لن يأسف الفلسطينيون على نهاية حقبة جو بايدن، هذه الحقبة التي سوف تُدمغ بالشّراكة الفعلية مع بنيامين نتنياهو وعصابته في حرب إبادة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، التي لم تتوقّف لحظة واحدة منذ بدأت كردِّ على هجوم السّابع من أكتوبر 2023 الذي اتخذ منه ذريعة لتطبيق برامج التّهجير. لا أسف على إدارة كهذه، لم يكن في جعبتها كمديرة لأعظم قوة في العالم، سوى التصريح بين مجزرة فظيعة وأخرى عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.
أكثر من خمسة عشر ألف طفل فلسطيني لقوا حتفهم بالأسلحة الأمريكية من أوزان الألف والألفي رطل سيبقون وصمة عار في تاريخ أمريكا إلى الأبد. لا أسف على إدارة سوّقت كذب نتنياهو ومجرمي الحرب، بأن الصواريخ التي نزلت على مستشفى المعمداني وقتلت المئات من المرضى والنازحين المدنيين، بأنه صاروخ من جهة حماس، مانحة بهذا الغطاء للمزيد من جرائم الحرب تحت شعار الدفاع عن النفس. لا أسف على إدارة رأت في قتل حوالي مئتي صحافي ومئات من الكوادر الطبية وقصف للمستشفيات ومراكز الإيواء بأنه دفاع عن النفس.
لا أسف على إدارة ديمقراطية أهانها واحتقرها بنيامين نتنياهو ولم يعمل لها أي حساب، ولم يتعاون معها بأي طلب حتى الرجاء بالتخفيف من قتل المدنيين، وحرمها حتى من بقية ماء وجه. لا أسف على إدارة جعل منها نتنياهو موظّفة لإملاء رغباته السّادية الفاشية. لا أسف على إدارة وقفت في كل الحالات مع مجرمي الحرب وألقت ثقلها العسكري والاقتصادي والسياسي للدفاع عنهم. لا أسف على إدارة أفرغت مخازنها الاستراتيجية من الذخائر، كي يلقيها مجرمو الحرب على قطاع غزّة، التي بلغت 85 ألف طن من المتفجرات، أكثر مما ألقي على لندن في الحرب العالمية الثانية بأضعاف. نقول بكل ارتياح «روحة بلا رجعة»، و»سمّور أخو حمّور».
لا خلاص خارجيا للشّعب الفلسطيني من المذابح والمحو والإبادة، إلا بما يحقّقه هو بنفسه في إدارة معركته لأجل حرّيته، بدعم من الشّعوب الحرّة في العالم، وبيقظة العرب وإصلاح حالهم
يدرك الفلسطينيون أنّ ترامب لن يكون أفضل، ولن يستيقظ غداً قلقا على مصيرهم، ولن يفرض وقف حرب الإبادة، ولكن ترامب سيكون واضحا في عدائه، من غير مساحيق تجميل. جو بايدن أثبت أنّه صهيوني أكثر من صهاينة كثيرين. مرشحة الديمقراطيين كامالا هاريس، بدورها لم تكن واضحة في موقفها من القضايا الخارجية، وبما يخصّ الشرق الأوسط والحرب على غزة ولبنان، كامالا هاريس أرادت مواصلة طريق جو بايدن، التعبير عن القلق لمقتل كثير من المدنيين، وفي الوقت ذاته مواصلة الدّعم اللامحدود للاحتلال ولمجرمي الحرب. لقد فرح كثيرون من العرب ومن الفلسطينيين قبل أربعة أعوام عندما فاز جو بادين في الانتخابات على ترامب، فرح العرب ظنا منهم أن جو بايدن أكثر إنسانية، ولكن النتيجة ما رأيناها وما زالت ماثلة أمامنا. لن نرى وزير خارجية أسوأ من أنطوني بلينكن في بروده ووقاحته، وهو يبرّر مثل رئيسه إبادة المدنيين. رحّب مجرم الحرب نتنياهو على حسابه في منصة إكس بفوز ترامب، وأمِلَ أن يكون هو أول المهنّئين، واعتبر أن عودته إلى السلطة «أعظم عودة في التاريخ». هذا يأتي بعد ساعات من إقالته لوزير دفاعه يوآف غالانت وشريكه في حرب الإبادة، في خطوة اعتبرت ترسيخا للنهج الديكتاتوري الذي اتخذه، وهذه إشارة مهمّة للأنظمة العربية، التي تعتقد أن نتنياهو شريك صالح لشرق أوسط جديد، فهو يغدر أوّلا برفاقه وشركائه، حتى أولئك الذين أنقذوه من مآزقه، وشركائه في حرب الإبادة، فكيف سيكون تعامله مع من ينظر إليهم أصلا باستعلاء، كونهم عربا وضعفاء أمام حضرته، يطلبون رضاه، بلا شك أنه سيحاول استغلال عربدة ترامب المعهودة في فرض تحالفات إقليمية معه لتحقيق ما يسميه شرق أوسط جديد. يأتي فوز ترامب بالنسبة إلى نتنياهو كهديّة من السّماء، فهو يعتقد أن ترامب أفضل له لمواصلة مشروع «الشرق الأوسط الجديد»، الذي يعني أولا القضاء على القضية الفلسطينية نهائيا وإلى الأبد، من خلال تهجير ملايين الفلسطينيين من وطنهم، وهذا ما بدأ تنفيذه في قطاع غزة، ثم تدمير أي قوة مناهضة للهيمنة الصهيونية على المنطقة، وهذا يشمل العرب وغير العرب، وعلى رأسهم إيران التي ترى في نفسها قوة إقليمية لها مصالحها التي تدافع عنها، في مواجهة المشاريع الصهيونية والأمريكية.
