أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
الوصاية الذكورية على أجساد النساء تساهم في حظر سكنهن في الفنادق بمفردهن!!
بقلم : أميرة فكري ... 03.06.2021

رغم تطور التشريعات التي تعنى بحقوق المرأة في الدول العربية، ورغم المكانة الاجتماعية التي حظيت بها، فإنها ما تزال حبيسة نظرة دونية تكرس للوصاية عليها بمنعها من الإقامة بالفنادق والمنشآت السياحية دون أن يكون برفقتها محرم وذلك بدعوى عدم الانزلاق الأخلاقي وإقامة علاقات خارج إطار الزواج، حفاظا على الآداب العامة.
مازالت الكثير من النساء في مجتمعات عربية بعينها يواجهن اضطهادا من نوع خاص، فرغم المكتسبات التي حظيت بها المرأة في دول عديدة على مستوى التمكين والخروج للعمل والتحرر من الأسر العائلي بسن تشريعات تحفظ لها مكانتها وكرامتها، إلا أنها مازالت محرومة من الحد الأدنى للخصوصية والاختلاء بالنفس، ولو كان عن طريق الإقامة بأحد الفنادق.
وتهيمن على بعض الحكومات أفكار محافظة، تبدو فيها المرأة الحلقة الأضعف والضحية الأبرز ضمن الصراع القائم بين المجتمعات والمؤسسات النظامية حول مبادئ الحفاظ على العادات والتقاليد، ومهما ارتفع منسوب التحرر والمدنية والتحضر هناك سقف وخطوط حمراء تحيط بالنساء لا يستطعن تجاوزها.
تتجلى أحد ملامح هذا الصراع في آليات الحفاظ على الأخلاقيات والآداب العامة، فلا تزال المرأة في بعض الدول العربية محرومة من الحق في الإقامة بالفنادق والمنشآت السياحية دون أن يكون برفقتها أحد الأوصياء عليها، أو بمعنى أدق محرم، بدعوى الحد من انزلاقها في دائرة الشبهات أو إقامة علاقات خارج إطار مؤسسة الزواج.
ورغم أن السعودية التي كان يُنظر إليها على أنها ضمن البلدان التي تُمارس العنصرية ضد المرأة سبقت دولا أكثر انفتاحا بإتاحة السكن المنفرد للنساء بالفنادق دون وصاية أسرية أو محرم، مازالت هناك حكومات تمارس التمييز ضد المرأة وتحرمها من الحجز بالفنادق دون رفيق عائلي.
ويبدو أن هناك ما يشبه الاتفاق على أن حرمان النساء من الإقامة بمفردهن في الفنادق السياحية كفيل بالحد من انتشار العلاقات الجنسية المشبوهة، في اتهام مسبق وغير مبرر للمرأة، مهما كانت سلوكياتها وأخلاقياتها، بأنها مؤهلة للانحراف، طالما أنها صارت تعيش وحدها بشكل مستقل بعيدا عن رقابة العائلة.
تعكس هذه النظرة الدونية للمرأة وجود مجتمعات غير متقبلة لاستقلالية وخصوصية المرأة بدعوى أن نشر هذه الأفكار له تداعيات سلبية على الأخلاقيات العامة، وكأن النساء وحدهن السبب في وصول التدني القيمي والسلوكي إلى مستويات قياسية من دون إدراك لكون السيدات ضحايا الانحراف واستحلال بعض الرجال للأعراض.
وما يعرقل مساعي تكريس حق المرأة في الحياة الخاصة أن الأغلبية تربط بين استقلالية الأنثى وحقها في التحرك بأريحية وبين الحفاظ على الشرف والأخلاق، في ظل أن الثقافة المتوارثة عمقت في الأذهان فكرة المرأة اللعوب التي يصعب لجمها جسديا.
