أحدث الأخبار
الجمعة 22 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
عندما لا نعلم!!
بقلم : سونيا ابراهيم  ... 20.05.2013

- من بين ذكرياتي حربين أو بعدهما-
كنتُ أشتاق ليوم جديد دون اضطراب، يوم أشعر أن بعده الأيام ستكون كلها سهلة، و استمرت حالتي على هذه الوتيرة بين حين و آخر، لا يعلم أحد معنى الحياة من حولنا كما يتمناها.. الدموع تسقط من العيون، و حتى الأمهات القاسيات يذرفون الدموع كشكل من التضامن المجتمعي في حظيرتهن، و كل شئ يبدو غير واضح بالمرة.. الموت.. صوت الانفجارات، الحياة التي تتوقف الشمس عن البزوغ فيها بخجل كل شتاء، و المطر القليل الذي ينحت الجفاف و القشف على الجلود.. يا ترى ماذا تريد السماء هذه المرة؟ ماذا تريد السماء منا؟ أتريد أن تمنحنا مكافأة على ما تحملناه، و تجلدنا الصبر فيه، أم تريد أن تُعاقبنا عن خطيئة لم يعلم أحد منا كيف ارتكبها أو لماذا حتى لا ينجو منها بأي شكل من أشكال العدالة.. العدالة منحازة ضدنا و ليس لنا.. هل هو هذا مفهوم العدالة.. أشعر بالإرهاق الفكري، و التعب الذي يتخلل صدري فأصعق من مدى كراهيتي و ضعفي تجاه كل الوقائع التي تحملنا التعايش معها هذه الحياة.. كل الأفكار تصير موجودة، و تدور في رؤوسنا و لكنها تافهة مدى الحياة.. مدى الحياة كلمة مهمة أيضاً.. ما هي الحياة في أعماقنا حتى يكون لها مدى؟؟ مدى الحياة انتهي بوجودي أنا؟ مدى الحياة هو أن الحياة-معي- لا تكون و لا تستمر.. معناها أن مدى الحياة هو طول فترة العقاب، الحرمان، الجوع، التعب، الفقدان.. حتى الآمال تتحول إلى كراهية.. و ما هي الكراهية أيضاً؟ من أين جاءتنا؟ الكراهية هي كل شئ مفروض علينا- بغير رضا تحملناه! الكراهية تُحولنا مُجبرين لشئ يمثلها.. نعم، نحن هي الكراهية الآن.. و كل شئ حولنا إلم يكن مفقوداً فهو فاقدٌ للمعني الذي يحيط بالكراهية.. الكراهية لا يصير لها معنى إلا معنا.. الكراهية معنا، و نحن الكراهية أيضاً.. نحن الكراهية التي تفقأ أعيننا، نحن الكراهية التي تأكل، و تشرب، و تتنفس عندما تنام.. نحن الكراهية تمشي على رجلين.. نحن الكراهية التي لم تعرف أبداً معنى للحياة.. و الحكاية تنبثق من أحاديثنا عن هذه الحياة، التي أصبح معناها المختزل-دون إدراك الجميع- هو الكراهية! الحياة هي كل ذلك الهراء! كل هذه المضايقات، و الاحراج، كل ما نسميه حياة هو ذلك الهراء، الذي لا ينضب.. الحياة هي أيضاً رجلاً غبياً يعتقد أن له حقاً في الكلام، و هو بالواقع لا يسبب لي سوى الاحراج، و الضجر اللامنته! الكراهية؛ بمعنى الحياة هي أيضاً نظرة الرجل- في مجتمعي- للمرأة المتحررة فكرياً.. كلمة متحررة فكرياً، ذات معنى مبتذل لديهم، و ذات معنى جارح و عميق بالنسبة لي؛ أن أحلم بخلع حجابهم بعد أن فرضوه عليّ، ما هو إلا قطعة قماش شفافة.. ملونة أو داكنة اللون، و لكنها تظل شفافة أخرج بها إكراها، و أن أعلم أن ما بين فخذي لا يحميه السواد و لا القماش، لأن عيونهم و نظراتهم لها الحق في كل شئ.. لذلك أنا أرى نفسي عندما أرتدي الحجاب بالإكراه، دون اقتناع مني بأهميته، كأنني أخرج بشورت قصير، بتوب ضيق جداً تخترقه ثنيات جسدي المثيرة.. أرى نفسي و أنا أرتديه بأني جسداً كاملاً يتنفس كل مسام فيه، يعتقدون أنه تغطى بحرية و استسلام.. الهواء هو ممنوع من ملامستي بنظرهم، و لكن يجب على فخذي أن تتسعان لما تحلم به أعضائهم.. اذا هذه هي الحياة بالمسبة لهم- الكراهية، و لهذا لا أستطيع التنفس بعمق بل يضيق نفسي و أشعر بالدوار.. و مع طول مدة اشمئزازي أتساءل: ما الفائدة من هذا الوجود؟ لذلك أهرب.. و لذلك سأظل أهرب إلى أن يتحقق جزء من الخيال.. أهرب من قذارتهم، من افتراضاتهم الرجولية المهمشة، أهرب من الشعور بالاحتقان و البغض تجاه الرجال الذكوريين، و النساء عديمات الأنوثة الذكوريات.. أسقط عن هذه المحاولات كلها لتحويلي شبيهاً لهم، لأني أفضل أن أختارني.. أختار أن أكون أنا.. هل هذا كل ما يضايقهم.. أني لست هم، و لن أكون "هم"؛ بل سأظل أنا.. و أنا تعرف، و تحلم، و تقرر من هي أنا- و ليس برضاهم، و لا ذنب لي بحدودهم الضيق..
أرى أن لخصلات شعري الذي أحجبه -بغبائهم- طريقة في السكون و الهدوء تحت القماش حزناً مثل مغادرة الأم الحنون لأطفالها عند غيابها في العمل.. سكون يتسم بالصبر و المواساة.. و هم يقيمون تلك القطعة من القماش، و كأنها تكبت أو تُطلق شهواتهم، و بناء عليه يجب أن أقرر كيف يحترموني.. أليس هذا السجن بعينه.. أن تتحكم هرموناتهم، أمراضهم النفسية و الجنسية بردائي.. أن تمنعني من أن أكون مثيرة.. و مثيرة كما يحلو لي أنا- و ليس كما يحلو لهم! ألا يحق لي أن أشعر بالهواء يداعب أنفاسي.. ألا يحق لي أن أشعر بأن هرموناتهم الذكورية، و تحليلاتهم المريضة لا تمنعني من أن أحلق.. من مِنا نحن المحجبات لم تشعر بالراحة و الاسترخاء عندما كان يطير الحجاب مع الهواء بحركة مسرعة.. قبل أن تدرك أنها أكثر حرية من دونه.. أنا كتلك.. لا يهمني الهواء و لكني أحلم بالشعور به، و بالتحليق، و بالطيران، أحلم بكل هذه المشاعر التي تجعلني اشعر أنني أخيراً تحققتُ ليس كما يطلبوا مني؛ بل كما أحلم.. دون شعور بالامتعاض و أنا أرى كل هؤلاء المتخلفين، و المتحجرين من حولي.. ينشرون الكراهية بذوراً تنتقدني كامرأة يسيطرون عليها بل يغيرون من تفوقها، و كأنها ليست إنسانة يحق لها العيش و الإستمتاع بالحياة، ثم تنبت هذه البذور التي نثروها إلى كراهية.. كراهية تُعنفني بتعليقات، و نظرات.. و أفكار تثير الرعب و الارتياب بأعماقي.. حتى نضجت.. فهمتُ أو أفهمتُ نفسي أنها مسألة وقت، و ظروف.. مسألة مجتمعات تعيش في الحضيض، و فقدتْ المرأة معنى الحياة بأعماقها فيها، و بين مجتمعات تحترمني- كأي امرأة-تفوقتْ و استحقت الاحترام المتبادل.. مجتمعات ينتظر فيها الرجال الذكوريين- و هم الأغلبية القذرة التي تملأ المكان- الفرصة للانقضاض علينا، و هم يعلمون أهمية القوانين و العادات التي تحرص على حمايتهم و تقليل جُرمهم؛ قبل أن تحرص على أن تصون كرامتنا من الانتهاك.. الانتهاك يكون بنظرة، بكلمة حقيرة تعبر عن سخافتهم، بصفعة من تعليقاتهم عن رضا المجتمع و تقاليده، و سخط الله و غضبه.. السبب الوحيد الذي يجعلني أرتديها لتلك- القطعة من القماش هو ليس وجودياً بنظري، و لكنه إجباري- بنظرهم- لذلك أنا أتعداه بمراحل كثيرة- بفكري و بتحرر عقلي- و لا أعتقد أنه ذلك الحجاب- الله لا يكتب على أحد- بإمكانه منعي عن التحليق و التفكير بمدى كرهي لهم؛ لأنهم يجبرونني. يجبرونني على أن أكرهه؛ فأكرههم أكثر.. إذا فلتكن هذه العلاقة بيني و بينهم.. بما أني غير قادرة على الهروب، و لا يتاح لي الفرار إلا بعد سنين طويلة من الراحة؛ ليس لأنني غير قادرة على الاستمرار بالتظاهر.. الحدود و المسافات بيني و بينهم تزداد، و هذه العلامة فوق رأسي لا تهينني أو تحجمني- و إن كانت شكليا هي موجودة- بقدر ما أنها تقدسني؛ لأنها تفرض عليّ و تجبرني على أن أكرههم.. وصلت لدرجة المقت من كراهيتهم؛ حتى أنني ضحكت!
