أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
المساواة في الميراث تلفت الأنظار إلى مكانة المرأة التونسية!!
بقلم : شيماء رحومة  ... 22.08.2017

لامس مقترح الباجي قائد السبسي رئيس الجمهورية التونسية بمناسبة العيد الوطني للمرأة حول مسألة المساواة بين الجنسين في الميراث حقا شرعيا يتفاخر الرجال باكتسابه رافضين لأيّ قراءات تأويلية أو أيّ تدخل واجتهاد من القوانين الوضعية، والحال أن أغلب النصوص الدينية تفسر حسب أهواء ذكورية باسم الشرع.
تونس – فتحت تصريحات الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي بمناسبة اليوم الوطني للمرأة حول موضوع المساواة بين الرجال والنساء في الإرث ومطالبته من الحكومة سحب منشور يعود إلى العام 1973 يمنع زواج التونسيات المسلمات من غير المسلمين، جدلا واسعا على نطاق وطني وعالمي، كما أثارت العديد من التساؤلات حول مدى توافق أو تعارض حقوق المرأة في الشريعة مع القوانين الوضعية.
واعتبر الكثيرون أن خطاب الرئيس الذي أشار البعض إلى أن فوزه في الانتخابات الرئاسية كان الفضل فيه للصوت النسائي، “ثوريا” وهناك من وصفه بـ”الكارثي”.
وأثار الخطاب جدلا مجتمعيا واسعا في صفوف الأحزاب، ومختلف الأطياف السياسية بالبلاد وحتى خارجها وامتد إلى منصات التواصل الاجتماعي.
وفي حال تمت المصادقة على هذا الطرح الذي قال فيه الرئيس التونسي “الدولة ملزمة بتحقيق المساواة الكاملة بين المرأة والرجل، وضمان تكافؤ الفرص بينهما في تحمل جميع المسؤوليات.. يمكن المضي في المساواة في الإرث بين المرأة والرجل، وهذا رأيي.. أصبح اليوم من المطلوب ومن الممكن تعديل قانون الأحوال الشخصية المتعلق بالإرث بصورة متدرجة حتى بلوغ هدف المساواة التامة بين الرجل والمرأة”، ستكون التونسية أول امرأة في الدول العربية تحظى بمساواة من هذا النوع.
وتصاعدت ردود الفعل بين القبول والرفض، حيث رفض علماء ومشايخ تونسيون مساواة النساء بالرجال في الإرث، والسماح بزواج المرأة التونسية المسلمة من أجنبي، واعتبروا أنهما مناهضان لأحكام الإسلام ويشكلان “خطرا” على المجتمع التونسي.
وأكد وزير الشؤون الدينية الأسبق نورالدين الخادمي أن “الإرث في الإسلام حكم من الأحكام الشرعية.. وهو حكم قطعي لا يجوز المساس به أو الاجتهاد فيه”. وأضاف “القرآن الكريم فصّل مسألة المواريث، وتحديدا في سورة النساء، وهي لا تقبل أيّ اجتهاد”.
وانتقد مفتي الجمهورية السابق حمدة سعيد الطرح الرئاسي وقال “ما كنت أحسب أن أجلس في يوم أدافع فيه عن فكرة إسلامية كانت لمدة 1400 عام من المسلّمات، واليوم تسقط في المخالفات”.
وعلقت الأستاذة في جامعة الزيتونة فاطمة شقوت بالقول إن اقتراح تعديل تشريعات الميراث كأنه تشكيك “في حكمة المولى، وكأننا نقول لرب العزة إنك أخطأت في التقسيم.. وكأننا نحكم على الله بأنه غير عادل مع المرأة”.
وامتد الجدل إلى خارج تونس، إذ قال وكيل جامع الأزهر بمصر، عباس شومان، إن “المواريث مُقسّمة بآيات قطعية الدلالة لا تحتمل الاجتهاد، ولا تتغير بتغيير الأحوال والزمان والمكان”.وأعلنت دار الإفتاء التونسية تأييدها مقترحات السبسي، وقالت إنها “تدعم مكانة المرأة، وتضمن مبدأ المساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات، التي نادى بها الدين الإسلامي”.
كما رحبت جمعيات مهتمة بحقوق المرأة (خارج تونس) بالمبادرة، واعتبرتها خطوة في “الاتجاه الصحيح”.
وبقطع النظر عن مجمل هذه الردود فإن هذا الطرح الجديد يبدو منصفا جدا للعديد من النساء التونسيات اللائي يعانين من السطوة الذكورية في مسألة الميراث بالتحديد ولم تنصفهن القوانين الوضعية بوصفها تنأى عن مخالفة الشرع في هذه النقطة.
