تتزايد الدعوات المطالبة بتمتيع المرأة بحقوقها ومنحها مناصب ريادية أكثر في العديد من الأقطار العربية، في وقت يرى فيه محللون أن دولا عديدة، خصوصا الخليجية منها، قد حققت أشواطا إضافية لدعم مكاسب المرأة وهي تسير بثبات على هذا المنهج رغم الفجوة التي تتركها أحيانا تقييمات التقارير والدراسات والبحوث الدولية التي تحاول التقليل من تزايد مكانة المرأة العربية في مجتمعاتها.
كشف تقرير جديد للبنك الدولي يرصد أوضاع المرأة في مجالي العمل والقانون لعام 2020، أن المرأة الخليجية ما زالت تجاهد لبلوغ مراتب متقدمة عالميا على مستوى الحقوق السياسية والاجتماعية في بلدانها.
وحلل التقرير في نسخته السادسة وضع القوانين والتنظيمات التي تؤثر على الفرص الاقتصادية للمرأة في 190 دولة حول العالم، عبر ثمانية مؤشرات تقيس عددا من العوامل، تشمل التنقل ومكان العمل والرواتب، إضافة إلى قياس القوانين المتعلقة بالزواج والأمومة وريادة الأعمال، وقدرتها على امتلاك الأصول، وحقها في التقاعد.
ويعود ذلك إلى أن قرارات تمكين المرأة جيدة ولكنها لا تكفي، المسؤولية تقع أيضا على المرأة نفسها وعلى المجتمع، فعلى سبيل المثال لولا الإرادة السياسية التي ساندت حق المرأة في دخول مجلس الشورى السعودي لما تحقق لها ذلك، ولكن تشجيع وتحفيز المجتمع لا يقلان أهمية.
وكان أحد تقارير منظمة الأمم المتحدة اعتبر، في عام 2017، أن متوسط حجم الأسرة في دول مجلس التعاون الخليجي يفوق بكثير حجم الأسرة في بعض الدول الغربية، ما يضع المزيد من الضغوط على المرأة الخليجية ويقلل من الوقت المتاح لها لممارسة هواياتها وإظهار إبداعاتها.
ورصد التقرير أن هناك فوارق في المعيقات باختلاف مجال التخصص، حيث أظهرت النتائج أن الإناث في تخصص الهندسة مثلا يعانين مستويات من الكبت الاجتماعي أعلى مقارنة بنظيراتهن اللاتي يدرسن التخصصات الفنية. وفي هذا السياق ترى إلهام الدوسري -أستاذة مشاركة ورئيسة وحدة الاعتماد الأكاديمي في قسم دراسات المعلومات بكلية العلوم الاجتماعية في جامعة الكويت- أن المرأة الخليجية “متأخرة” في مجالات التكنولوجيا وتقنية المعلومات، قائلة “هناك فجوة بين الرجل والمرأة في استخدام التكنولوجيا وتقنية المعلومات وأيضا تقلد الوظائف والمناصب في هذا المجال”.
وتابعت الدوسري -وهي متخصصة في السلوك المعلوماتي والمعلوماتية الطبية- “لا توجد رؤية واضحة لمستقبل المرأة العربية والخليجية في مجالات التكنولوجيا وتقنية المعلومات. وأكثر الاستراتيجيات والخطط الموضوعة لسد هذه الفجوة هي عبارة عن اقتراحات وتوصيات وما زال تنفيذها بطيئا جدا”.
وأشارت الدوسري في حديثها لـ”العرب” إلى أنه “حسب الدراسات السابقة فإن عدد النساء اللاتي يصلن إلى مراكز قيادية في التكنولوجيا لا يزال محدودا ولا يعكس حجم التواجد الكثيف للمرأة في هذا المجال. وأن مستخدمي الإنترنت وتكنولوجيا المعلومات من النساء أقل بكثير من الرجال”.
ومن أهم أسباب هذا التراجع الأمية التي تعتبر إلى الآن المشكلة الكبرى في الدول العربية وهي متفشية أكثر بين النساء، فيما يعود السبب الآخر وفق الدوسري إلى غياب العدالة المعرفية في استخدام الإنترنت والذي يرجع بدوره إلى غياب عنصر التشجيع والتحفيز على هذا النوع من القطاع للعنصر النسائي، وأيضا العادات والتقاليد المجتمعية بالإضافة إلى الأمية المعلوماتية وعدم الوعي بحقوقهن المدنية.