لو كان يعلم كل رجل اغتصب زوجته، و عذب أطفاله بكمية كراهيتي و استحقاري له .. لربما خاف قليلاً أو حتى تراجع عن نفسه.. لو كان كل رجل غبي يعلن احترامه لحقوق المرأة في العلن، و هو يمتهن كراهيتها بالواقع كما أستغبيه.. لكان أعاد النظر إلى نفسه و استحقرها هو أيضاً. حتى لو كان كل رجل شاعر يتحسس المشاعر عن طريق التدفق بخداع المرأة بالأوهام، و وضع السم بالعسل لكنتُ صفعته ليشعر بعدها بالامتنان.. لو كان كل رجل وقح- يعتقد أنه له الحق بأن يفرض عليّ الامتنان لخدماته التي يعرضها- يعلم بمدى استفزازي له، لربما كان صفع نفسه، و أهانها مسلوب الارداة حتى أتركه دون أن أعذره.. لو كان كل رجل، أحببته لأنه خدعني، يعلم الشر الذي أتمنى أن ألحقه به لكان هرب و هو يشعر بالذنب.. حتى قبل أن يعتذر.. أو لربما حاول الاعتذار بصمت كل مرة و هو عاجز عن الشعور بالذل و اعترافه بالخطأ الذي ارتكبه بحقي.. نعم.. في بعض الأوقات أنا هي تلك الشريرة، التي تعد المقالب، و تضحك بصمت أمامهم لتنفجر من شدة البكاء بعدما تغلق الباب و تطلق الضحكات آثاراً فجرتها بعد أن خبأتها عليهم.. أنا هي كلهن.. و كلهن مجموعة واحدة كونوها مني، و رضيت بأن أعطيها هذا الشكل الذي ينصفهم؛ و إن ظنوا أن بإمكانهم أن يحرجوني أو يجبروني؛ فأنا سأقبل فقط من أجلهم.. و من أجل استحقار كل الجهود التي تبذلها النساء الذكوريات.. هكذا سأضع عليهم علامة على أفواههم؛ بأن يخرسوا.. كلكم اخرسوا و لكن تحدثوا في حدود الضحك! أنا لست لعبة تقذفونها بأقدامكم، و لن أسمح لكم بالاستمتاع بأوقاتكم.. أنا لستُ لعبة بأيديكم.. بل أنا هي أنا!
