
اعتبرت منظمة «هيومن رايتس ووتش» المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان حول العالم، أن مدونة الأحوال الشخصية الجعفرية الجديدة في العراق، التي أقرها البرلمان في 27 أغسطس/آب، تُميّز ضد النساء لصالح الرجال في مسائل الزواج، والطلاق، والميراث، وحضانة الأطفال ورعايتهم.
في تعديل أقره البرلمان مطلع السنة ونُشر في الجريدة الرسمية في 6 تشرين الأول/أكتوبر، صار للعراقيين الشيعة الحق عند إبرام عقد الزواج في الاختيار في تنظيم شؤون أسرهم بين أحكام المذهب الشيعي أو تلك التي ينصّ عليها قانون الأحوال الشخصية النافذ والمعمول به منذ عقود.
يسري قانون الأحوال الشخصية الحالي الذي يعدّ متقدما في مجتمع عراقي محافظ، منذ عام 1959 بعيد سقوط النظام الملكي، ويحظّر الزواج دون سن 18 عاما ويمنع خصوصا رجال الدين من مصادرة حقّ الأهل بالتوجّه إلى محاكم الدولة المدنية.
وبموجب التعديل وضع ديوان الوقف الشيعي «مدوّنة الأحكام الجعفرية (الشيعية) في مسائل الأحوال الشخصية» التي أقرها مجلس النواب.
وقالت سارة صنبر، باحثة العراق في «هيومن رايتس ووتش»، في تقرير للمنظمة الحقوقية، إن «مدونة الأحوال الشخصية الجديدة تُرسخ التمييز ضد النساء، وتحطّ من شأنهن قانونيا ليصبحن مواطنات من الدرجة الثانية، كما تسلب النساء والفتيات حقهن في تقرير مصيرهن وتمنحه للرجال. ينبغي إلغاء هذه المدونة فورا».
ووفق التقرير، المدونة تتضمن «أحكاما عدة تقوّض حقوقا اكتسبتها النساء بشق الأنفس» مثلا، تنص المدونة على «السماح للزوج بتحويل عقد زواجه ليخضع لأحكام المدونة بدلا من قانون الأحوال الشخصية لسنة 1959 دون موافقة زوجته أو علمها، والسماح للزوج بتطليق زوجته دون إخطارها أو الحصول على موافقتها، ونقل مسؤولية حضانة الأطفال تلقائيا إلى الأب بعد سن 7 سنوات، بغض النظر عن مصلحة الطفل الفضلى، والسماح للزوجة بأن تنص في عقد الزواج على عدم جواز تعدد الزوجات أو الطلاق دون موافقتها، لكن إذا خالف الزوج هذه الالتزامات، يظل الزواج/الطلاق ساريا، وإن كان آثما شرعا».
وقال قاضٍ في بغداد للمنظمة إن «المدونة تتعارض مع العديد من الأحكام القانونية في النظام القضائي العراقي»، مستدركاً: «سُنَّت معظم القوانين في إطار مفهوم المواطنة، في حين أن المدونة لا تعترف بذلك».
ووفق التقرير «تمنح المدونة حقوقا للعراقيين على أساس دينهم، وليس مواطنتهم، في انتهاك للمادة 14 من الدستور، التي تضمن الحق في المساواة أمام القانون».
ويوضح القاضي الذي لم يرد اسمه في التقرير، أنه «بموجب قانون الأحوال الشخصية، ترث الزوجة عقارات وممتلكات زوجها. في المقابل، تحرم المدونة الزوجات من الميراث. وفقا لأحكامها، لا ترث الزوجة (الشيعية) الجعفرية، في حين ترث الزوجة (السنية) الحنفية. وهذا يخلق عدم مساواة أمام القانون»، مبيناً أن «المدونة تنتهك أيضا المادة 88 من الدستور، التي تضمن استقلال القضاء، بجعل القضاء تابعا للإمام (المرجعية الدينية الشيعية)».
أضاف القاضي: «تتكون المدونة من 337 مادة، معظمها مُكرّس للتمييز ضد النساء والفتيات، ما يضعهن في مرتبة أدنى. المدونة أبوية بوضوح ومنحازة إلى الهيمنة الذكورية، وهو ما يفسر لماذا يُفضلها بعض الأزواج على قانون الأحوال الشخصية».
تحدثت عن تمييز ضد النساء في مسائل الزواج والطلاق والميراث وحضانة الأطفال
ووفق التقرير فإنه «عندما عُرضت تعديلات قانون الأحوال الشخصية لأول مرة على البرلمان في أغسطس/آب 2024، قوبلت بمعارضة عامة واسعة وغضب من منظمات حقوق المرأة»، لافتاً إلى أنه «نتيجة للحملة الدؤوبة من هذا المنظمات، ألغيت بعض الأحكام الأكثر ضررا في التعديل الأصلي، بما فيها تلك التي من شأنها خفض السن الدنيا لزواج الفتيات إلى 9 سنوات».