وحينما تركت الطالبة الجامعية دينا عثمان بلدتها في محافظة المنوفية المصرية، لترافق والدتها في رحلة علاج بالقاهرة استمرت ثلاثة أيام، لظروف مرض والدها وسفر شقيقها الوحيد خارج البلاد، أبلغتها المستشفى بأنه لظروف جائحة كورونا ممنوع وجود مرافق مع المريض داخل الغرفة، فاضطرت للذهاب إلى أحد فنادق وسط العاصمة للمبيت فاصطدمت بقرار منعها.
حاولت الفتاة التي لم يتجاوز عمرها 22 عاما الاستفسار عن سبب رفض إدارة الفندق الحجز لها للإقامة بإحدى الغرف رغم تقديمها ما يثبت أنها ترافق والدتها في رحلة علاج، فجاء الرد بأن “كل امرأة أقل من أربعين عاما ممنوعة من المبيت وحدها في فنادق الثلاث والأربع نجوم، إلا بحضور محرم، مثل الأب والأخ والعم والخال، وأن هذه تعليمات رسمية لا يمكن تجاوزها”.
وقالت الفتاة لـ”العرب” إنها اضطرت للتواصل مع صديقة لها بالقاهرة لاستئذانها في المبيت عندها لليلة واحدة لحين تدبير ظروفها في الصباح.
المرأة في بعض الدول العربية لا تزال محرومة من الحق في الإقامة بالفنادق والمنشآت السياحية دون أن يكون برفقتها أحد الأوصياء عليها، أو بمعنى أدق محرم، بدعوى الحد من انزلاقها في دائرة الشبهات وهناك فنادق يصل تعاملها مع النساء حد الطرد كأنهن ارتكبن جريمة أخلاقية لمجرد طلب إحداهن استئجار غرفة دون إدراك لإمكانية عدم وجود بدائل لدى المرأة، ما قد يدفعها للمبيت في الشارع أو في أماكن غير آمنة، وتتعرض لمخاطر ربما تصل حد الاعتداء الجنسي عليها، مع أنها لجأت إلى الفندق لحماية نفسها.
ويبلغ التمييز ضد المرأة مداه عندما تسمح فنادق الخمس نجوم والمصنفة فاخرة للنساء من مختلف الأعمار بالإقامة فيها من غير شروط، كأن المستهدف بالمنع الفئات الأقل دخلا التي تختار فنادق أقل في التصنيف، بينما تستطيع أي سيدة تمتلك الوفرة المادية أن تقيم بالمنشآت الفندقية المميزة في أي وقت ولا أحد يجرؤ على اتهامها مسبقا أو ينظر لها بطريقة مريبة أو يشك في سلوكها أنها منحرفة.
وأكدت انتصار السعيد الناشطة الحقوقية في مجال المرأة بمصر أن استمرار الوصاية الأخلاقية على النساء في المجتمعات العربية هو تكريس واضح للعنف النفسي واللفظي والجسدي ضدهن، لأن القضاء على النظرة الدونية للمرأة لن يتحقق دون تفعيل القوانين والدساتير التي تنص على تجريم التمييز والعنصرية ومحاسبة المتورطين في أفعال مهينة بحق السيدات.
وأوضحت لـ”العرب” أن السماح للأجنبيات بالإقامة في الفنادق بشكل منفرد دون وصي عليهن مقابل حرمان العربيات من هذا الحق في بعض المجتمعات يبعث برسائل مهينة عن المرأة الشرقية، ويصورها على أنها دون الرجل سوف تسير في طرق الشبهات، وهذا الواقع يعطي لضعاف النفوس ممارسة العنف ضدها بداعي تقويم سلوكها والحفاظ على الآداب العامة.
ما حرّك المياه الراكدة في أزمة الوصاية المفروضة على المرأة المصرية بحرمانها من الإقامة في الفنادق بمفردها دون محرم، أن حقوقيين لجأوا إلى مقاضاة الحكومة أمام المحكمة الإدارية واختصموا وزارتي الداخلية والسياحة للحصول على حكم قضائي ملزم، يقضي بأحقية أي سيدة في السكن بالفنادق والمنشآت السياحية دون اشتراط وجود وصي عليها من أقاربها.
