أحدث الأخبار
الخميس 27 شباط/فبراير 2025
الدولة الدرزيّة قاب قوسين أو أدنى!!
بقلم : سعيد نفّاع ... 26.02.2025

*وقفات على المفارق
مدخل.
هنالك مثل شائع أو قول مفاده: "عبطَه عبْط الدبّ". لا أعرف مصدره ولكنّي مقتنع أنّه ليس عربيّا، فالدِّببة الدِّببة نادرة في أوطاننا. ولكنّ الدِّببة الآدميّة أكثر من أن تُحصى في مشهدنا. وكم يصحّ مثل هذا القول في عبط نتانياهو المتفجّر حبّا للدروز.
الوقفة الأولى... والتقسيم السوري بحكم الواقع.
يوم سقوط النظام السابق في سورْية كتبت في وقفات حملتْ العنوان؛ (سقوط الأسد كان في أيّار عام ال21): "يكمن وراء النتائج التي نشهدها ونتائجها وعلاماتها بحكم الواقع، العودةُ على المخطّط الانتدابيّ الفرنسيّ البائد لتقسيم سوريا؛ إنّ التخوّف، المسنود جيوسياسيّا، أنّنا بصدد أربع، إن لم يكن خمس، دويلات كنتونات تمامًا كما خطّط المنتدَب الفرنسيّ حينها وفشل؛ سنّية؛ تركيّةُ الهوى مدينةٌ لتركيا، وعلويّة؛ روسيّة الهوى مدينة لروسيا، ودرزيّة؛ إسرائيليّة- أردنيّة الهوى مدينة لإسرائيل وربّما للأردن، وكرديّة؛ أميركيّة الهوى مدينة لأميركا، وطلعت إيران من المولد بلا حُمّص (!) هذا التقسيم الميدانيّ سيبقى إلى أجل غير مُسمّى، وبغضّ النظر عن النوايا ومهما طابت، إن لم يحدث تطورٌ "فوق العادة". وأمّا الحكم المركزي فسيكون "إسلاميّا" على الطريقة التركيّة (الأردوغانيّة - حزب العدالة والتنمية) ولعلّ في ذلك بعض تغيير إلى أفضل...وإلى أن يفعل الله أمرًا كان مفعولا!"
الوقفة الثانية... ودولة جبل الدروز.
دولة أعلنها الانتداب الفرنسي على سوريا في الفترة من عام 1921 وحتى عام 1936، وكان يحكمها الدروز تحت الوصاية الفرنسية. تشكلت الدولة الدرزية في 1 مايو من عام 1921، في حين تم إنشاء دويلات صغيرة في أجزاء أخرى من الانتداب السوري (مثل الدولة العلوية في منطقة اللاذقية). كان هذا هو الكيان الدرزيّ الأوّل الذي تمتّع بالحكم الذاتي والذي يسكنه ويحكمه الدروز. ضمّت وقتها جبل العرب والقرى المحيطة به، وشملت أجزاء من إمارة شرق الأردن، بين جبل العرب والأزرق. في 4 مارس من عام 1922 سُمّيت دولة السويداء، على اسم عاصمتها السويداء، ولكن في عام 1927 أعيدت تسميتها باسم دولة جبل الدروز بعد انكسار الثورة العربيّة السوريّة الكبرى 1925-1927 بقيادة سلطان الأطرش. توقف جبل الدروز عن الوجود ككيان مستقل وتمّ دمجه في سوريا نتيجة للضغط القومي السوري بموجب المعاهدة الفرنسية السورية لعام 1936. نجحت القوميّة السوريّة في نضالها ضدّ التقسيم بإعادة توحيد كامل الكيانات التي فرضتها فرنسا، باستثناء لبنان (الذي أصبح مستقلًا) ولواء اسكندرون، الذي ضُم إلى تركيا كمحافظة هاتاي.
الوقفة الثالثة... الدروز والطابور الخامس ورأس الحربة.
الحركة الصهيونيّة وقبل أن يشتدّ ساعدها عملت على أن تضرب وحدة العرب وتضع الدروز رأس حربة في مخطّطاتها حلمِها، وإحدى وسائلها كانت الدويلات الطائفيّة سياجًا لها؛ بدءًا ببرنامج حاييم وايزمن رئيس المنظّمة الصهيونيّة عام 1920 (الرئيس الأوّل لدولة إسرائيل لاحقًا)، مرورًا بِـ يتسحاك بن تسفي عام 1932 وما بعده (الرئيس الثاني لدولة إسرائيل لاحقًا) وخطّته الترانسفيريّة؛ نقل دروز فلسطين إلى الجبل. ولاحقًا وبعد العام 1967، عام الهزيمة، مخطّط الدولة الدرزيّة وهو الأشهر.