وقالت المؤسِسة المشاركة لـ«تحالف أمان النسوي» نادية محمود، لـ«هيومن رايتس ووتش»، إنه «كمنظمات نسائية، نحن نعارض المدونة برمتها ونطالب البرلمان بإلغائها. تعكس هذه المدونة آراء الأحزاب الإسلامية حول حقوق المرأة ومكانتها في الأسرة والمجتمع. توضح المدونة أنهم لا يعتبرون المرأة مساوية للرجل، بل تابعة له، ومسؤولة عن تلبية جميع رغباته».
وطبقاً لصنبر فإن «المشاكل التي خلقتها مدونة الأحوال الشخصية الجعفرية ليست قضايا نسائية فحسب، بل قضايا عراقية. ما لم تُلغَ المدونة، ستولّد مشاكل اجتماعية تدوم لسنوات وأجيال قادمة».
حالة غزل
في 11 سبتمبر/أيلول 2025، بعد 10 سنوات على طلاقها، تلقت غزل ح. استدعاء من المحكمة يُبلغها بأن زوجها السابق قد رفع دعوى قضائية لتطبيق مدونة الأحوال الشخصية الجعفرية بأثر رجعي على عقد زواجهما وإنهاء وصايتها على ابنهما البالغ من العمر 10 سنوات. قالت إنه فعل ذلك دون علمها أو موافقتها.
وقالت غزل لـ«هيومن رايتس ووتش»، إنه «من غير المقبول أن يتزوج شخص بموجب قانون يحمي حقوق النساء والأطفال، ثم، بعد أكثر من عشر سنوات، يتلاعب بالقانون لسلب تلك الحقوق»، مبينة أن «زوجها أصبح عنيفا بعد زواجهما بفترة وجيزة، ونتيجة ضربها، أجهضت حملها الأول. في 2015، بعد ولادة طفلهما الأول بفترة وجيزة، اكتشفت غزل أنه يخونها، وازدادت حدة العنف».
وأضافت: «بدأ يهددني بالطلاق ما لم أخفض المؤخَّر من 100 مليون دينار عراقي (76 ألف دولار أمريكي) إلى 10 ملايين دينار عراقي (7.600 دولار). في البداية، رفضت، لكنني وافقت في النهاية على تخفيضه إلى 50 مليون دينار عراقي (38.100 دولار) لأنني أردت الحفاظ على عائلتي وحماية طفلي الوليد».
وذكرت أيضاً أنه «في 16 أغسطس/آب 2015، بعد خلاف حول علاقته الغرامية، اعتدى (زوجي السابق) عليّ بوحشية، وضربني بكعب مسدسه على رأسي وكل جسدي. أصبت بكدمات وجروح خطيرة، بما فيها كسر في الضلع، وكسر في الجمجمة أثّر على عصب أذني، وجروح متعددة».
وبعد هذا الحادث، قدمت غزل شكوى عنف أسري ضد زوجها. أحيلت القضية إلى محكمة الجنح، التي أدانته بالاعتداء العمد وحكمت عليه بالسَّجن أربعة أشهر.
وبينما يحظر الدستور العراقي صراحة «كل أشكال العنف والتعسف»، فإن إقليم كردستان العراق هو الوحيد الذي لديه قانون بشأن العنف الأسري، حسب التقرير الذي أفاد بأن «مشروع قانون مناهضة العنف الأسري عالق في البرلمان العراقي منذ 2019، بدلا من ذلك، تمنح المادة 41 (1) من قانون العقوبات العراقي الزوج السلطة القانونية لـ(تأديب) زوجته، والوالدين لتأديب أطفالهم (في حدود ما هو مقرر شرعا أو قانونا أو عرفا).
كما ينص قانون العقوبات على تخفيف العقوبات على الأفعال العنيفة، بما في ذلك القتل (لبواعث شريفة) أو ضبط الزوجة أو قريبة من الجنس الآخر في حالة الزنا أو ممارسة الجنس خارج الزواج».
«خوف دائم»
في ديسمبر/كانون الأول 2015، منحت محكمة في بغداد غزل الطلاق، لكنها خفضت مهرها المؤجل من 50 مليون دينار عراقي (38.100 دولار) إلى 25 مليون دينار عراقي (19.500 دولار) بحجة أن غزل «ألحقت ضررا بزوجها» برفعها دعوى عنف أسري ضده. وقالت غزل إنها منذ أن تلقت إخطارا بنقل عقد زواجها إلى مدونة الأحوال الشخصية الجعفرية في سبتمبر/أيلول «تعيش في خوف دائم من أن يُؤخذ ابنها منها».
وقالت أيضا: «كيف يمكن أن يُمنح أب، مدان في قضية جنائية تتعلق بالعنف الأسري، الحق في حضانة طفل من أمه التي ضحت بكل شيء من أجله؟ فتحت المدونة الجديدة ثغرة تسمح له باستغلال النظام، على الرغم من أن زواجنا تم بموجب القانون 188»، في إشارة إلى قانون الأحوال الشخصية المدني.
