أحدث الأخبار
الخميس 13 شباط/فبراير 2025
تنمر ترامب على حلفائه العرب…!!
بقلم : سهيل كيوان ... 13.02.2025

يخاطب دونالد ترامب، الملوكَ والرؤساء العرب بلغة استعلائية، ويحاول أن يملي عليهم أوامرَه، دون الأخذ بعين الاعتبار مشاعرهم أو مشاعر شعوبهم، هذا ظهر خصوصاً في تعامله مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والملك الأردني عبد الله الثاني، إذ طالبهما بأخذ قسط في جريمة حرب واضحة المعالم بحق الفلسطينيين، لصالح أطماعه العقارية، حتى بعد إعلان رفضهما، فقد أصر على أنهما سيفعلان هذا. في الوقت ذاته تحدث عن أن ضم الضفة الغربية لإسرائيل هو أمرٌ عال العال، وهذا يعني أنه لا يرى في سلطة رام الله برئاسة محمود عباس سوى موظف صغير يهدده بالطرد من عمله.
وسبق لترامب أن اعترف بالجولان المحتل جزءاً من دولة إسرائيل، ونقَل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس. والآن يهدد حركة حماس بأن عليها إطلاق سراح جميع الأسرى حتى ظهر يوم السبت القريب، وإلا فإنه سوف يتيح لنتنياهو التحلل من اتفاق وقف إطلاق النار، واستئناف الحرب التدميرية.
عدوانية ترامب ليست ضد الفلسطينيين فقط، فهذه مفهومة ضمناً، ولكنها الآن موجهة بالأساس إلى حلفائه العرب، فهو يطالب السعودية بمزيد من الاستثمارات في أمريكا، ويطلب حصة من عائدات البترول في الخليج العربي، ويطلب من مصر والأردن مساعدته على تنفيذ جريمة تهجير الفلسطينيين، أما وسيلة ضغطه على الأردن ومصر، فهي قطع المساعدات عن هاتين الدولتين. فما هي هذه المساعدات التي يريد قطعها عنهما؟ القسم الأكبر من المساعدات الأمريكية هي مساعدات عسكرية، وهي ليست مجانية، بل هي الضمانة بأنْ لا تتحرر هذه الدول من هيمنة القرار الأمريكي عليها، ما دامت جيوشها متعلقة في تسليحها على أمريكا. هذه الأسلحة لا يمكن استعمالها، إلا حيث تتجه بوصلة الولايات المتحدة، وحيث يُطلب من قادتها أن يوجهوها، هي أسلحة ليست حُرة، لأنها لا تتحرك إلا من خلال (باسوورد) كلمة سر أمريكية، إنها عربون ولاء لأمريكا وليست مساعدات، بل إن في تسميتها «مساعدات» مغالطة كبيرة، لأنها تحيل الجيوش الوطنية إلى أدوات مُسيْطرٌ عليها من بعيد، ولكن بصورة التفافية.
كلمة السر التي يتمسك بها الجميع ويتسترون وراءها هي «محاربة الإرهاب». فهم يقصدون بهذا أنهم شركاء مع نتنياهو وترامب ومن سبقوهما في محاربة أي شكل من أشكال المقاومة، وفي المقابل يجري تجميد مصطلح حرية التعبير والصحافة وحقوق الإنسان، إلى وقت الحاجة إلى تفعليها، وفقط عندما يخرج هذا الحاكم، أو ذاك عن عصا الطاعة الأمريكية.
**يريد نتنياهو تصدير القضية الفلسطينية إلى داخل البلدان العربية، وتحويلها إلى مشكلة عربية داخلية لا شأن لإسرائيل بها!
لقد اطمأن هؤلاء الحكام على أن «محاربة الإرهاب» تكفيهم كشهادة حسن سلوك، إلى أن جاء ترامب بفظاظته وعربدته وعنصريته المتأصلة، ليملي عليهم ما يريدُه علناً، ومن غير رتوش دبلوماسية، وبصورة مخجلة. هناك أمرٌ آخر ممكن لترامب أن يضغط فيه على قادة الدول عموماً، والعرب منهم بشكل خاص، هو أموال وأملاك وعقارات هذا أو ذاك من الزعماء يودعها في أمريكا، ممكن لهذه أيضاً أن تكون وسيلة ضغط على هذه الأنظمة، من خلال التلميح أو التهديد بإعلانها، فقد يتضح أن هذا أو ذاك يخزن الذهب والفضة والعقارات ومئات ملايين الدولارات، ثم يطالب شعبه بشد الحزام كمان شوية. لقد تعامل رؤساء الولايات المتحدة السابقون إلى حد ما بذكاء وتفهم، ومنحوا الحكام العرب مساحة من المناورة ليظهروا فيها أمام شعوبهم قدرا معقولا من الاستقلالية في اتخاذ القرارات، ومساحة من احترام الذات والتعبير عن الانتماء الوطني، واحترام مشاعر شعوبهم، خصوصاً ما يتعلق بقضية فلسطين، التي تعتبر قضية لجميع الشعوب العربية، وقضية دينية لدى مئات ملايين المسلمين عبر العالم.. إلى أن جاء ترامب ليتصرف ببلطجة، وذهبَ إلى أبعد من المشاركة في شعار «محاربة الإرهاب» المبتذل، ويطالبهم بمشاركة فعلية في ارتكاب جريمة الحرب مع نتنياهو بتهجير مئات آلاف الغزيين، تحت شعار تجاري، وهو توطينهم في مكان أفضل، ولن يتوقف الأمر في قطاع غزة، فكل فلسطين ليست بمأمن من مشروع التهجير، ونقل كل أهلها إلى مكان أفضل. من جانبه فإن نتنياهو يتنمر على السيسي ويتهمه بإغلاق معبر رفح وتحويل قطاع غزة إلى سجن كبير، وبسمسرة مقربين إلى النظام على البضائع الداخلة إلى القطاع، كذلك لم يخل التنمر على السعودية، فدعاها إلى استيعاب الفلسطينيين لأنها تملك مساحة كبيرة. وبهذا يريد نتنياهو تصدير القضية الفلسطينية إلى داخل البلدان العربية، وتحويلها إلى مشكلة عربية داخلية لا شأن لإسرائيل بها!