ولتوضيح ذلك على سبيل المثال كثيرا ما تنقطع المرأة في سن مبكرة عن متابعة تعليمها أو عدم الالتحاق بمقاعد الدراسة من الأساس من أجل إعالة عائلتها والمساهمة إلى جانب ذويها في تأسيس المنزل الأسري وتمكين إخوتها من مواصلة الدراسة، في المقابل لا تحظى في حال وفاة والديها بحقها فيما صرفت أجمل أيام عمرها في حصده بل ولا تحصل إلا على النصيب الأدنى ولا أحد من إخوتها يعطيها الحق في الحصول على النصيب الأوفر بل ويحاسبونها على نصيبها الزهيد ويقاضونها إذا رفضت الخروج من المنزل في حال لم تتزوج وليس لها مأوى غيره. ولا أحد يرحم ضعف المرأة في مثل هذه الحالات، لا الشرع بوصفه المستند الرسمي الذي يرفعه الإخوة الذكور في وجه الأخت ولا القوانين الوضعية التي اكتفت بتأجيل النظر في القضية بانتظار أن يجد الطرفان حلا وديا.
ولا تقف مسألة الميراث عند حد تطبيق ما جاء في الشرع، ففي أغلب المناطق التونسية لا يحق للمرأة أن ترث بحكم العرف ولا تتجرّأ على طلب حتى العشر من إخوتها الذكور وإذا حصل يعتبر فضيحة أخلاقية وتحصل قطيعة تمتد لأجيال وأجيال، ورغم ذلك فالأئمة والمشايخ الذين تعالت أصواتهم مطالبة بـ”عدم تغيير شرع الله” لم يسمع لهم “حس ولا خبر” حول وتعتبر تونس منذ 1956، وهو تاريخ صدور مجلة الأحوال الشخصية التي منحت النساء العديد من الحقوق وأنهت تعدد الزوجات، رائدة في العالم العربي على صعيد حقوق النساء، لكن التونسيات ما زلن يرثن نصف ما يرثه الرجال عملا بالشريعة الإسلامية.
قال أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، إنه من الظلم عقد مقارنات بين شريعة ربانية وهي الإسلام، وبين قوانين بشرية وضعية، والقوانين الوضعية في البلاد الحكيمة لا يمكن أن تتعارض مع شرعية الدين.
وأضاف كريمة في تصريح لـ”العرب” أن حقوق المرأة في القرآن، في الميراث أو المعاش والطلاق، واضحة ومُبينة ومبنية على حكمة بليغة، لكن هناك سوء في تطبيقها، مؤكدا أن هناك عدالة في التشريع وسلبيات بالجملة في التطبيق ما يعطي سمعة سيئة عن الإسلام، وهو بريء.
وأوضح “الشرع حكيم، له حِكَمٌ قد تخفى على الكثيرين إلا أن الله تعالى أعلم بخلقه، وقوانين الشريعة ثابتة، إن خفيت على أناس في زمن لا تخفى على آخرين، أما القوانين متبدلة ومتغيرة، ولا تنظر إلى المصالح والشريعة تنظر للمقاصد بقواعد راسخة، ولا يمكن أن يكون هناك توأمة بين الشريعة والقانون”.
ويرى محمد حافظ، المحامي المصري في قضايا الأحوال الشخصية، أن الحقوق في القانون لا يجب أن تتعارض مع الشريعة، لأن كليهما مكمّل للآخر، ومحاولة تغيير هذه القوانين الوضعية تحت مبرر المساواة، من الممكن أن يقود إلى مشكلات اجتماعية ودينية لأنه مرتبط بثقافات استمرت للآلاف من السنين.
وقال حافظ لـ”العرب” إن أيّ بلد عربي وإسلامي، تكون فيه القوانين الوضعية مراعية ومتماشية مع ما شرعه الدين من حقوق للمرأة، وما قد يجري من تنقيحات على القوانين الوضعية تكون مختلفة عن الشريعة، لا علاقة له بالحرية أو المساواة، لأن الشريعة لها حكمة إنسانية، مشيرا إلى أن وضع قوانين جديدة لا تتفق مع الشريعة من شأنه أن يفكك أيّ مجتمع بل وقد تكون طريقة تطبيق القانون حتى لو بذريعة المساواة “ظالمة” لآخرين.
قال الباحث العراقي رشيد الخيون “لا يخفى أن المرأة لم تكن لها حصة في الميراث، قبل الإسلام بين القبائل العربية، لكننا نعثر على رواية لدى الإخباري والمؤرخ محمد بن حبيب، المتوفى سنة 245 هجرية، في كتابه ‘المحبّر’، تقول إن رئيس قبيلة يُدعى ذا المجاسد عامر جشم قد قرر التوريث حسب القاعدة “للذكر مثل حظ الأنثيين”، ثم جاء الإسلام واعترف بهذه القاعدة، وكانت تعتبر حينها تقدمية، قياسا بما كان شائعا، توريث البنين دون البنات. وجاء في القرآن (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين).
وأضاف الخيون في تصريح لـ”العرب”، “لقد تشدد رجال الدين ضد الأنظمة التي حاولت مساواة النساء بالرجال في مسألة الإرث، لورود نص قرآني فيها، لكن الدولة العراقية مثلا أصدرت قانون الأحوال الشخصية قانون 188 لسنة 1959، وفسرت حينها الآية بأنها وصية والوصية غير ملزمة، مثلما هو القرار أو التحريم، كذلك اعتمدت على أن القانوني عبدالرزاق السنهوري عندما نظم القوانين العراقية جعل المساواة في توريث الأراضي الأميرية”.