واتهمت الدعوى القضائية الحكومة والمنشآت الفندقية بممارسة العنصرية والتمييز الأعمى ضد المرأة بحرمانها من الحق في السكن المنفرد قبل بلوغها سن الأربعين، في حين يُتاح لأي مراهق أو رجل الحجز في الفنادق متى وكيفما شاء، ما يشكل اضطهادا واستهدافا للنساء وتحقيرا من شأنهن، رغم أن الدستور يجرم العنصرية بين أفراد المجتمع بغض النظر عن الجنس.
أحدثت القضية صدمة لكثير من الشرائح النسوية التي كانت تعتقد أن المرأة المصرية وصلت إلى مرحلة غير مسبوقة من المكاسب والحقوق، باعتبار أن منع النساء من الإقامة بالفنادق بشكل منفرد مسألة لم تُسلط عليها الأضواء من قبل، أو يتم فتح نقاش مجتمعي وحقوقي حولها، لكن الوقائع التي أفردتها سيدات على شبكات التواصل الاجتماعي جعلت البعض في حالة ذهول.
وتحظى الدعوى القضائية بتأييد نسائي غير محدود، من سيدات عاديات أو منظمات وجمعيات معنية بحقوق المرأة، لأنها كشفت النقاب عن النظرة الدونية التي تتعامل بهاالحكومة مع الأنثى بشكل عام، بغض النظر عن مستوى تعليمها ومستواها الفكري والثقافي والعائلي، حيث يتم وضعها في مكانة المشتبه بها والمثيرة للفتن.
وقالت عبير سليمان المحامية المصرية المتخصصة في قضايا الأحوال الشخصية والدفاع عن حقوق النساء، إن استمرار العمل بتعليمات ظالمة تحرم المرأة من الحق في الإقامة بالفنادق يعكس التطرف المجتمعي والنظرة السلبية التي تكرسها بعض المؤسسات تجاه المرأة، لأن التعامل معها باعتبارها بحاجة لرقيب على سلوكها يحمل تحريضا علنيا ضدها.
وأوضحت لـ”العرب” أن التحجج بمنع انزلاق المرأة لارتكاب أفعال غير أخلاقية إذا أقامت وحدها بمنشأة فندقية اتهام مسبق لها بأنها منحرفة وسيئة السمعة وتحتاج إلى من يحميها من نفسها، في انعكاس واضح لاستمرار التشدد ضد النساء، ويمكن بسهولة استقطابهن، ولا يمكن القضاء على هذا العقم الفكري من دون إرادة سياسية صارمة.
وإذا كانت المرأة المصرية وجدت في المؤسسات والجمعيات النسوية والحقوقية الشجاعة التي تدافع عنها وتقود معركة ضد محاولات تشويه صورتها والتحقير منها، فمازالت الكثير من السيدات في بلدان عربية أخرى يواجهن نظرة تختزل المرأة في كونها مجرد وعاء جنسي، ولا يمكن أن تستقل بذاتها وتعيش منفردة دون وصي عليها.
وصارت النساء في قطر مثلا يعشن حياة أقرب إلى السجن، إذ تمنع الفنادق غير المتزوجات من استئجار غرفة، وذلك دون سند قانوني واضح، طالما أنهن لسن تحت ولاية الرجال.
ووفق تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش، صدر نهاية العام الماضي، فإن المرأة القطرية لا تستطيع بسهولة الإبلاغ عن التمييز ضدها في هذا الشأن، حيث لا يوجد في البلاد قانون لمكافحة التمييز.
وتزداد الأزمة في التحرر من الوصاية الذكورية عليهن في مسألة الإقامة في الفنادق أو استئجار السكن، بافتقار المجتمع لوجود منظمات مستقلة معنية بحقوق المرأة، ما يجعل هناك صعوبة في تسليط الضوء على معاناتهن لأجل تعزيز فرص التغيير وإسقاط هيمنة الرجال والكف عن نظرة التحقير للنساء عموما.