هل تستطيع القيادات العربية مواجهة مشروع ترامب التهجيري، الذي يمثل أجمل أحلام اليمين المتطرف في إسرائيل، والذي بات حلم معظم الإسرائيليين، ما دام أنه قابل للتنفيذ بدعم دولة عظمى وتواطؤ من حلفائها من العرب؟ نعم تستطيع الشعوب العربية مع حكامها، وعلى رأسها الشعبان المصري والأردني أن يردوا على عنجهية ترامب ونتنياهو بحشد مظاهرات شعبية عارمة، يلتقي فيها الشعب مع القيادة في البلدين، لتشكيل رد قوي رافضٍ لدعوات التهجير، طبعا إلى جانب دعم الشعوب العربية الأخرى، وشعوب عبر العالم الحُرة من مختلف القوميات. الشعوب العربية جاهزة للوقوف وراء قياداتها، إذا ما تمسكت هذه القيادات بالموقف المُعلن الرافض لتهجير شعب عربي شقيق، ولكن من غير تأتأة، ولا محاولات التوصل إلى حلول وسط في موضوع خطير كهذا. بإمكان القادة الخائفين من ترامب، الذين يهددهم بوقف المساعدات، أن يحتموا بشعوبهم الرافضة لمخطط التهجير إن كانوا صادقين. الشعوب العربية سوف تشعر بقوتها وبالاعتزاز إذا ما تصرفت قياداتها بكرامة، ورفضت أن تكون حجارة شطرنج بأصابع ترامب ونتنياهو، وسوف تساندها بغير حدود، وهذا يشمل الموالين والمعارضين للحكام من أحزاب وحركات وشخصيات ذات تأثير. على الحكام العرب أن يملكوا الجرأة بالقول «لا» للتهجير بوضوح وقوة، لا المؤقت ولا الدائم، مثل قادة شعوبٍ أخرى قالتها في أمريكا اللاتينية وافريقيا وغيرها ممن قالوا «لا»، وما زالوا متمسكين بمبدئية بمحاكمة مجرمي الحرب. ردا على إعلان ترامب الذي حدد يوم السبت المقبل موعداً لإطلاق سراح جميع الأسرى وإلا فجهنم.
مما لا شك فيه، أن حركة حماس ليست متحمسة للعودة إلى القتال، فالأثمان التي دفعها الشعب في قطاع غزة باهظة جداً، وبحاجة إلى استراحة، وبلا شك أن الحركة معنية بالتمسك بما أنجزته في المرحلة الأولى من الصفقة، وهو إنجازٌ لا يستهان به، وفيه رسالة قوية لكل من ضحوا بأعمارهم وراء القضبان، لأجل حرية وطنهم وشعبهم، بأن وطنهم لم يتخل عنهم. إلا أن عدم التزام دولة الاحتلال بالاتفاقات هو ما دفع حماس إلى الإعلان عن تعثر الصفقة، ولكنها على الأرجح سوف تتجه إلى الإعلان عن استئناف موافقتها على الصفقة. أما نتنياهو فهو يواجه ضغطاً داخلياً من أهالي الأسرى وجمهورهم، الذي يطالب بإتمام الصفقة لإطلاق سراحهم، لأن استئناف القتال، لا يعني سوى تعرض من بقي حياً منهم إلى الموت، وهذا يشكل معضلة للإسرائيليين، ولسان حال أكثرهم يقول إننا قادرون على استئناف الحرب، وبالإمكان إشعالها متى نشاء وبأية ذريعة كانت، وهذا ما فعلناه ونفعله، ولكن دعونا نحرر الأسرى أحياءً وإن كان بثمن الصفقة مع حماس ومن بعدها افعلوا ما تشاؤون.

1