أحدث الأخبار
الخميس 21 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
النسوية مدخل للتطبيع!!
بقلم : عصام شعبان ... 27.03.2022

ولدت الحركة النسوية العربية، بدايات القرن العشرين، ضمن سياق تحرري، كانت مقاومتها الاحتلال، مرتكزا ورافدا أساسيا، لتكويناتها الأولى، والتي ربطت بين قضايا النساء والقضايا الوطنية، بعد مشاركتهن في ثورة 1919، بدأت هدى شعراوي ورفيقاتها، تأسيس الاتحاد النسائي المصري، وفي ذات الفترة، تأسس اتحاد نساء فلسطين، وإن كان نضال الفلسطينيات في مواجهة الاستيطان الصهيوني، بدأ نهاية القرن التاسع عشر، واستمر حاضرا، في مراحل تاريخية متتابعة، من ثورة البراق إلى النكبة ثم عدوان 1967، وكان للنساء أدوار نضالية متنوعة ضمن مظلة الاتحاد العام لنساء فلسطين (1965).
بينما تأسس الاتحاد النسائي العربي 1944، بدعوة هدى شعراوي، للحركات النسوية، لبحث تطورات القضية الفلسطينية، وتوفير سبل الدعم الممكنة، وسبق ذلك المؤتمر النسائي "الشرقي" للدفاع عن فلسطين عام 1938 بالقاهرة، وعبأت الحركة النسوية صفوفها بما فيها الأحدث نسبيا في دول الخليج، والتي اشتبكت خلالها رائدات العمل الاجتماعي مع القضايا القومية والعربية، منذ العدوان الثلاثي 1956، واستمرت الحركة النسوية في مواقفها الداعمة للقضية الفلسطينية والرافضة احتلال الأراضي العربية منذ النكبة وما بعد حرب 1967 والتي شهدت نشاطا مكثفا لعقدين، وعودة للنشاط مرة أخرى مع الانتفاضة الفلسطينية الأولى والثانية، والأخيرة حاولت فيها الحركة النسوية تجاوز آثار اتفاقيات التسوية، ومقاومة محاولات فرض التطبيع، عبر لافتات السلام والتعايش المشترك، وأسست في مصر اللجنة الشعبية لدعم الانتفاضة الفلسطينية ولجان مشابهة في أقطار عربية أخرى بمشاركة نسوية وأحيانا عمل مبادر.
أعلنت جماعة كوبنهاغن الداعية للتطبيع عن نفسها عام 1997، لكن قوبلت باستهجان، ولم تضم قائمة المؤسسين من المجتمع المدني أي شخصية نسائية، على مدار عقدين، سادت رؤية نظرية تفصل قضايا المرأة عن سياقها الوطني والاجتماعي والسياسي، وتركز على أوضاع النساء في المجال الخاص، وبالتالي، تراجع الاهتمام بالقضايا الوطنية، واعتبرت تقليدية من منظورهم النسوي الحداثي! ساهم ذلك في تشكيل جيل مغترب عن واقعه، يسهل تطويعه، ويمكن أن ينخرط جزء منه في التطبيع، تحت لافتات وشعارات عمومية، كعالمية قضايا النساء والمناخ وغيرها، لذا لم يكن مستغربا، أن تكثف خلال سنوات مضت، دعوات ومسيرات تجمع بين نساء في سلطة الاحتلال، ومن يعانون من ممارساته العنصرية، ضمن فاعليات المجتمع المدني أو فعاليات رسمية، واستهدفت إسرائيل توسيع مظلة التطبيع عبر الانخراط وبناء تحالفات إقليمية ودولية، تتعاطى مع قضايا النساء، وترفض العنف وتدعو للعيش المشترك والسلام، وكسر الحواجز، وهي للمفارقة، دشنت جدارا للفصل العنصري.
وهناك وقائع عدة تمثل مؤشرات على توجه، وربما استراتيجية للتطبيع تعبئ فيها إسرائيل طاقتها مستخدمة القضايا النسوية، وتستهدف أيضا إبراز نموذج الدولة التي تراعي قضايا النوع الاجتماعي في سياساتها، وتشغل المرأة فيها، مواقع اتخاذ القرار والتمثيل السياسي والدبلوماسي، وهي بذلك تحاول أن تبدل صورتها العنصرية، بصورة دولة تطبق مفاهيم المساواة بين الجنسين، وتحترم النساء، وتهتم بالدراسات النسوية الأكاديمية في جامعاتها، وبالتالي تقديم نموذج محتذى، وهي تدرك إمكانيات التأثير عبر النسوية عربيا ودوليا، وتكثف جهودها في الاتجاهين، كما اكتسبت مؤخرا مواقع قيادية في لجنة المرأة التابعة للأمم المتحدة وتحاول لعب دور فاعل في ظل تراجع الفاعلية العربية في المؤسسات الدولية.
