أحدث الأخبار
الجمعة 13 أيلول/سبتمبر 2024
النساء يدفعن ثمنا أكبر من الرجال في مواجهة أزمة المناخ!!
بقلم : الديار ... 15.08.2024

النساء عموما أكثر عرضة للفقر والتمييز والظلم الاجتماعي في أنحاء العالم لكن أزمة المناخ تزيد الطين بلّة بسبب تأثيرها الكبير على سبل عيش النساء بتراجع فرص الحصول على وظائف في الزراعة، وغالبا ما يسبب هذا أضرارا مالية للنساء لأن أمنهن الوظيفي يعتمد إلى حد كبير على البيئة المستقرة والموارد الطبيعية.
نيويورك - يؤثر الاحترار العالمي على الفتيات والنساء بدرجة أكبر بكثير من الرجال. إذ يغلب على المجتمعات الطابع الأبوي، يُمنح فيه الرجال فرصا أكبر بكثير للنجاح بينما تكافح النساء عموما مع موارد ومكانة اجتماعية أقل. وينطبق هذا خاصة على البلدان النامية والشرق الأوسط التي يعتمد فيها العمل المتعلق بالزراعة الذي عادة ما يُخصص للنساء على مجموعة متنوعة من العوامل البيئية. ويضر هذا بالتالي بشكل كبير بسبل عيش المرأة.
ويقول الباحث أوريترو كريم من معهد روتشستر للتكنولوجيا، في تقرير لـ”إنتر برس”، إن النساء عموما أكثر عرضة للفقر والتمييز والظلم الاجتماعي بالفعل، لكن أزمة المناخ تزيد الطين بلّة. مع ملاحظة أن الاحترار العالمي يعرض الصحة الإنجابية للخطر حيث أن ارتفاع درجات الحرارة ونقص الموارد يضاعفان مخاطر الإجهاض وسكري الحمل ووفيات الأمهات.
وتوجد علاقة مباشرة بين الضرر البيئي والعنف المنزلي، والاستغلال الجنسي، ونقص تعليم المرأة. وتتمحور الاستجابات لأزمة المناخ عامة حول الذكور دون وضع هذه التفاوتات في الاعتبار. ويرى كريم أنه يجب التوصل إلى حلول عالمية تعود بالنفع على الجميع لعكس اتجاه الاحترار العالمي وضمان مستقبل الكوكب.
وللاحترار العالمي تأثير كبير على سبل عيش النساء بسبب تراجع فرص الحصول على وظائف في الزراعة لأن أزمة المناخ تتسبب في ارتفاع درجات الحرارة على مستوى العالم. كما يرتبط تغير المناخ مباشرة بارتفاع معدلات الجفاف والمجاعة والفيضانات وتآكل التربة وخسارة المحاصيل.
ووفقا لمقال الأمم المتحدة، “المرأة والمساواة بين الجنسين وتغير المناخ”، تشكل النساء غالبية شاغلي الوظائف الزراعية على مستوى العالم، حيث يمثلن حوالي 45 – 80 في المئة من إجمالي إنتاج الغذاء في البلدان النامية. وغالبا ما يسبب هذا أضرارا مالية للنساء لأن أمنهن الوظيفي يعتمد إلى حد كبير على البيئة المستقرة والموارد الطبيعية.
كما تتسبب مشاكل العائلات المالية، غالبا في انقطاع الفتيات عن التعليم، مما يمنعهن من التأهل للعمل في مجالات تتجاوز الزراعة. وذكرت مقالة “كيف تغذي أزمة المناخ عدم المساواة بين الجنسين” نشرها موقع “سي.إن.إن” أن المجتمعات المتأثرة بالضرر البيئي غالبا ما تواجه قرارا بإدخال أطفالها إلى سوق العمل مبكرا لدعم الأسر. ولا تُشجّع الأسر على تعليم بناتها في البلدان النامية. وتزيد أزمة المناخ من هذا الاتجاه.
ويتجاوز عبء العمل الواقع على كاهل المرأة الريفية خلال الأحداث المناخية القاسية عبء الرجل، إذ تعمل النساء بجدٍّ أكبر لتأمين الدخل، وتعويض النقص في المحاصيل الزراعية، ما قد يجبر كثيراً من الفتيات على ترك المدرسة للمساعدة في الأعمال المنزلية، وقد يُجبَرن على الزواج المبكر أو القسري لتخفيف الأعباء المالية عن أسرهن.
كما يمكن أن تؤدي ندرة الموارد الطبيعية بسبب تغير المناخ إلى إجبار النساء والفتيات على السير لمسافات أطول لتأمين المياه وجمع الحطب والوصول إلى أراضٍ زراعية جديدة، وقد يُعرضهنّ ذلك إلى مخاطر أكبر من العنف والاعتداء الجنسي.