وأوضح “بطبيعة الحال إن النصوص القرآنية قد نزلت على مصالح العباد، حسب الفهم المعتزلي للنص، فعلى سبيل المثال أن قطع يد السارق والسارقة جاء نصا واضحا، لكن رجال الدين وقوانين دول متشددة في تطبيق الشريعة لم تنفذه، لأن ذلك لا يتناسب مع طبيعة العصر، فلماذا التشدد من قِبل رجال الدين في آية التمييز في الإرث ولن تلتزم بحدِ قطع اليد، وغيره من الحدود، التي أصبحت الجرائم فيها تُعالج بأساليب جديدة”.
وتابع “كذلك نجد أن ما بين الشيعة والسُّنة اختلافا في مسألة توريث النساء، وفق اجتهاد فقهاء المذهبين، ففي فقه الشيعة الإمامية نجد أن البنت تحجب العصبة، وهم إخوان وأقرباء الموروث، فمَن لديه بنت واحدة أو بنات لا يشاركها أو يشاركهن أعمامهن، وكذلك اختلفوا في توريث العقار للمرأة. بمعنى أن المعاملات تخضع لمستجدات الزمن، واختلاف الفقهاء، ولا تؤخذ بتلك الحرفية”.
وأكد الخيون أنه “على ما يبدو أن شيوخ الأزهر باعتراضهم على القرار التونسي، وتونس كانت متقدمة في هذا المجال، يعاندون الزَّمن، ويحاولون تكييف الزمن للنص، وليس العكس. بينما للحسن البصري، وهو شيخ الفقهاء، والمتوفى سنة 110 هجرية يقول “دينا وسوطا لا ساقطا سقوطا ولا هابطا هبوطا، ولا ذاهبا فروطا” (الزمخشري، ربيع الأبرار). كذلك فالعقيدة التي أتى بها أبوالحسن الأشعري، المتوفى سنة 324 من الهجرة وهي عقيدة الأزهر الرسمية، جاء بمستجدات لم تكن موجودة قبله. هذا ويكفينا قول يُنسب لمعاوية بن أبي سفيان، وهو خليفة مسلمين يعترف به الأزهر “إن معروف زماننا هذا منكرُ زمان قد مضى، ومنكر زماننا معروف زمان لم يأت” (البلاذري، أنساب الأشراف، وابن عبد ربه، العقد الفريد)”.
خطوة جريئة
تباينت في ريبورتاج لإحدى الإذاعات التونسية الخاصة، آراء ومواقف الشارع التونسي بشأن مسألة المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة. وأكّد عدد من المستجوبين تأييدهم لهذه المسألة انطلاقا من ضرورة المساواة التامة بين المرأة والرجل في كل شيء وبالنظر إلى تطور الظروف الاجتماعية والاقتصادية ومنع أيّ محاولة لاستصغار المرأة واستغلالها اقتصاديا وتهميشها، في حين أكّدت عيّنة أخرى رفضها لمسألة المساواة في الإرث بالنظر إلى أن النص القرآني كان صريحا في تفصيل الميراث بين الرجل والمرأة، معتبرين أنه لا مجال للتأويل والاجتهاد في ما هو بيّن بصريح الآية القرآنية.
وتعتبر الإعلامية التونسية آسيا العتروس أن احتفال رئاسة الجمهورية بعيد المرأة سجّل خطوة جريئة تتعلق ببحث مسألة المساواة في الإرث بين المرأة الرجل بما يمكن أن يتماشى مع الدستور التونسي ودون أن يتعارض مع تشريعات الإسلام، ستضاف إذا ما كتب لها أن ترى النور إلى خطوات ريادية سابقة في مجال حقوق المرأة.
وقالت “لاشك أنها ليست المرة الأولى التي تطرح فيها مسألة المساواة في الإرث في تونس، إذ كان النقابي الطاهر الحداد أول من تجرأ على طرحها منذ 1929 في كتابه امرأتنا في الشريعة والمجتمع وواجه بسبب ذلك الاتهامات بالزندقة والكفر ومات بحسرته”، مشيرة إلى أن مجلة الأحوال الشخصية اعتبرت في حينها ثورية في مجتمع تحكمه العقلية الذكورية والعادات المتوارثة التي تجعل المرأة مواطنا من الدرجة الثانية.
وعلى ما يبدو فإن الرئيس التونسي ماض في قراره، حيث أشار إلى أن “النساء يمثلن 60 بالمئة من العاملين في قطاع الطب، و35 بالمئة في الهندسة، و41 بالمئة في القضاء، و43 بالمئة في المحاماة، و60 بالمئة من حاملي الشهادات العليا، كما أن المجتمع المدني يقوم على المرأة أساسا”، متسائلا لماذا لا تكون امرأة في منصب الرئيس في الانتخابات القادمة.

1