يحفل المشهد العراقي في الآونة الأخيرة بالعديد من الفعاليات والحراك المحموم لوقف الانتهاكات التي تتعرض لها النساء في العراق، أطلقت خلالها العديد من المنظمات الحقوقية والناشطين والسياسيين والمنظمات الدولية، صرخات تحذير من التداعيات الخطيرة لتدهور أوضاع حقوق المرأة في المجتمع.
وفي مرحلة ما بعد الاحتلال عام 2003 وفي ظل تفشي العنف والفوضى والانتهاكات في المجتمع، أصبحت المرأة في العراق من أبرز ضحايا انهيار الأوضاع عموما وحقوق الإنسان خصوصا، وذلك لكونها الحلقة الأضعف وسط عسكرة المجتمع وسيادة الأفكار الظلامية والفاسدة فيه، في وقت عجزت الحكومات عن وقف الانتهاكات الواقعة بحقها.
وازاء استفحال تدهور أوضاع المرأة في العراق، بدأ حراك مؤخرا حاولت خلاله منظمات حقوقية وناشطون، جر الحكومة للتحرك لتغيير الواقع المرير.
فقد استقبل رئيس الجمهورية برهم صالح، اللجنة العليا للفريق الوطني للقرار 1325 لبحث التقرير الخاص بتنفيذ خطة العمل الوطنية العراقية لقرار مجلس الأمن 1325 المعني بالمرأة والسلام والأمن، إضافة إلى مناقشة أوضاع المرأة في ظل الظرف الراهن.
وأكد صالح على أهمية “الارتقاء بواقع المرأة العراقية، وتوفير الأجواء البيئية والاجتماعية لحمايتها من أشكال العنف كافة” مشيرا إلى “أننا أمام مسؤولية تاريخية تدعونا إلى الانتصار للمرأة، وضرورة تمكينها من أداء دورها داخل مجتمعاتنا، وفي قيادة المؤسسات الحكومية وتقلد المناصب السياسية إلى جانب الرجل”.
*إجراءات للحيلولة دون العنف
وقبل أيام وبدفع من بعثة الأمم المتحدة في العراق، أطلقت الحكومة ما سمته “الاستراتيجية الوطنية لمناهضة العنف ضد المرأة” من خلال اجتماع مشترك عقد في بغداد ضم مسؤولين حكوميين وممثلي بعثة الأمم المتحدة في العراق “يونامي” وممثلي بعض السفارات الأجنبية.
وذكرت نائبة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية، أليس والبول، في كلمة ألقتها في الاجتماع “اليوم هو يوم ملائم للتفكير والتحدث بشأن حقوق المرأة في عيش حياة خالية من العنف” مبينة ان “الاستراتيجية الوطنية ستكون بمثابة أداة هامة للحكومة العراقية للوفاء بالتزاماتها الدولية في مجال النوع الاجتماعي، بما فيها أهداف التنمية المستدامة، واتفاقية القضاء على جميع أشكال العنف ضد المرأة، وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1325 بشأن المرأة والسلام والأمن”.
وقال ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان في العراق، أولوريمي سوجنرو: “إن هذه الاستراتيجية هي انتصار آخر للنساء والفتيات في العراق، وإن صندوق الأمم المتحدة للسكان سيعمل مع حكومة العراق لتطوير هذه الاستراتيجية من خلال توفير القدرات الفنية والخبرة”.
أما بعثة الأمم المتحدة في العراق “يونامي” فأصدرت بيانا أشارت فيه إلى “ان الاستراتيجية توفر إطارا عاما يرتكز عليه السياسيون وصانعو القرار في اتخاذ إجراءات ملموسة تهدف إلى الحيلولة دون وقوع العنف ضد النساء والفتيات، وحماية الناجيات من العنف. ويلزم اعتماد كل الأطراف ذات المصلحة على هذه الاستراتيجية الوطنية المطورة، حكومة العراق والأمم المتحدة باتخاذ الإجراءات اللازمة في هذا المجال”.
وأكدت البعثة الأممية أنه لا تزال هناك تحديات كبيرة مثل عدم اعتماد البرلمان لقانون حماية الأسر من العنف المنزلي، مبينة إن تأخير الموافقة على هذا القانون في البرلمان، يعيق مسيرة تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة وكذلك التنمية الوطنية الشاملة وبناء السلام.
وفي بيان آخر للبعثة أدانت “كافة أعمال العنف، لا سيما العنف ضد النساء، بما في ذلك القتل والتهديد والترهيب، باعتبارها أعمال غير مقبولةٍ على الإطلاق”.