إن كثرة الجنون، و قدرتي الخطيرة على تحمل الصمت كادت تقتلني، ما هذا الزيف الذي يحيط بنا؟ ما هذا الغباء الذي وصل إليه عقمهم الفكري، و تشوههم النفسي حتى يجعلوننا عائبات فكرياً.. و عائبات تأتي من العيب الذي يفكرون به؛ فأسقطوه علينا لسوء تفسيراتهم، و احتقارهم لنا.. و هو العيب الذي يجعل النساء ساديات فكرياً هو أيضاً عيبٌ ارتضين به، و هو نفسه العيب الذي يجعل من الرجال الذكوريين العرب- غالبية تفكر بالمفتاح حكل للقضية التي تشوهت بأعماقهم؛ الحل هو المشكلة بالنسبة لهم.. هكذا هم الرجال "الذكوريين" العرب مشوهين خُلقياً عائبين فكرياً، و نفسياتهم حقيرة و مُذلة.. و من كان منا يستطيع أن يرفض هذه الاهانة أو ييأس منها؟؟ هم- غالبيتهم- يعيشون بيننا، أنفاسهم المصابة بالارتياب حول كل ما هو ذكوري و رجعي في عاداتهم، و طريقة تربيتهم تثير الاشمئزاز، و الشلل الفكري نحو كل محاولة للتقدم بالمجتمعات التي يتفنون بتجريم النساء فيها.. المرأة الجميلة هي فتنة، و المرأة المُغتصَبَة هي ذليلة و تستحق كراهية الجميع- إلا من رحم ربي- لأنها وحدها هي السبب بالانتهاك الذي سببُوه لها، المرأة التي تحترم نفسها، هي امرأة تستحق الاحترام بتحقيرها حسب نظرتهم الدونية، و المرأة التي تجد منفساً للحرية- بحظ منيت بها من عائلة نادرة- هي امرأة قليلة الاحترام و لا يفترض الاقتداء بها.. المرأة التي تصمت عندما يخونها زوجها، هي امرأة تعمل من أجل أبنائها، و لتذهب كرامتها إلى جحيمهم، و من دون اعتبار للتأثيرات السلبية على نفسية أبنائها بسبب احتقان نفسيتها، أو اهانة كرامتها شخصياً.. حتى المرأة التي تعمل، و تحصل على قرشها بعرق جبينها هي خادمة داخل المنزل، مقيدة بنظرة المجتمع للوظائف و المناصب التي تحددها الفروق الجندرية، ضاربين بعرض الحائط حقوقها بسبب جدارتها و كفاءتها... الخ! حتى المرأة العاملة هي "حقيرة" حتى تستطيع أن تتوافق مع نفسياتهم، و طباعهم الشرسة، و يجب عليها أن تغض النظر عن نفسيتها بسبب التحقير، و الذل، و الاهانة التي تلحق بها داخل مجتمعها الشرقي العقيم..
حتى المرأة التي حققت كل أحلامها، و سعت لإنجاز كل ما عليها انجازه هي مغضوب عليها بسبب قدرتها و تفوقها، و لن يسمحوا لها بالوصول إلى اذا التزمت بقائمتهم داخل أجندتها، و صار بإمكانها أن تخدم رؤياهم للوصول كآلة تستنفع من تحقير من عانَيْن، و يُعانِين من أجلها.. أو حتى من دونها.. هذه المرأة إن التزمت طريق الصواب عليها أن تجد متسعاً من الفضاء لتحلق خارج سربهم.. و يا ويلها إن لم يكن هناك من يساندها.. عليها كالجريحة أن تداوي جراحها و هي صامتة، و تطلب الحمد من سماء ربها كل مرة نجت فيها من مصيبة، و هي لوحدها!