ترامب ليس واضحا في مقولاته عن السّلام ووقف الحروب، وهذا أكسبه نسبة عالية من أصوات العرب والمسلمين، كانت عادة من نصيب الديمقراطيين، تصويت هؤلاء كان في الأساس احتجاجا على نهج بايدن تجاه حرب الإبادة في قطاع غزة، وهذا يعني أن غزّة أسهمت في إسقاط كامالا هاريس شريكة بايدن في إدارته، رغم أنّ ترامب لم يوضّح الطريقة التي سيوقف بها الحرب، ولا كيف سيحقق السّلام، وبلا شك أنها ليست الطريقة التي نتمنّاها، ولكن هذه الكلمات لقيت صدى جيّدا لدى الناخبين العرب والمسلمين، الذين قرّروا معاقبة الديمقراطيين. عوامل نجاح ترامب الأساسية هي اقتصادية، حيث ركّز في وعوده للشعب الأمريكي على تحسين اقتصاده ورخائه وتخليص الفئات الضعيفة من الفقر، أي أنّه عبّر عن الاهتمام أكثر مع القضايا الداخلية، وبهذا قد لا يلتقي ورغبات نتنياهو وطموحاته في مواجهة أمريكية إيرانية عسكرية مباشرة، بلا شك ستؤثر سلبا على الاقتصاد الأمريكي والعالمي وسوف يعمل على تجنّبها، إضافة إلى أنّ المنافسة الاقتصادية مع الصين على رأس اهتماماته، كذلك فإنه قد يسعى إلى وقف الحرب في أوكرانيا، التي تستنزف الكثير من الموارد الأمريكية والأوروبية. تجربة شعوبنا المريرة مع الدول الاستعمارية تفضي إلى محصلة واحدة. ما عشناه منذ عقود في منطقتنا سوف يستمر، بغض النظر عن الإدارات الأمريكية المقبلة، فالفروق بينها في ما يتعلق في القضية الفلسطينية والمنطقة العربية لا تكاد تُذكر.
لا خلاص خارجيا للشّعب الفلسطيني من المذابح والمحو والإبادة، إلا بما يحقّقه هو بنفسه في إدارة معركته لأجل حرّيته، بدعم من الشّعوب الحرّة في العالم، وبيقظة العرب وإصلاح حالهم، بحيث أن لا ينتظروا نتائج انتخابات أمريكية وكأنّها تقرّر الحياة أو الموت بالنسبة لهم. لا مفرّ للفلسطينيين والعرب سوى الاعتماد على أنفسهم، وتحرير طاقاتهم، والبحث عن مواطن قوّتهم وتجميعها ليكونوا قوّة إقليمية ودولية يعمل العالم حسابها، وتُحترم إرادتُها، لمواجهة هذا التنافس المسّعور في العداء لهم ولقضاياهم في الغرب، وفي أمريكا بشكل خاص، حيث أن تأييد الاحتلال والعطاء له ومشاركته في جرائمه، تعتبر مصدر قوّة لهذا المرشح أو ذاك، فلا نأسف على إدارة الديمقراطيين الشريكة في حرب الإبادة، ولا أهلا ولا سهلا بمن يعلن عداءه لطموحات شعبنا في الحرية والاستقلال.
لا نأسف على خسارة هاريس ولا نرحّب بترامب!!
بقلم : سهيل كيوان ... 07.11.2024