أحدث الأخبار
الاثنين 27 كانون ثاني/يناير 2025
لا تقلقوا على سوريا!
بقلم : د. فيصل القاسم ... 25.01.2025

لا شك أن النظام الساقط كما يعلم كل السوريين ترك وراءه كل أنواع الكوارث على كل الأصعدة، لأن مهمته على مدى أكثر من نصف قرن من الزمان كانت بمثابة تخريب منظم لكل مناحي الحياة في سوريا، فقد عبث بالبشر والحجر على حد سواء لأنه جاء إلى السلطة أصلاً بوظيفة محددة ألا وهي ليس فقط إحباط ومنع أي نهضة سورية فحسب، بل كان يعمد على الدوام على إفساد كل شيء، فلم يسمح لا بصناعة أو زراعة أو تعليم مزدهر أو نهضة عمرانية، بل كان دائماً يوظف كل طاقاته التخريبية لعرقلة أي جهد بسيط للنهوض بالبلد والشعب، ولا شك أن كل السوريين يتذكرون كيف كان يطلب ألف موافقة أمنية لبناء منشأة صغيرة حتى لصناعة أحذية الأطفال. تصوروا مثلاً أن السوري كان يحتاج أحياناً إلى موافقة المخابرات العسكرية والجوية والسياسية لفتح مطعم فلافل. ما علاقة الفلافل بربكم بالمخابرات الجوية مثلاً؟ هل شاهدتم ذات يوم قرص فلافل يطير كي تراقبه المخابرات الجوية؟ ولا تنسوا أن السوريين كانوا يحتاجون إذناً من الأمن السياسي لإقامة حفلة أفراح أو عرس. وبالطبع لا نحتاج إلى كثير من البحث والتمحيص لنعرف أن كل تلك التعقيدات والعقبات التي كان يضعها في وجه السوريين كانت مقصودة للإبقاء على سوريا تحت التحت بلا أدنى نهضة من أي نوع وذلك لإرضاء مشغليه في الخارج وتنفيذ طلباتهم التي فرضوها عليه عندما سمحوا له بالوصول إلى السلطة في سوريا. لقد كانت كل مؤسسات الدولة على مدى عقود في حالة موات باستثناء المؤسسة الأمنية التي كانت تسير بدقة ساعة روليكس لتدمير وتخريب كل شيء في سوريا. باختصار فقد كانت العصابة الساقطة في حالة عداء دائم مع الشعب منذ اللحظة الأولى لوصولها إلى سدة الحكم في البلاد، وقد ذكر الممثل السوري بشار إسماعيل قبل أيام فقط أنه طلب من بشار الأسد قبل فترة أن يستعين بروسيا (الصديقة) لتوفير الطاقة النووية لسوريا لتوليد الكهرباء، فرد عليه بشار بغضب شديد قائلاً: «وهل يستحق هذا الشعب التعيس المساعدة؟» تصوروا كيف كان ينظر إلى الشعب السوري وكأنه عدوه، مع أنه كان يتفاخر بأن تسعة وتسعين بالمائة من السوريين كانوا يصوتون له في استفتاءاته المفبركة من رأسها حتى أخمص قدميها. وقد شاهد العالم أجمع ماذا فعل بشار وعصاباته الإجرامية بسوريا والسوريين عندما انتفضوا ضده وضد نظامه، لكن بالرغم من كل ما فعله بسوريا قبل الثورة وبعدها، إلا أن السوريين مصممون اليوم إدارة وشعباً على تجاوز تلك المرحلة السوداء في تاريخهم، وهم اليوم كلهم مستعدون للمشاركة في إعادة بناء سوريا لتكون رقماً صعباً في المنطقة، بدليل أن الجميع اليوم يريد أن يساهم في بناء بلده، فلم يعد السوري يعمل اليوم لإرضاء أمين فرقة حزبية كما شاهدناه في مسلسل «الخربة»، أو ليسمسر لضابط مخابرات أو ليرضي السيئ الرئيس الرخيص أو ليحظى برضا القيادة، بل صار اليوم يرى أمامه