**مع تزايد العنف الجنسي ضد المرأة في الشارعين المصري والتونسي، ظهرت دعوات لسحبها من المشاركة السياسية.
لم تقتصر الحركات المعارضة للإسلام السياسي الحاكم (سواء في مصر أو في تونس) على الفئات المسيسة المنطلقة من المشارب الليبرالية واليسارية، بل إن المعارضة امتدت إلى سائر أطياف المجتمع وفئاته، بالنظر لتيقن الجميع للتغييرات التي ترنو تيارات الإسلام السياسي إحداثها في بنية المجتمع، لذلك لم يكن غريبا أو نادرا رؤية نساء متدينات أو محجبات يتصدرن المظاهرات ضد الأحزاب الإسلامية الحاكمة.حمل صعود التيارات الإسلامية آمالا لكثير من أصحاب المرجعيات والتوجهات الإسلامية من المثقفين أو جموع الشعب بوجه عام. أملت النخب الثقافية المنتمية لمرجعيات إسلامية في أن تكون هناك أرضية سياسية متقبلة ومستوعبة ومؤيدة لتجسيد مشروعات فكرية إسلامية طموحة. وأمل المواطن العادي في العدالة الاجتماعية ونبذ المظالم التي تعد بها الأديان.
كذلك فالسيدات المتدينات عمومًا كن ينظرن للحكم الإسلامي كإطار لإثبات ذواتهن كفاعلات وناشطات لسن بأقل إسهاما وفاعلية من الناشطات المنطلقات من الخلفيات الليبرالية والعلمانية اللواتي كن يتصدرن المشهد بالضرورة، في ظل نبذ النخبة السياسية السابقة للحضور الإسلامي بشكل سافر أو مستبطن. لم يقتصر الأمر على هذا، إنما اقترن كذلك بأمل في القدرة على إثبات وترسيخ الهوية الإسلامية وتجلياتها الثقافية في الخطاب والممارسات، والتي كانت تعاني نوعًا ما من القهر (قهر الأغلبية) في ظل نظام حارب الإسلاميين بكل الطرق العنيفة وحول المظهر الإسلامي إلى شكل مُجرَّم.فكما رأينا، بدأت النخبة المثقفة من ناحية تتحدث عن تفعيل الاجتهاد و"المنظور الحضاري"، وتتحدث شرائح واسعة من المواطنين العاديين عن القضاء على رؤوس الفساد وعلى احتكار السلطة السابقة للموارد والخيرات. لكن هذا كله قابلته خيبة أمل شديدة، عندما بدا أن جل اهتمامات الحكم الإسلامي الجديد تتركز في حركة تبديل للأسماء القديمة في سائر المواقع، ووضع أسماء تدين له بالولاء محل تلك الأسماء القديمة رغبةً منه في فرض سيطرته على جميع الهيئات والمؤسسات.
لكن الأمر تفاقم مع أزمة الإعلان الرئاسي في تشرين الثاني 2012، والذي بدا أنه محاولة لوضع اليد على الثورة وعلى الدولة ككل. الأمر الذي اقترن كذلك بسوء إدارة للتفاعلات السياسية الساخنة أو نقول الدموية، وسوء إدارة للموارد، ورفع متوالٍ في الأسعار والرسوم ورفع مؤجل في الضرائب، إضافة لغياب أي طروح فكرية مستنيرة لاسيما في قضايا المرأة، والتي بدأ المتحدثون باسم التيار الإسلامي، خصوصاً من الاتجاهات السلفية، يدلون بتصريحات خطيرة بشأنها. ومع تزايد العنف الجنسي ضد المرأة في الشارع بفعل الغياب الأمني من ناحية، والحركة غير المنظمة وغير المسؤولة في كثير من الأحيان للمعارضة، من ناحية ثانية، ظهرت دعوات لسحب المرأة من المشاركة السياسية على الأرض مما زاد القوى الليبرالية تحفزًا ضد التيار الإسلامي بوجه عام.