وصرّحت حبيبة محمد، مديرة مركز تعليم الفتيات في نيجيريا، “عندما نقوم بتوعية البنات بتغير المناخ، وكيفية التخفيف من حدته، سيساعدهن ذلك كثيرا في تحديد كيفية إعالة أنفسهن في الأوقات الصعبة، وحتى مساعدتهن على الاستعداد لها”.
ومن الواضح أن أزمة المناخ تجرد النساء في البلدان النامية من فرصهن وتبقيهن في وضع هشاشة اقتصادية. كما تلحق أزمة المناخ أضرارا بصحة النساء البدنية ورفاهيتهن بنسبة أكبر بكثير من الرجال. فعلى سبيل المثال، تحصل النساء على موارد أقل بكثير من الرجال، بما في ذلك المياه النظيفة والغذاء. وذكرت الأمم المتحدة أن الاحترار العالمي يبقى من الأسباب الرئيسية التي تساهم في انتشار الجوع وسوء التغذية والتعرض للأمراض وانخفاض الوصول إلى المياه في العالم.
بسبب أزمة المناخ تصبح النساء أكثر احتمالا للجوء إلى العمل الجنسي لإعالة أنفسهن، ما يزيد من فرص إصابتهن بالأمراض
وأكدت أنه يفرض قيودا على السكن اللائق، مما يؤدي إلى فقدان سبل العيش نتيجة للتشريد الدائم. ومع تناقص الموارد الأساسية، غالبا ما تترك الموارد الباقية لمن هم في قمة المجتمع أي الرجال. ويتسبب هذا في ارتفاع احتمالات تعرض النساء لخطر الموت بنسب أكبر بكثير.
ومن الملاحظ تأثير أزمة المناخ الكارثي على الصحة الإنجابية. ففي الولايات المتحدة، غالبا ما تعيش مجتمعات السود والسكان الأصليون والأفراد من غير البيض في الأحياء ذات الدخل المنخفض، وذات المستويات الأعلى من التلوث والتي تعاني من تدنّي فرص التمتع بظروف حياتية سليمة. وهذا ما يجعل النساء السود أكثر عرضة للوفاة بمقدار 2.6 مرة نتيجة للمضاعفات المرتبطة بالولادة بسبب العوامل البيئية الناجمة عن تغير المناخ.
وتتعرض النساء في البلدان النامية بشدة لمخاطر ارتفاع درجات الحرارة. وذكر مقال الأمم المتحدة المعنون “كيف تؤثر أزمة المناخ على الحقوق الإنجابية” أن ارتفاع درجات الحرارة يبقى مسؤولا عن زيادة وفيات الأطفال عند الولادة، وتسمّم الحمل، وسكري الحمل، والملاريا، والتليف، والأمراض المرتبطة بالإجهاد.
كما تعدّ النساء الحوامل أكثر عرضة للوفاة بسبب انتشار الأمراض الناجمة عن الفيضانات، وهي بدورها نتيجة لتغير المناخ. وتبقى هذه الفئة أقل احتمالا لتلقي الرعاية السابقة للولادة. وتحد أزمة المناخ بذلك من وصول المرأة إلى الرعاية الصحية وتفاقم معدلات المرض والوفاة بين النساء بشكل غير متناسب.
ويجدر الاعتراف بالروابط بين أزمة المناخ والانتهاكات المتعلقة بالنوع الاجتماعي. وتعدّ حالات التمييز بين الجنسين والعنف المنزلي والاستغلال الجنسي بالفعل مخاوف كبيرة على مستوى العالم ولكنها تتفاقم بسبب الدمار البيئي والكوارث الطبيعية. وبحسب مقال للأمم المتحدة بعنوان “كيف يؤدي تغير المناخ وعدم الاستقرار إلى تفاقم العنف الجنسي والعنف القائم على النوع والعنف ضد النساء والفتيات” فإن تغير المناخ غالبا ما يتسبب في هجرة النساء والأطفال بعيدا عن أسرهم إلى مناطق غير مألوفة ويحتمل أن تكون خطرة، مما يعزز خطر سوء المعاملة والمطاردة والاتجار الجنسي وحتى تشويه أعضاء الإناث التناسلية.
وتشير تقديرات برنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى أن 80 في المئة من المشرّدين بسبب تغير المناخ هنّ من النساء، وعند حدوث كوارث بيئية وطبيعية مثل تلك الناتجة عن الأعاصير والسيول والفيضانات، فإن النزوح القسري للسكان بسبب هذه الكوارث يؤدي إلى جعل النساء أكثر عُرضة للعنف، بما في ذلك العنف الجنسي، إذ غالباً ما تفتقر مراكز الإيواء أو المخيمات إلى الحماية والخصوصية، حيث تنام النساء أو يغتسلن أو يرتدين الملابس.