من منا تضحك دون أن تشعر بنوبة ارتياب للحظات قبل أن تعاود المحاولة من جديد؟ كأنه مثل سماع الصوت الوحيد الذي ننجو به عندما يُسقِطْنا النوم في توهانه، من أراد أن يشعر بالحب يجب عليه ألا يبحث عمّن يكرهه. من يكرهني في غياب الضوء، و الانفجار تلو الآخر يضئ النوافذ، و يهز أعماق البيوت و جذور الشعر في آن واحد. عشتُ حربين في أقل من أريع سنوات و أنا أكره الخيال أكثر مما ينبغي لأنجو من الواقع الأليم. عشتُ طفولة حرمت فيها من حقي في اللعب، عشتُ مراهقتي دون أن الأحظ إلا قيوداً و أيد تمتد على جسدي، اختلطت بروحي الجراح و وصلنا في مرحلة الطفولة و المراهقة المبكرة لنوع من الحينين و الاستسلام للماضي، كنا نطلب من الله أن ينصفنا، إذا كان ينبغي أن نموت برصاصة.. فعلها تأتي بالرأس أو الصدر.. وصلنا فيها لمرحلة نختار الموت للنجاة من العذاب الذي رأيناه يصيب من حولنا؛ حتى شعرنا بإتهام بسيط نوجهه إلينا بأننا حقراء و أنانيين.. و سخرنا من الاستهزاء و البكاء حتى نسينا.. و صار الجرح جهة مقابلة للحياة.. أحياناً ينجو القليل، و غالباً يقع الكثيرين ضحية للموت و الاستنزاف.. أفتقد الشعور بالأمان؛ بأن أستيقظ دون أن أراعي ما يثير مشاعر الخوف بأعماقي. يا آلهة السماء فقدتِ نفسك، و انتهى الوهم.. لم نعد نراكِ و لا نشعر بأهمية وجودك في الحياة.. نشعر كل يوم بالضعف تجاه أنفسنا حتى كرهناكِ.. أيتها الآلهة أنتِ الشيطان.. لا تعلمين كيف نعيش كل يوم دون أن نر ما فقدنا البارحة.. لا تدرين أيا هذه الأرض لا يخيفنا سوى أنكِ تأخذين من يمدنا بالحياة لأنهم يسألون عنا، و نسأل عنهم.. كيف تجرأتِ على البوح بصمت قبل أن تعذرينا.. أيدري الله بالموت الذي أصبح كابوساً نراه كل يوم في المنام؟ أيدري من هو المذنب وحده عن هذه المصائب.. كل يوم تحملتْ المدينة العار و جرتْه بذيلها، و الأبواب مغلقة.. و الريح الساكنة تحمل غباراً أسود.. أيتها الآفاق ألا تستحين من هذا الظلم.. يموت كل شعور بالبراءة و لا يترك إلا شعوراً بالفقدان يخدش ما تبقى للناس من كرامات.. كيف استطعتِ أن تدوسي على كل الانسانية و أنتِ ترين هذا الشعور الذي تتركيه يقتلنا؟ لا حياء بعد الآن! أنا أعيش في مجتمع سرقوا مني طفولتي فيه ، و نهبوا مني هبة الطبيعة و أرواحها- روحي.. أن أعاني من كل شئ يدو حولي.. لا أستطيع أن أعاند نفسي أكثر مما قد تستمر الويلات وصراعاتها على مثل هذه المدينة، و لكن السؤال الذي لا أجد له أي اجابة هو معنى شعوري الآن.. أعيش كل فترة الحروب على هذه المدينة الملعونة في نفس بيت الأسرة.. التي قتلتني، نهبت مني طفولتي، و شعوري الجدي بالأمان .. كيف لي أن أعيش و أنا أراهم، و أشعر بكل ثقل وساختهم يكثف الهواء عن قلبي.. أخبروني كيف؟ هل يهمكم السماع لقصص نجاة بطولية؟ هل يقتلكم الحزن أم الحماسة للسماع عن أخبار من رأوا الموت بأعينهم.. ما بداخلي قتلوه و سرقوه و لم أعش لحظة دون هذا السواد بداخلي.. لو فتحت أعماق أسراري كهُوة للنفوذ لما رأيتم إلا الخراب الذي أصاب بي.. قلبي معطب، روحي تعيش في بقايا الركام الأسود.. الأصوات التي تنتزعني من الأعماق تشبه انهيار الجدران كلها عليّ نذيراً بمجئ الموت دون نجاتي.. هل لو صرختُ عالياً كنتم ستسمعونني؟ هل كنتم ستشعرون بحقارتهم؟ من يقتلني ليحرص على الاعتداء علي بعدها؟ من تصمت و هي تعلم بالذنب الذي يقترفونه بحقي؟ الوحوش الأوغاد الذين يغتالون الروح بقصد إيذائها كل مرة؟ كل هذه العلامات مشطوبة على ما تبقى مما أسميه قلبي.. أخترتُ أخيراً أن أصير عمياء.. اخترتُ أن أقتلهم بخيالي الواحد تلو الآخر.. و رغم استمرار وجودهم بالحياة، و لكن لدي أمنية لن ينزعوها مني مهما طال الأمر.. موتهم في جحيم لا يرحمهم إلا بما نهبوه مني.. قدرتي على الرؤية دون أن تتمزق عيني!

المصدر : مركز مساواة المرأه
1