من نافل القول: إنّ القوى العروبيّة بين الدروز وفي مقدّمها سلطان الأطرش، أفشلت كلّ هذه المخطّطات. ومن نافل القول أيضًا: إنّ "قيادات" درزيّة، ليست قليلة، قبلت على نفسها دور "الطابور الخامس" وكانت جزءًا من هذه المخطّطات، وإن حُيّدت سابقًا لكنّ ورَثتَها يطلّون برؤوسهم اليوم في كلّ مواقع الوجود. فهل غدا "الحلم" قاب قوسين أو أدنى؟!
الوقفة الرابعة... والوقود العربيّ لِـ "الحلم"!
أوّل كفاح مسلّح فلسطينيّ عصَبُه كان من الدروز في معركة طلحة- تل حاي عام 1919، وأوّل ثورة مسلّحة فلسطينيّة كان قائدها وعصبُها من الدروز عام 1929-1932؛ ثورة الكفّ الأخضر، والتي قادها الصفديّ ابن قرية قَدَس الدرزي أحمد طافش. وهكذا معركة بلعة الشهيرة في ثورة ال-36؛ حمد صعب، وكذا معارك خط ترشيحا - الكابري؛ سلمان الغضبان.
في عزّ ثورة ال-36 هذه يقود يوسف أبو درّة قائد منطقة جنين حملة تنكيل بدروز الكرمل وبغضّ النظر عن ظروفها ونتائجها و"تنفيخها"، وتمامًا في نفس الزمان الذي كانت تنكّل القوّات البريطانيّة بأهالي الجليل الدروز الفاعلين في الثورة؛ في كسرى وكفر سميع والبقيعة. وفي أوج المؤامرة على فلسطين في الأربعينيّات يرفع الوقف "الإسلاميّ" على يد المحامي الشقيري دعوى لدى محاكم الانتداب على الوقف "الدرزي" لنزع ملكيّة مقام النبي شُعيب (ع) في حطّين. هذا الوقود العربيّ المجاني (كما وقود اليوم) كان الوقود في إيجاد رأس حربة دروزًا لتنفيذ المخطّط الصهيوني في دولة درزيّة تحمي حدود الدولة العتيدة الشماليّة الشرقيّة.
أبناء وأحفاد طافش والأطرش وصعب والغضبان (حسب الترتيب الزمني)، ورغم هذا الوقود، نجحوا في إخماد النار التي أشعلها هذا الوقود قبل أن يعلو أوار ناره. فهل سيكون النجاح حليفًا لأمثالهم هذه الأيّام؟!
الوقفة الخامسة... وحملات الإغاثة الدرزيّة الإسرائيليّة!
بسطاء الدروز الفلسطينيّين اقتطعوا من أقوات أسرهم ودفعوا بسخاء في حملات الإغاثة لدروز سورْية إبّان الأزمة. وضاعت حينها في المعمعان الأصوات التي حذّرت من وجهة هذه الأموال، وحذّرت من تقوية جناح على آخر في الجبل ودقّ الأسافين. هذه الأموال استغلّت في غير غرضها المعلن وجاء مردودها أسرع من المتوقّع، ففعلت فعلها، وما زالت، في المواقف المُعلنة والمُستترة في الجبل؛ تجاه النظام القديم سابقًا والجديد حاليّا، وتجاه إسرائيل. مهما حاولتَ أن تتقصّى ما يحدث في الجبل اليوم ومن أقرب المقرّبين تعجز عن التوصّل إلى خلاصة تشفي الغليل؛ فَـ "طاسة وضايعة"؛ فصيل "كذا" وفصيل "كذا"، وكلّه تحت شعار حماية أهل الجبل من النظام السابق سابقًا ومن الخطر المُحدق من النظام القائم حاضرًا المدجّج بقاعديّين وداعشيّين.
الوقفة السادسة... ونتانياهو والحلم والدعم الدرزي والرفض.