وأضافت “وأيضا عدم الشعور بالأمان والثقة لحماية المرأة من قضايا استخدام التكنولوجيا مثل التحرش، والعنف اللفظي، والابتزاز والتحيز ضد المرأة في استخدام التكنولوجيا بصورة غير سليمة مثل برامج المساعدة الصوتية الرقمية ذات الأصوات الأنثوية التي تسهم في تعزيز الصور النمطية السلبية المؤذية بحق المرأة”.
وترى الدوسري أن هناك عنصرين أساسيين لتفعيل دور المرأة في مجال تقنية المعلومات: أولا تطوير قدرات المرأة العربية والخليجية من خلال استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (التدريب ومحو الأمية المعلوماتية وزيادة الوعي). أما العنصر الثاني الذي سوف يحفظ حق المرأة في مواكبتها لهذه المسيرة المعرفية فهو تفعيل قوانين ومبادئ حماية المرأة في مجال استخدام التكنولوجيا وتقنية المعلومات.
وتؤكد أن العدالة المعرفية بين المرأة والرجل في الدول العربية والخليجية سوف تدعم وتعزز إنشاء المبادئ الثابتة لمجتمع المعرفة. لن يكتمل مجتمع المعرفة في دولنا إلا بتمكين المرأة في عصر العولمة.
وكشفت الأستاذة الكويتية عن تنظيمها، على هامش المؤتمر الدولي الأول الذي تقيمه كلية الحقوق بالكويت بالتعاون مع المنظمة الدولية لتمكين المرأة وبناء القدرات، ورشة عمل بعنوان “تعزيز المهارات التقنية للمرأة في المجتمع العربي” في أول أسبوع من فبراير المقبل بخصوص تمكين المرأة في البيئة الرقمية، لافتة إلى أن من بين أهم محاور الورشة: المرأة في قطاع تقنية المعلومات/ التعليم التكنولوجي ومجتمعات “تمكين المرأة”/ قضايا وتحديات لتعزيز المهارات التقنية للمرأة.
ومع ذلك لا يمكن إنكار أن المرأة الكويتية لم تعد تناقش البديهيات كحقها في التعليم أو العمل أو الخروج من البيت وإنما أصبحت تطالب بمشاركة أكثر أهمية، فهي اليوم تطالب بحق الاقتراع والترشيح لعضوية مجلس الأمة الكويتي، وقد حصلت عليه في عام 2005.
وهذا ما يظهر أيضا في خروج جهود المرأة الكويتية للمشاركة في أمور الوطن من دائرة الفردية إلى دائرة التنظيمات والجمعيات التي تشجعها الدولة بالمنح المالية والتسهيلات المختلفة.
وتبقى المرأة الخليجية من بين نساء الدول العربية في سعي دائم للمسك بزمام المبادرة وشق طريقها نحو المناصب القيادية في المؤسسات الحكومية والخاصة. ورغم تقلد عدد من النساء مناصب وزارية في دول الخليج العربي، ونجاح قياديات في ابتكار مشاريعهن الخاصة، إلا أن المرأة الخليجية ما زال بانتظارها مشوار طويل من أجل الحصول على موقعها المناسب في المجتمع الخليجي.
بين الأمس واليوم
لكن وفقا لأمل بنت عبدالرحمن الخروصي -مديرة مدرسة بمحافظة مسقط، وحائزة على جائزة المرأة العربية في الإدارة المدرسية على مستوى الوطن العربي- فإن تقرير البنك الدولي مجحف بحق المرأة العمانية، وعن ذلك تقول متسائلة “أين نحن اليوم من الأمس؟”.
وأكدت الخروصي في حديثها لـ”العرب” أن عمان الأولى على مستوى الوطن العربي في تمكين المرأة، مشيرة إلى أنه بالرغم من أن “الدول الغربية أفضل منا بكثير ولكن في نفس الوقت بلغنا شوطا كبيرا في تمكين المرأة”.
وأضافت أن رأي التقرير قابل للمراجعة، لأن المرأة في الخليج حظيت بثقة كبيرة جدا من قبل حكوماتها وأعطيت حقوقا تفوق حقوق الرجل ومتواجدة بقوة في جميع المهن والوظائف.
