فارٌ من العدالة الدولية. المفوضية العليا للانتخابات دخلت على الخط، وأعلنت عن تحفظها لما توصلت إليه لجنة 6+ 6 المُشكلة مناصفة بين مجلسي النواب والأعلى للدولة بهدف التوصل إلى اتفاق لبنود القانون الانتخابي الذي يمهد الطريق للانتخابات التشريعية والبرلمانية، التي من المفترض إجراؤها نهاية العام الحالي، هذه التحفظات متعلقة بشروط الترشح للرئاسة ومسألة الطعون مشيرة إلى وجود تناقض وغموض، مما يهدد العملية الانتخابية بالفشل.
المسألة الليبية اليوم تمر في منعطف خطير، بات فيه الليبيون مجرد رعايا لدول داخل دولة، كل في مواجهة الآخر
أمام هذا اليأس، والانغلاق التام، استحدث جسد جديد، أو لعله تعويل على عسكرة السياسة، أخفقت لجان (5 + 5) (6 + 6) في أداء الدور، فلا هم اتفقوا على شيء يحرك المياه الآسنة، ولا توجد حاضنة تنتظر ان يأتوا بجديد، جميعهم من القوات المسلحة، يتفاوضون حول تشريعات انتخابية، ورسم صورة المستقبل لبلد تمزقه أنياب محلية ومخالب إقليمية ودولية. محاور محاصر، مهدد في مستقبله، من تترصد به حساباته البنكية وتحويلاته السخية، إلى ذاك البلد، الذي بات عارفا بخباياه. ومن تترصد به «فيديوهات»، أو ما عرف بـ»سيديهات الفنادق». ومع تعدد الهفوات.. وشراء الذمم والأصوات في بورصة المؤتمرات من جنيف إلى بوزنيقه، ومن شرم الشيخ إلى روما وأبوظبي.
المسألة الليبية اليوم تمر في منعطف خطير، بات فيه الليبيون مجرد رعايا لدول داخل دولة، كل في مواجهة الآخر، ورغم توقف فوهات البنادق لوقت، لا يمكن التنبؤ بأن شبح الحرب بين الأطراف باتت بعيدة جدا، ما هي إلا استراحة محارب حسب المعطيات الموجود على الأرض. ربما ما حدث، تأجيل زمن المواجهة، وما يجري الآن من تمضية للوقت يصب في باب الاستعداد للحظة، لحظة الاشتعال. إذا اضفنا إلى هذا، وجود قوات «فاغنر» تحتل الوسط والجنوب، وتناور لدعم قوات الدعم السريع في السودان، وفتح ممر عبر وسط افريقيا يربط سرت الليبية، بالعاصمة بانغي عاصمة جمهورية افريقيا الوسطى، التي هي اليوم ولاية روسية في العمق الافريقي، خنجر روسي في صدر القارة، حتما مواجهة الغرب لتمدد الاخطبوط الروسي بالقارة، وطرد فاغنر المصنفة «إرهابية» سوف يمر عبر ليبيا، ناهيك عن القواعد التركية في شمال البلاد وما ترتب عليها من تدخل في شؤون البلاد الأمنية والسياسية، كل هذه الأوضاع انعكست أيضا على الداخل فالاقتصاد الليبي أكبر المتضررين، فهو يعاني من تضخم ونزول سعر الدينار الليبي أمام سلة العملات الأجنبية ناهيك عن الفجوة الناتجة بين أسعار الصرف الرسمية والسوق السوداء ونقص السيولة، ما أدى إلى انهاك المواطن البسيط الذي يحارب من أجل توفير عيش كريم في ظل المتغيرات المتسارعة، ومع عدم إمكانية تحقيق الاستقرار الدائم الذي يعتبر في الوقت الحالي صعب مع الأوضاع الراهنة، وفي ظل التنافس على موارد البلاد من القوى المتصارعة داخليا وخارجيا، والفشل المستمر في إجراء انتخابات تنهي حالة الفوضى.
التدخلات الأجنبية «خنجر في ظهر الانتخابات الليبية»!!
بقلم : سميرة السعيدي ... 17.06.2023
*كاتبة ليبية.. **المصدر: القدس العربي