أحدث الأخبار
الخميس 21 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
علاقة المرأة باللغة!!
بقلم : سوسن حسن  ... 28.04.2021

هناك مثل صيني يقول بأن اللغة سلاح المرأة، وأن المرأة تفعل كل ما بوسعها كي لا يصدأ هذا السلاح، فاللغة رأس مالها الوحيد. وهناك من اللغويين من يقول بأن المرأة لشدّة حذرها في استخدام اللغة، تقع كثيراً في مطب الصمت، حين تشعر بأن الكلمات لا تسعفها على قول ما تريد قوله.
وأنا أكتب أطروحة الماجستير عن انعدام الأمن اللغوي لدى النساء المهاجرات من شمال أفريقيا، مرت عليّ مشاهد أدبية لكاتبات كثر تطرقن لعلاقتهن باللغة في وصفهن لها بأنها سلاح ذو حدين، فهي كالأيام، قد تكون يوماً لنا ويوماً علينا. أبرز مثال لرواية تضع قاصتها في انعدام أمان لغوي هي “كدمات النحل” للأرجنتينية لورا ألكوبا، إذ تحكي صفحات الرواية علاقة الكاتبة بلغتها الأم، الإسبانية، واللغة الفرنسية، التي اضطرت لتعلمها لدى هجرتها مع أمها الى باريس بعدما تم سجن أباها في ستينات القرن الماضي بسبب آرائه السياسية، فتعبّر في صفحات الرواية عن شعورها بعدم الأمان عند تحدثها هذه اللغة الجديدة، غير المتمكنة منها: “أخجل من لهجتي”.
كلما طلب أحد منها مشاركته الحديث باللغة الفرنسية، تشعر أنها تكرر ذات الكابوس، إذ هي في الباص عارية وسط جموع غفيرة، وهي لا تعرف كيف وصلت عارية و كيف يمشي الباص بهذه السرعة، رافضاً التوقف، والكل يسمعها ويعرف أنها أجنبية وأنها لا تتقن الفرنسية بشكل جيد بعد. هذا كابوس فعلي عانت منه لورا وهي طفلة، وكان انعكاس لخجلها من لهجتها الإسبانية عند تحدثها باللغة الفرنسية ، وكرهها للغتها الأم، لتشعر فجأة بأنها عارية، دون لغة. هذه الاستعارة التي استمرت لصحفات من الرواية تعكس علاقة المرأة الحميمة باللغة، التي إن خسرتها، خسرت كل شيء، وكيف أن لورا قاومت حتى تمكنت منها، ليصبح سلاحاً لها، لا عليها.
تجد سيمون دو بوفوار بأن “المرأة لا تولد امرأة بل تصبح امرأة” ، وكذلك لغتها التي تقوى أو تضعف بحسب خضوعها للظروف الاجتماعية التي قد تفرض عليها. تقول سيمون أنها لم تدرك مدى الاضطهاد التي تتعرض له المرأة من قبل المجتمع إلا في سن الأربعين، لأنها لم تتعرض له قط، فقد ولدت في وسط اجتماعي شجعها على إكمال تعليمها، وتقلد مناصب مرموقة بفضل اللغة. لم تكن تدرك بأن البعض الآخر من النساء لم يحظين بهذه الفرصة، وبأن اللغة ليست حليفة الجميع.
هناك من يستعمل اللغة سلاحاً ضد المرأة، من أجل إحباطها والتقليل من شأنها، لأنه يعرف مدى قوتها وقدرتها على التفوق. المرأة تفعل كل شيء بحب، وان تحدثت أو كتبت، فعلت ذلك بحب، مختارة أجمل الكلمات الموجودة في مستودعات عقلها المنظم. وهي تتحدث عن الكائن الذي يصبح امرأة، ترمز سيمون إلى شيء من الضعف جعلها تربط نفسها بعالم الرجال، حتى لا ينظر الآخرون اليها بدونية، أو يسند إليها مهام تعيقها من إعتلاء عرش المثقف، كالزواج وإنجاب الأطفال، والجلوس في المنزل. أنا لا أتفق مع سيمون، لأن المرأة من فرط قوتها تستطيع القيام بكل هذه المهام وهي مبتسمة راضية عن نفسها.
ما سر علاقتها المتذبذبة مع اللغة اذاً، التي قد تسعفها حيناً و تغيب عنها حين آخر؟
هل هو الصمت ؟ ذلك الهدوء الذي تحتاج إليه المرأة كي تستجمع قواها وتنطلق مجدداً، مثل الصمت الذي وصفته فيرجينا وولف في “إلى المنارة”، وهي تشبه السيدة رامساي، الزوجة والأم، بالمدفأة التي يجتمع أفراد الأسرة حولها، لتعطيهم من دفئها دون كلام أو طلب مقابل. هناك الصمت الذي تحدثت عنه كذلك في “غرفة تخص المرء وحده” وهي تفكر بالجملة النسائية، فهو لا يعني بالضرورة أن المرأة ضعيفة، أو أنها تعاني من انعدام الأمن اللغوي، بل أنها في حالة ترقب لما يتوقع منها أن تقول، وما ترغب هي أن تبوح به.
تتحدث فاطمة المرنيسي في “أحلام النساء” عن الحدود التي تفصل الرجال عن النساء، وعن ما أمره الأباء من احترام لهذه الحدود في الكلام و الفعل، إلا أن المرأة عرفت كيف تخترق هذه الحدود باللغة التي عملت على تنميقها، والتحدث بها بالعرف السائد، كي تسمع صوتها.
أولئك النساء اللاتي لا يعترفن بالقوانين اللغوية الأبوية قررن صنع كلماتهن الخاصة وإدراج اسمائهن بين كل مذكر، فولدت الكتابة الشاملة التي ترفض الكثير من الحكومات الأوروبية الإعمال بها، معللة بأنها تسبب انعدام الأمن اللغوي عند الكتابة أو التحدث وتعطي اللغة بشاعة، كأن تقول أو تكتب على سبيل المثال “الطلاب والطالبات”، بعدما كانت كلمة “الطلاب” تشمل الجنسين. اللغة الشمولية أعطت اللغة الفرنسية كلمات حروفها مفصولة بالنقاط étudiant.e ومناصرو المرأة في إسبانيا قرروا استحداث اللغة المحايدة، فأضافوا حرفاً في نهاية كل كلمة يرمز للرجل والمرأة.

1