نتانياهو وهو المتّهم من قبل غالبيّة الرأي العام الإسرائيلي أنّه يقامر بحيوات الأسرى المخطوفين الإسرائيليّين (طبقًا للتسميات)، "تفقع درّته" على دروز سورْية حبّا، ويحذّر من المساس فيهم. فما عدا ممّا بدا حتّى يخرج نتانياهو بمثل هكذا تصريح واليوم بالذات؟!
أوّلاً: هل فعلًا لِـ "المكانة العظمى" لقيادات درزيّة فلسطينيّة عند نتانياهو وكُرمى لخاطرها؟!
تجد بين الدروز الفلسطينيّين قطاع واسع يسوّق هذه الترّهات، ولسخرية الأقدار يبزّهم في ذلك "ثوّارٌ" من الأمس القريب؛ لبنانيّون. لو كان لهم فعلًا مثل هذه المكانة لما كان الدروز ضحايا، كبقيّة العرب الفلسطينيّين، لسياسة إسرائيل العنصريّة المتعاقبة و"دُرّتها"؛ قانون القوميّة.
ثانيًا: نتانياهو يصبو إلى تحقيق الحلم الصهيوني الآنف والذي فشل فيه سابقوه من القادة الصهاينة على مدى عقود، فهي فرصة تُدخِله التاريخ الصهيوني من أوسع أبوابه. خصوصًا وهو مزهوّ بالضربة التي وجّهها إلى إيران وحزب الله وسورْية، ليس قبل أن يعطيه هؤلاء كلَّ أسباب نجاح ضربته. عند "أبناء العمّ" مقولة ترجمتها: "الشهيّة تأتي مع الأكل" فشهيّته فاضت والأُكُلُ المثيرة للشهيّة سهلة ومتوفّرة.
ثالثًا: الحكم الجديد في سورْية يتخبّط وأعجز من أن يشكّل رادعًا لإسرائيل التي تقضم يوميّا من الجسد السوريّ، ولا شبع من ناحيتها ولا نأمة من النظام. حجّة إسرائيل الظاهرة هي الخطر الكامن في أصوليّة هذا الحكم وما يخبّئ، وإحدى الضمانات منطقة عازلة تحتلّها. وإن كانت دويلة، أو كنتونًا، تشكّل خطّا أماميّا تحت وصايتها فَـ "زيادة الخير خير وخير".
رابعًا: أسافين حادّة دُقّت عميقًا، وعلى غير المتوقّع، بين جنبلاط والشيخ الهَجري. لا تحوجُ المرء فراسة نادرة ليُعرف من وراءها وما هدفها، فهذا بحدّ ذاته عامل آخر يسهّل تنفيذ المخطّط خصوصًا وأنّ موقف جنبلاط في هذا السياق صارم ولذا يجب تحييده عن الساحة. أمّا ما هي المصلحة للشيخ الهَجري ولمريديه في ذلك؛ هي مسألة فيها نظر!
خامسًا: تحقيق هذا الحلم العتيق الجديد لا يتمّ إلًا إن وجد الحالم عند الهدف من هو مستعدّ أن يمدّ له يد العون. واليوم هنالك كُثُر بين الدروز؛ من الجبل مرورًا بالجولان والجليل وانتهاء بالكرمل، وفي الأخيرين أكثر من كُثُر، ممّن لا يرون غضاضة في مدّ يد العون وحجّتهم؛ الغيرة على دروز الجبل وخوفهم عليهم من الغول القابع في دمشق ينتظر ساعة فرج لينقضّ.
الوقفة السابعة... والتاريخ العروبيّ الثوريّ العريق.
الصورة أعلاه سوداويّة وليس من فراغ، ولكنّ ما يترك للمرء فسحة تفاؤل هو الإرث العروبيّ القوميّ الثوريّ لدروز الجبل، وغالبيّة الدروز، فتراب الجبل كما بقيّة التراب الذي عليه يقيمون ومنه يأكلون، مخلوط بدماء أهلهم ذودًا عن الانتماء وما كانوا يومًا من المفرّطين.
ولكن وبغض النظر عن ذلك، فالنظام الجديد في سورْية أوّلًا، نتّفق معه كنّا أو لا، وكلّ من زال يحمل في صدره جذوة الغيرة على هذه الأمّة مُلزمٌ بتفويت الفرصة على "لصوص العصر" وأزلامهم وأدواتهم وأيّا كانوا، ولن تعجزهم القدرة إن توفّرت النوايا وإن لم يكن وراء الأكمة ما وراءها!
عندها سينكسّر القوسان في وجه حامليهما قبل أن يهترئ من طول الحَمل!

1