وتابعت أن “للمرأة دورا بارزا وفعالا في دفع عجلة التنمية الاقتصادية في بلدها ناهيك عن تمكنها في أغلب المناصب العليا، مثل منصب السفير والوزير وعضو مجلس النواب، وارتقت بمكانتها وأثبتت جدارتها رغم القيود والعادات والتقاليد التي نجحت في تجاوزها بالصبر والثبات والتحدي”.
وتعكس هذه المكاسب، في معظمها، تشريعات وسياسات وقوانين تبنّتها الحكومات العمانية منذ تأسيس الدولة الحديثة عام 1970، لتجسيد المقولة الشهيرة للسلطان الراحل قابوس بن سعيد إن “الوطن لا يحلق من دون المرأة”، على أرض الواقع، عن طريق تمكين المرأة، والسعي الدؤوب إلى خلق مجتمع يحقق التوازن بين الجنسين.
وتشاطر لمياء عبدالمحسن البراهيم -كاتبة رأي سعودية وطبيبة استشارية في طب الأسرة والمجتمع- نظيرتها العمانية الخروصي الرأي، حيث بسطت في حديثها لـ”العرب” قراءتها لما جاء في التقرير الصادر عن البنك الدولي، قائلة إن المملكة العربية السعودية صنفت بأنها الدولة الأعلى تقدما وإصلاحا على مستوى دول العالم.
وأضافت البراهيم أن السعودية حصلت على المرتبة الأولى خليجيا والثانية عربيا بعد المغرب، محققة قفزة نوعية بتسجيلها 70.6 من أصل 100 درجة، مشيرة إلى أن المملكة تقدمت بمقدار 45 درجة عن العام الماضي، حيث كانت تسجل أدنى درجة عالميا.
قدمت الطبيبة السعودية لمحة بالأرقام عن المؤشرات التي سجلت بفضلها المملكة تقدما، قائلة إن السعودية “تحسنت في 7 من أصل 8 مؤشرات رئيسية ترتبط بأنظمة المرأة، وفق التالي: حرية التنقل من الدرجة صفر إلى تحقيق 100 بالمئة/ البدء بالوظيفة من الدرجة 75 بالمئة إلى تحقيق 100 بالمئة/الحصول على معاش التقاعد من درجة 50 بالمئة إلى تحقيق 100 بالمئة/الزواج من درجة 20 بالمئة إلى 60 بالمئة/ريادة الأعمال من درجة 75 بالمئة إلى تحقيق 100 بالمئة/رعاية الأطفال من درجة 20 بالمئة إلى 40 بالمئة”.
وتابعت قائلة “حافظنا على درجتنا في المؤشر الثامن والأخير، وهو مؤشر الأصول والممتلكات بنسبة 40 بالمئة”.
وأوضحت أنه “تم تغيير بعض القرارات منها الموافقة على تعديل المادة (38) من نظام التأمينات الاجتماعية بما يحقق المساواة بين الرجل والمرأة في سن التقاعد بحيث يكون 60 سنة لكلا الجنسين لأن البعض يجبرها على التقاعد بعد سن الخمسين”.
أما بخصوص مراعاة وضع المرأة السعودية في الحمل والولادة، فلا يجوز لصاحب العمل فصل العاملة أو إنذارها بالفصل أثناء حملها أو تمتعها بإجازة الوضع، ويشمل ذلك مدة مرضها الناشئ عن أي منهما، على أن يُثبت المرض بشهادة طبية معتمدة، وفقا للبراهيم.
تجدر الإشارة إلى أن الدفع بإصلاحات جريئة لأوضاع المرأة السعودية تطلّب إزالة كم هائل من العوائق الاجتماعية والدينية؛ حيث تمّ تقليص سطوة رجال الدين المتشدّدين على المجتمع، وجرى تقييد سلطات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحدّ من سلطاتها التنفيذية.
وقالت الطبيبة السعودية “قد تكون هناك فجوات في تحقيق المساواة النوعية بحسب الجنس (الجندر) لكن ماذا يقصد بـ’الجندر’ وهو مصطلح بدأ استخدامه في السنوات الماضية القليلة ويصف الخصائص التي يحملها الرجل والمرأة كصفات مركبة اجتماعية، لا علاقة لها بالاختلافات العضوية؟”.
وأضافت “ومصطلح الجندر أو النوع الاجتماعي وفق ما عرّفته وثيقة صادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي يشير إلى الخصائص الاجتماعية والمشاركة في النشاطات الاجتماعية كفرد في جماعة محددة”.