إذا كانت النسوية تنطلق من رفضها للسلطوية والعنف وصور التمييز، وتبحث عن العدالة والمساواة، وتحقيق قيم السلام فلا بد أن تكون ضد الصهيونية كحركة استيطانية عنصرية، لكن هناك من يريد أن يقلب الصورة والمنطق، ويفرغ النسوية من مضامينها التقدمية إلى حركة تستند على البيولوجيا، تجتاز التاريخ، وتنفي حقائق الجغرافيا والاستيلاء على الأرض.
تستهدف إسرائيل عبر شعارات نسوية إقامة علاقات وثيقة مع منظمات المجتمع المدني العربي تمكنها من فرض التطبيع كواقع وممارسة مجتمعية
منتصف 2015 قامت إدارة القرية الفرعونية بإزالة صورة غولدا مائير من معرض نساء رائدات بعد نصف ساعة من عرضها، بينما وسائل إعلام إسرائيلية أبدت غضبها واستغرابها من ردة فعل زوار المعرض، وخلال نوفمبر 2017 شاركت جيلا جامليئيل، وزيرة شؤون المساواة الاجتماعية الإسرائيلية بمؤتمر "تعزيز دور المرأة في المجتمع" والذي عقد برعاية المجلس القومي للمرأة، وهيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين، وشارك فيه ممثلون عن القطاع الخاص وعضوات من مجلس النواب المصري، وصرحت الوزيرة حينها بأن "سيناء" أفضل مكان يقيم فيه الفلسطينيون دولتهم، بينما مثلت إسرائيل في مؤتمر الطاقة الذي عقد الشهر الماضي بالقاهرة وزيرة الطاقة الإسرائيلية كارين الهرار، وقوبلت بترحاب رسمي لافت، ويلحظ عموما أن جولات التطبيع في البحرين والمغرب والإمارات على وجه الخصوص، تناولت التعاون في ملفات وقضايا ثقافية واجتماعية منها أوضاع النساء، كما اختيرت لتمثيل إسرائيل شخصيات نسائية، وكأنما أنثوية التمثيل تنفي عنصرية دولة الاحتلال وعدوانها.
وإجمالا تستهدف إسرائيل عبر شعارات نسوية، إقامة علاقات وثيقة مع منظمات المجتمع المدني العربي، تمكنها من فرض التطبيع كواقع وممارسة مجتمعية، بجانب علاقات رسمية أقرتها الاتفاقيات، كما يقوم ممثلوها بالانخراط في تحالفات إقليمية ودولية للنفاذ إلى النخب وجعل التطبيع مستقبلا، ممارسة مقبولة، أي تحقق ما لم تستطع إنجازه منذ كامب ديفيد، تطبيع شعبي، وتزييف الوعي والتاريخ، وخلق ثقافة تقبل إسرائيل، وتسعى سلسلة الاتفاقيات الأخيرة إلى تحقيق تطبيع أو سلام دافئ، كطريق لتصفية القضية الفلسطينية وممارسة مزيد من الضغوط، وتعد مشاهد الاحتفاء بالتطبيع، المبالغ فيه، ضمن دعاية تعرف ما تستهدفه، وتوظف رموزا ثقافية واجتماعية لإضفاء صورة من القبول الشعبي بالتطبيع.
تستوجب مواجهة تكتيكات التطبيع لإسرائيل والمتعلقة بالحركات النسوية، الانتباه، سواء فيما يتعلق بمحتواها النظري أو آليات تنفيذها ضمن أنشطة وتحالفات على مستويات محلية وإقليمية ودولية، بالإضافة إلى مهام ضرورية للمواجهة، أبرزها تقوية أدوار الحركة النسوية في مقاومة التطبيع، وثانيا إيجاد أوسع مظلة ممكنة بين المنظمات المحلية والوطنية لتكامل الجهود فيما بينها، ثالثا إعادة الاعتبار إلى مفاهيم نظرية نسوية تقدمية تربط قضايا المرأة العربية بسياقاتها السياسية والوطنية، رابعا إنعاش الذاكرة التاريخية للحركة النسوية ودورها التحرري، وفي القلب منها مساندة نضال الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال بكافة السبل وأخيرا، التذكير دائما بأن الانحياز لقيم العدالة والحق والمساواة ورفض كافة أشكال التمييز كموقف مبدئي، هو انحياز للقضية الفلسطينية، كما أنه مضمون وأرضية لكل عمل نسوي يسعى لتحرير النساء بشكل حقيقي، خامسا التمسك بالإطار الدولي بما اكتسبته الحركة النسوية العربية من تأييد لحقوقها الإنسانية والوطنية العادلة، تبلور في قرارات واتفاقيات دولية أممية، منها على سبيل المثال، اتفاقية السيداو، والتي تنص ديباجتها على مناهضة كافة أشكال العنصرية والتمييز والاحتلال.

* المصدر : العربي الجديد
1