المرأة: خيبات الأمل المنتجة إخوانيا
والحقيقة فقد بدا موضوع المرأة بصفة خاصة من الأمور المخيبة لأمل من تطلع إلى إصلاح اجتهادي في وضعها؛ أو من تطلع على الأقل في ألا يتغير وضعها انطلاقًا من أن الإخوان المسلمين كجماعة لا تتبنى خطابًا هجوميا ضد المرأة إنما تتبنى خطابا يمكن وصفه بالاعتدال. لكن بدا أن طبيعة التحالفات القائمة، خاصة بين الإخوان والسلفيين، واعتبارات المواءمات والتوافقات السياسية، جاءت على حساب قضية المرأة بوجه خاص.فعلى صعيد المشاركة السياسية للمرأة، وفي مطلع عام 2013، قام مجلس الشورى، الذي أصبح له مؤقتًا حق التشريع عقب سريان العمل بالدستور الجديد، وفي غياب مجلس النواب (مجلس الشعب سابقا)، بإلغاء التمييز الإيجابي للمرأة في القوائم الانتخابية. إذ تمكن نواب ينتمون لحزب النور السلفي وحزب البناء والتنمية (الجماعة الإسلامية) والعمل (الإسلامي)، ومعهم نواب مستقلون، من تشكيل أغلبيه تصويتية، ألغت بندا في المادة الخاصة بالقوائم الانتخابية، يخص وضع المرأة في النصف الأول من القائمة التي تزيد علي أربعة مرشحين، الأمر الذي اعتبره المجلس القومي للمرأة- الآلية الوطنية المعنية بالمرأة في مصر- بمنزلة مقدمة لعدم تمثيل المرأة في مجلس النواب المقبل بشكل مناسب رغم أن المرأة تمثل نحو نصف إجمالي عدد من يحق لهم الإدلاء بأصواتهم في البلاد إذ يبلغ عدد الناخبات المصريات نحو 23 مليون ناخبة من واقع كشوف الناخبين المسجلين.
اختزال المرأة في سوزان مبارك
وعلى صعيد قوانين الأحوال الشخصية، وهو المجال الأكثر أهمية وحساسية للنساء المصريات جميعًا، أظهر البرلمان المنحل ذو الأغلبية الإسلامية نوايا سيئة تجاه المرأة لم تتحول لحسن الحظ إلى قوانين نافذة.من ذلك النظر لمكتسبات المرأة باعتبارها تنتمي لسوزان مبارك، والمطالبة بالثورة عليها كجزء من الثورة على النظام البائد، أو النظر للقوانين الخاصة بالمرأة باعتبارها المجال الأول لتطبيق ما يعتبرونه من صميم الشريعة فيما يتعلق بسن حضانة الأبناء وسن الزواج والختان.من ناحية ثالثة، تأتي قضية العنف الجنسي لتزيد درجة الاستياء من الحكم والمعارضة في آن. ففي ورقة بحثية حديثة حول العنف الجنسي ضد النساء وارتفاع معدلات الاغتصاب الجماعي بميدان التحرير والمناطق المحيطة أعدها مركز نظرة للدراسات النسوية، وهو مركز حديث النشأة في مصر، جرى التأكيد على أن «خطاب جميع القوى السياسية والثورية ما يزال عاجزا عن الاشتباك مع إشكاليات القضايا النسوية وما زال يتهرب من طرح قضايا النساء بكل تعقيداتها وهو دور أصيل لأي حركة ثورية أو سياسية تطرح قضايا الحرية والمساواة».أما المسؤولية اللاحقة فتتضمن الاعتراف بحدوث تلك الجرائم البشعة والمشاركة في الضغط من أجل إجراء التحقيق حول تلك الجرائم لتحديد الفاعلين ومحاسبتهم… كما تتضمن المسؤولية اللاحقة قضية الإعلام الرسمي وتعاطيه المخجل مع تلك الجرائم المروعة والذي لا يخرج عن نطاق التعتيم الكامل أو التعامل معها بمنطق الإثارة وعدم احترام خصوصية من تم انتهاك أجسادهن» فضلا عن «مسئولية الدولة ومؤسساتها في التصدي لظاهرة العنف الجنسي المتزايد وفي ضمان سلامة المواطنات المصريات وحرية حركتهن».
في ظل هذه العوامل، وعوامل أخرى متعلقة بازدياد مستويات الفقر وغلاء المعيشة، باتت نساء كثر يتحولن إلى صفوف المعارضة النظامية وغير النظامية، فمن ناحية ناقشت تقارير حركة الانشقاقات التي تشهدها جماعة الإخوان المسلمين داخلياً من قبل شبابها من الجنسين، ومن ناحية ثانية تنقل التغطيات الإعلامية صور الفتيات والسيدات مرتديات الحجاب وهنّ يملأن صفوف المظاهرات المعترضة على الحكم الإسلامي. تبدو المرأة في تنازع بين رفض نظام الحكم الذي فشل في إدارته لأهم الملفات الوطنية فيما بعد الثورة، وبين التهديد بانهيار الدولة ذاتها في ضوء تزايد وتيرة العنف ضد المؤسسات الرسمية وارتفاع حدة الخطاب الداعم لهذا العنف.
* خلاصة بحث هند مصطفى «النسوية الإسلامية»، ضمن الكتاب 76 (أبريل 2013) «المرأة في العالم العربي وتحديات الإسلام السياسي» الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث- دبي.
المرأة.. أولى ضحايا الإسلام السياسي ورأس حربة معارضته!!
بقلم : هند مصطفى ... 04.12.2013
المصدر : العرب