وطناً جديداً يملكه لأول مرة منذ أكثر من نصف قرن، فالجميع يعلم أن السوريين لم يكونوا يوماً يعتبرون سوريا ملكاً لهم، بل كانوا يرونها دائماً مجرد مزرعة يملكها آل الأسد وعصاباتهم لصالح قوى خارجية، وكان السوريون يعيشون فيها كرعايا وخدم في أحسن الأحوال لا كمواطنين، لهذا لم يكونوا متحمسين يوماً للنهوض بها لأنهم كانوا يعلمون أن جهدهم سيصب في آخر النهار في صالح العصابة التي تغتصب البلد، وقد قالها ذات يوم صحافي بريطاني شهير إن السوري وغيره لم يكن يهتم بأي شيء خارج بيته، لأنه كان ينظر إلى البلد على أنه ليس ملكه. أما اليوم اسأل السوريين في الشوارع: كيف تنظرون إلى البلد، فتراهم جميعاً يتحدثون عن سوريا على أنها ملكهم جميعاً، وبالتالي سيتسابقون على إعادة بنائها. لا أحد يمتلك سوريا اليوم غير السوريين، حتى لو تعاونوا أو تشاركوا مع أي جهة خارجية للمساعدة في إعادة البناء والإعمار. ولن يسمحوا بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء لأنهم دفعوا ثمناً باهظاً جداً لاستعادتها وتحريرها.
أولويات القيادة الجديدة تنحصر في الجانب التنموي، فلا هم لها اليوم سوى التركيز على التنمية حصراً، وتدور معظم اللقاءات مع زوار دمشق اليوم حول التطوير والنهوض بالدرجة الأولى
تعالوا إلى سوريا اليوم وستشاهدون آلاف السوريين القادمين إلى بلدهم من شتى أنحاء العالم وكلهم يحملون مقترحات ومشاريع للنهوض بالبلد من جديد، لا بل إنني قابلت البعض الذي طلب مني أن أساعدهم في إيصال مقترحاتهم للحكومة الجديدة، وكلها مقترحات مدعومة بتمويل وأرقام، وأنا واثق أن الإدارة الجديدة ستجد أمامها آلاف الطلبات والمشاريع المقترحة.
وبينما يعتقد البعض أن عملية إعادة البناء قد تأخذ وقتاً طويلاً، فإن المتحمسين يعتقدون أن سوريا ستنهض خلال فترة قياسية، ولا ننسى طبعاً أن سوريا تشكل اليوم أيضاً فرصة استثمارية عظيمة لمئات الجهات الدولية والخاصة، وقد قابلت أشخاصاً قادمين بمشاريع وأرقام مالية رهيبة.
ومما يزيد في ثقة السوريين بأن بلدهم سينهض سريعاً أن أولويات القيادة الجديدة تنحصر في الجانب التنموي، فلا هم لها اليوم سوى التركيز على التنمية حصراً، وتدور معظم اللقاءات مع زوار دمشق اليوم حول التطوير والنهوض بالدرجة الأولى، ويترافق ذلك طبعاً مع استتباب الأمن والاستقرار وتوحيد البلاد وحماية الوحدة الوطنية. باختصار هناك حالة تفاؤل غير مسبوقة على كل الأصعدة رغم الواقع المزري الذي تركه النظام الساقط وراءه. ومن خلال متابعاتي ولقاءاتي لمست ميلاً واضحاً لدى الجميع لبناء سوريا خالية من كل سياساتها البائدة، سوريا مسالمة متصالحة مع ذاتها ومع محيطها العربي وغير العربي، فالسوريون اليوم يريدون أفضل العلاقات مع الجميع ولا يريدون أن يدخلوا في سياسة الأحلاف بل يحاولون أقصى جهدهم التصالح مع القاصي والداني بعد أن تخلوا عن الشعارات الساقطة والعنتريات التي لم تقتل يوماً ذبابة كما قال نزار قباني ذات يوم.

1