وختمت البراهيم بالقول “ولأن هذه الخصائص هي سلوك وتصرفات يتم تعلمها، فهي قابلة للتغير وهي تتغير بالفعل عبر الزمن وتختلف باختلاف الثقافات لذلك حاولت السعودية في السنوات الماضية سد الفجوة بين الرجل والمرأة من خلال خصائص بيئية محددة في المملكة من دون الإخلال بالديموغرافيا المجتمعية أو مكانة المرأة في الإسلام”.
وبحث البراهيم بدقة في حيثيات التقرير الدولي تزامن مع بوادر التغيير التي ارتبطت بالسعوديات في السنوات الأخيرة، فالمرأة في المملكة أصبحت منذ أن تولّى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز العرش تعيش على إيقاع وتيرة من التغييرات والإصلاحات المتسارعة، جعلتها أكثر تطلعا إلى مستقبل تسود فيه مساواة حقيقية بين الجنسين.
وكانت السعودية قد شهدت في عام 2017 سلسلة من القرارات الملكية التاريخية، تضمنت منح النساء عدة حقوق لأول مرة، منها رفع الحظر عن قيادة السيارة، والسماح لهن بدخول ملاعب كرة القدم، وتوليهن مناصب عليا في البلاد.
ولم تأت مختلف هذه المكاسب التي حظيت بها المرأة السعودية من فراغ، بل كانت باكورة “رؤية 2030” التي أطلقها الأمير محمد بن سلمان في عام 2016.
كما أن مشاركة المرأة السعودية في العمل السياسي بدأت منذ عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، حيث حصلت على حق التصويت والانتخاب في المجالس البلدية، وحق التعيين في مجلس الشورى، كما وصلت إلى مناصب سياسية عليا مثل منصب نائبة، ووزيرة.
وتعتبر الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان بن عبدالعزيز آل سعود، باختيارها لتكون أوّل امرأة سعودية تشغل منصب سفيرة، رمزا مجسّدا لأكبر تحوّل في أوضاع المرأة في السعودية.
هناك سيل من القرائن التي تكشف نجاح المرأة الخليجية وتقدمها الحثيث نحو المساواة، وتعد دولة الإمارات المتحدة رائدة في تحقيق مبدأ التكافؤ في الفرص بين المرأة والرجل، فهي الأولى عربيا والـ26 عالميا بتقرير المساواة بين الجنسين. كما أن المرأة الإماراتية تقود البرلمان، بالإضافة إلى أن الإمارات لديها أصغر وزيرة في العالم. كما أن أكبر نسبة تخرج نساء قياسا بعدد السكان حققتها فتيات دولة الإمارات.
وتعتبر أمل القبيسي أول إماراتية تفوز برئاسة المجلس الوطني الاتحادي عبر انتخابات تشريعية، وبذلك تكون أول امرأة ترأس البرلمان في الخليج والعالم العربي.
وكانت الإمارات احتضنت في ديسمبر الماضي القمة العالمية لتمكين المرأة، تحت شعار “محركات التغيير”، والتي قدمت صورة حية عن النجاح الذي حققه عدد كبير من النساء العربيات من مختلف أنحاء العالم، في مجال التمكين الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وفي افتكاك مكانة في المجتمع.
وأكدت نورة السويدي -مديرة الاتحاد النسائي العام- على هامش لقائها بمفيرحات كامل وزيرة السلام الإثيوبية، أن المرأة في الإمارات تتمتع بحقوقها الوظيفية والمجتمعية كافة.
ولا تبدو المرأة البحرينية بعيدة عن نظيراتها الخليجيات، فمعظم البحرينيات يمتهنّ مختلف المهن الرئيسية ويترأسن الجمعيات النسائية والمنظمات النسائية.
وهذه القدرات ساعدتهن على تبوؤ مختلف المناصب والخوض في جل المجالات، وذلك عائد إلى أن البحرين كانت أول دولة خليجية تقوم بتعليم المرأة بالإضافة إلى أنها أول دولة خليجية ظهرت فيها منظمات اجتماعية نسوية عام 1965.
ولهذا باتت الحاجة ملحة اليوم إلى قيام دول مجلس التعاون بإعادة النظر في تأقلمها مع تقدم المرأة في مجال المشاركة في مختلف المجالات والميادين.
حقوق المرأة الخليجية: بون شاسع بين الواقع والطموح !!
بقلم : شيماء رحومة ... 26.01.2020
المصدر :العرب