وفي سياق محاولات متواضعة لوقف التدهور المتنامي في حقوق المرأة، أقامت منظمات المجتمع المدني العديد من الندوات والاجتماعات لمناقشة كيفية وقف انهيار أوضاع المرأة، ومن ذلك ندوة نظمها مركز “تمكين للمشاركة والمساواة” في الناصرية جنوب العراق، بعنوان “التمييز الجنسي وانتهاك حقوق وكرامة المرأة في قانون العقوبات العراقي” لإلقاء الضوء على تفاقم مشاكل التمييز الجنسي في المجتمع العراقي جراء القوانين القديمة التي فشلت في توفير الحماية الكافية للنساء اللواتي يتعرضن لمختلف أشكال الاعتداءات. وقد ركز المشاركون في الندوة من منظمات المجتمع المدني والجهات الحقوقية والناشطون، على أهمية تعديل القوانين لتوفير الحماية للمرأة وتعزيز دورها في المجتمع بما ينسجم مع تأكيد الدستور على المساواة بين الجنسين، داعين البرلمان إلى ضرورة إقرار قانون حماية الأسرة المعطل في أدراجه منذ سنوات، إضافة إلى أهمية تشكيل مجلس أعلى لشؤون المرأة، لمراعاة حقوقها ودورها الذي تؤكد عليه المعاهدات والاتفاقيات الدولية.
*المرأة في المناصب القيادية
وفي السياق ذاته، أقام مركز “بابليات” لتمكين المرأة في محافظة بابل جنوب بغداد، الملتقى الأول لمناقشة بعض الانتهاكات التي تتعرض لها النساء في محافظة بابل والتي رصدها فريق العمل التطوعي في المركز.
وتطرقت مديرة المركز نورس حسين إلى انتهاكات حقوق المرأة في العراق بشكل عام وبابل بشكل خاص وذكرت عددا من المواضيع التي عمل عليها المركز مشيرة إلى حالات الرصد في كل محور وهي (حق المرأة بالتعليم والتسرب من المدارس وموضوع المتسولات وحقوق المرأة في المناصب القيادية وعدم تمكنها من مزاحمة الرجال والانتهاكات التي تتعرض لها المرأة المرشحة أثناء الانتخابات والعنف ضد المرأة بشكل عام) منوهة إلى ان الفريق التطوعي للمركز رصد الكثير من الحالات التي تستحق الوقفة وإيجاد الحلول الآنية والحلول المستقبلية لخطورتها على المرأة والأجيال المقبلة، مناشدة مجلس النواب العراقي بتشريع عدد من القوانين التي تحفظ للمرأة حقوقها وكرامتها.
ويذكر أن استخدام العنف ضد المرأة قد وصل مؤخرا إلى مراحل خطيرة، حيث شهدت مدن العراق سلسلة من عمليات الاغتيالات المنظمة التي نفذتها جهات مسلحة مجهولة ضد شخصيات نسائية بارزة في المجتمع العراقي، مما أثار موجة من ردود الأفعال الغاضبة. ففي تغريدته على مواقع التواصل الاجتماعي إدان رئيس تحالف تمدن النائب فائق الشيخ علي، عمليات اغتيال بعض النساء قائلا:”وأخيراً تارة فارس، ومن قبلها سعاد العلي ورشا الحسن ورفيف الياسري، اغتيال نساء الجمال والنجاح والنشاط والمدنية، وسيستمر مسلسل اغتيال النساء من قبل وحوش الظلام والعصابات والسلاح المنفلت، من قبل أعداء الإنسانية والحب، من المشوهين الموتورين” الذين وصفهم بـ “بقايا الزمن النتن”.
*القوى الظلامية
وأفادت الرئيسة السابقة للجنة الثقافة البرلمانية ميسون الدملوجي في تصريح صحافي: “أن استهداف النساء هو استهداف للمجتمع ككل، ومن خلال اغتيال النساء تريد تلك القوى إخافة الأسرة والرجل والطفل على حد سواء” منوهة إلى ان القضية ليست جديدة، وأن على القوات الأمنية أن تكشف عن طبيعة هؤلاء المجرمين، معربة في ذات الوقت، عن خشيتها من أن تكون تلك العصابات تتسر بالأحزاب السياسية. وأكدت الدملوجي “أن هذه القوى الظلامية تعمل على جعل بغداد مدينة مرعبة” مشددة على أن “بغداد ليست قندهار”.