والمعضلة الأكبر أن السلطات لا تكتفي بتوجيه الفنادق نحو رفض الحجوزات للسيدات غير المتزوجات، بل إن أيّ زوجة تحاول الانفراد بنفسها ولو ليوم واحد للترفيه عن نفسها والاستمتاع بأجواء هادئة لا يمكن لها تحقيق مرادها دون الحصول على إذن مسبق من الرجل، بحكم أن القواعد المعمول بها تجعل ولاية الذكر على الأنثى غير محدودة وليس لها سقف.
وتبدو الإشكالية أقل تأثيرا على النساء في المغرب، فالفنادق لا تمنع استئجار المرأة غرفة بمفردها، إلا لو كانت من نفس المدينة، بدعوى محاربة العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، أما إذا ذهبت فتاة من منطقة لتقيم في فندق بمنطقة بعيدة عن مقر سكنها المدون ببطاقة الهوية الشخصية فإنها تستطيع الحجز والإقامة.
وصحيح أن الاشتراطات المغربية لإقامة النساء في الفنادق ليست معقدة، كما في دول أخرى، لكن ما يثير الاستغراب ذلك التوحد في الهدف والمبررات غير الإنسانية في النظرة للمرأة والاتفاق على حتمية اتخاذ المزيد من التدابير لإنقاذ الأنثى من مغبات السقوط في بئر الرذيلة، إذا ما انفردت بنفسها بعيدا عن ولي أمرها.
مهما ارتفع منسوب التحرر والمدنية والتحضر مازال هناك سقف وخطوط حمراء تحيط بالنساء لا يستطعن تجاوزها
وأكدت سليمان أن أحد مظاهر انتكاسة الكثير من المجتمعات العربية استمرار رؤية المرأة كشخص غير مكتمل الأهلية، وهذا فكر يعكس عدم وجود نية للخلاص من ميراث التخلف الذي يصدر للأجيال المتعاقبة وأن الأنثى بطبيعتها كائن منفلت ويحتاج إلى رقابة لصيقة ووصاية دائمة لمنعه من الوقوع في الفاحشة.
والمعضلة أن أغلب المؤيدين لقرار منع النساء من الإقامة بالفنادق يربطون بين حرية المرأة والجنس، وهي الأفكار التي صارت متجذرة في العقلية الذكورية بالكثير من المجتمعات الشرقية، ما يعرقل الجهود الحقوقية التي تسعى لإنصاف السيدات ومنحهن حقوقهن، لأن وضع جسد المرأة والفساد الأخلاقي في كفة واحدة يكرس عقيدة الولاية عليها لحمايتها من نفسها.
وأقرب مثال، واقعة مقتل سيدة مصرية قبل أسابيع على يد جيرانها لمجرد أنهم عرفوا باستقبالها أحد أصدقائها في منزلها الذي تعيش فيه وحدها، حيث قام المتهمون باقتحام البيت وسقطت من الشرفة جثة هامدة، مع أنها كانت بكامل ملابسها ووجدوها جالسة تتحدث مع صديقها، لكن هاجس استقلالها في سكن بلا وصي ربط سمعتها بالجنس.
وتعكس الحادثة وما يتلاقى معها فكريا من جانب المنشآت الفندقية أن المجتمع يرفض محاولات الاعتراف باستقلالية المرأة وحقها في اختيار نمط الحياة الذي يناسبها بفعل خطابات اعتادت التحريض ضدها واختزالها في مجرد وعاء لتفريغ الشهوات وتحميلها مسؤولية انتشار وقائع التحرش ونشر المفاسد الأخلاقية في المجتمع.
ويصعب فصل ثقافة العيب التي ترتبط بإقامة المرأة وحدها بغرفة فندقية عن وجود شبه اتفاق على حتمية إخضاعها لتستمر مجرد تابع لا يمتلك الإرادة، وما يغذي هذا الاتفاق الذي ينتهك الحد الأدنى من الحقوق والحريات النسائية أن بعض الحكومات تكرس تلك الوضعية عبر قوانين تخشى تفعيلها بدعوى الحفاظ على القيم.

*المصدر : العرب
1