أما القيادية الكردية ريزان شيخ دلير، فقد وجهت نقدا لاذعا لموقف الحكومة الذي وصفته بـ”السيء” من عمليات “قتل النساء” المستمرة مؤكدة إن “عمليات قتل النساء مستمرة منذ نحو شهرين، وستستمر خلال المرحلة المقبلة ما لم تضع الحكومة حداً لمثل هذه الجرائم التي تضاف إلى إضعاف دور المرأة في المؤسسات الحكومية”.
وحذرت في بيان لها “النساء العاملات في الأمم المتحدة والبعثات الدبلوماسية والناشطات المدنيات من استهدافهن خلال المرحلة المقبلة ضمن حملة التصفيات التي يقوم بها مجهولون” داعية مجلس النواب الحالي لتشريع قانون لحماية المرأة.
وإضافة لما ورد، فقد تعددت أشكال الانتهاكات التي تتعرض لها النساء حيث وقعت المئات من حوادث الخطف كان آخرها اختطاف الناشطة والطبيبة هاجر يوسف التي كانت تشارك في تظاهرات البصرة وتقدم الإسعافات إلى المتظاهرين في المحافظة. وذكرت المصادر، إن “مجموعة مسلحة قامت باختطاف الناشطة والطبيبة هاجر يوسف من أحد شوارع البصرة، بعد ضربها وفقدانها للوعي”.
وتأكيدا لواقع المرأة المتردي أعلنت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، إحصائيات عن ملامح انهيار حقوق الإنسان في العراق وبضمنها النساء المعنفات، مؤكدة انه “بعد مرور 70 عاما على الإعلان العالمي عن حقوق الإنسان ما زالت هناك نساء معنفات وفتيات يحرمن من التعليم في العراق”.
وطالبت المفوضية، الحكومة العراقية بكشف تفاصيل الحوادث الإجرامية التي تطال النساء والفتيات العاملات في مجالات مختلفة وفي وضح النهار، مؤكدة أن “المفوضية تتابع إجراءات التحقيق في كل هذه الجرائم للتأكد من التزام جميع مؤسسات الدولة بجميع المعاهدات وبنود الدستور والقوانين” مقرة بأنها لم تلمس أي تعاون من قبل الجهات المعنية لتزويديها بالوثائق لمتابعة إجراءات التحقيق والقضاء، وأن “المجتمع العراقي يعاني من خطاب الكراهية والدعوة إلى العنف والتطرف وإقصاء الآخر بمجرد اختلافه في الرأي أو العقيدة أو المظهر”.
وفي حين يؤكد وهاب الطائي مستشار وزارة الداخلية أن “للوزارة شُعب في كل قيادات الشرطة لمكافحة العنف الأسري، وهي تقوم بمهامها وتلقي القبض على المجرم وتحيله إلى القضاء” إلا ان منظمات حقوق الإنسان والناشطين والناشطات يؤكدون أن ذلك لم يمنع تزايد حالات الاعتداء على النساء بمختلف الأشكال والحالات.
وقد تم تشكيل “مديرية حماية الأسرة والطفل من العنف الأسري” التي تختص بمنع الاعتداء الجسدي أو الجنسي أو النفسي أو الفكري أو الاقتصادي الذي يرتكب أو يهدد بارتكابه من أي فرد من أفراد الأسرة ضد الآخر.
وتشير مصادر مطلعة إلى أن مشروع قانون حماية الأسرة يرقد منذ سنوات في أدراج مجلس النواب، دون إقراره رغم حجم الانتهاكات الفادحة التي تتعرض لها الأسرة العراقية عموما والمرأة خصوصا وذلك بسبب اعتراضات أحزاب الإسلام السياسي في البرلمان التي تسعى لفرض فكرها ونهجها على المجتمع العراقي دون مراعاة للتطورات العالمية في أوضاع حقوق الأسرة والمرأة.
ومع ذلك، يؤكد المتابعون ان المشكلة في العراق ليست في وجود القوانين والتشريعات التي تكفل حماية الأسرة والمرأة وإنما في تطبيقها على أرض الواقع في ظل تجاهل رسمي وشعبي لدور المرأة وتأثيرها على المجتمع، ووسط فوضى عارمة تضرب أرجاء المجتمع العراقي وتنتهك حقوق الإنسان عموما ضمن تداعيات مرحلة الانفلات ما بعد 2003.
المرأة العراقية الحلقة الأضعف وسط غابة الانفلات والانتهاكات !!
بقلم : مصطفى العبيدي ... 23.12.2018
*المصدر: القدس العربي