كما تصبح النساء أكثر احتمالا للجوء إلى العمل الجنسي لإعالة أنفسهن، وهو ما يشكّل خطرا عليهن، ويزيد من فرص إصابتهن بالأمراض المنقولة بالاتصال الجنسي وفايروس نقص المناعة البشرية. وعلى سبيل المثال فإن العنف الجنسي تفشى في إثيوبيا في خضم الظروف القاسية الناجمة عن المجاعة، ولا توجد أنظمة لحماية النساء أو تمكينهن من التمتع بالعدالة.
وتزداد هذه التحديات مع محدودية وصول النساء في الكثير من الأحيان إلى الموارد ومفاصل صنع القرار. وتقيّد الأعراف الاجتماعية والأطر القانونية التمييزية ملكيتهن للأراضي، ووصولهن إلى التمويل والتكنولوجيا والمعلومات، وهي أصول ضرورية للتكيُّف مع تغيُّر المناخ وبناء القدرة على الصمود. وغالباً ما يتم استبعاد أصواتهن من عملية صنع القرار المتعلقة بالمناخ، مما يعوق قدرتهن على المساهمة في الحلول، وتشكيل السياسات التي تؤثر بشكل مباشر على حياتهن.
وتشير التوقعات إلى أنه بحلول 2050 ستكون هناك زيادة في عدد النساء اللاتي يواجهن انعدام الأمن الغذائي بمقدار 236 مليون امرأة وفتاة، بالمقارنة مع زيادة مقابلة مقدارها 131 مليون رجل وصبي، مما سيفاقم الفجوة الحالية بين الجنسين في مسألة الجوع والتغذية. ووفقاً لأرقام عام 2022، يواجه نحو 2.4 مليار إنسان انعداماً متوسطاً أو شديداً في الأمن الغذائي، وهؤلاء يمثّلون ربع سكان الكوكب، بنسبة 27.8 في المئة من النساء و25.4 في المئة من الرجال.
ويقول الباحث كريم، إنه من المهم أن نجد حلولا مستدامة لتغير المناخ لا تعالج مشاكل الرجال فقط، بل تعالج أيضا قضايا عدم المساواة بين الجنسين، إذ مثلما تتعرض ثروات الأرض إلى النهب تتعرض النساء إلى التفقير وليس لدينا بالتالي أيّ وقت لنضيعه.
وتؤكد هيئة الأمم المتحدة للمرأة على أهمية جبر الضرر في تحقيق العدالة المناخية من خلال معالجة المظالم التاريخية، وتعويض الخسائر والأضرار الناجمة عن تغيُّر المناخ. ويتطلّب ذلك الاعتراف بالدَيْن البيئي المستحق على الشمال الغني لصالح الجنوب الفقير الذي تحمّل وطأة آثار تغيُّر المناخ برغم مساهمته الأقل في انبعاثات غازات الاحترار العالمي. ويُعدّ توفير تمويل مناخي كافٍ ويمكن الوصول إليه، ومعالجة مسألة الخسائر والأضرار، والاعتراف بالخسائر غير الاقتصادية التي تتعرض لها المجتمعات، وخاصةً النساء والفتيات، قضايا أساسية لجبر الضرر.
ورغم أوجه الضعف غير المتناسبة التي تضغط على النساء، فهن يحظين بقدرة كبيرة على التغيير، وفي مقدورهن قيادة مسيرة الحلول المستدامة بفاعلية، وتعزيز القدرة على الصمود داخل مجتمعاتهن. كما تمتلك النساء ثروة من المعرفة التقليدية حول النظم البيئية، والممارسات الزراعية المستدامة، والاستعداد للكوارث، واحترام التوازن البيئي.
وتمثّل الدعوى القضائية التي رفعتها مجموعة من 2000 امرأة سويسرية تزيد أعمارهن عن 64 عاماً ضد حكومة بلادهن إحدى قصص النجاح اللافتة في سعي النساء لتحقيق العدالة المناخية. وقد طالبت هذه المجموعة الحكومة السويسرية بتحمُّل مسؤولياتها في العمل بشكل كافٍ لمنع تغيُّر المناخ الذي يساهم في زيادة خطر الوفاة بسبب الحرارة الشديدة.
وأيّدت محكمة حقوق الإنسان في أوروبا مؤخراً هذه المطالب، معتبرةً أن الحكومة السويسرية فشلت في تحقيق أهدافها الخاصة بانبعاثات غازات الدفيئة، وأشارت إلى “ثغرات خطيرة” في جهود سن قوانين مكافحة تغيُّر المناخ. ويُعتبر هذا الحكم، الذي قضت به محكمة يشمل اختصاصها معظم الأراضي الأوروبية، الأول من نوعه أوروبياً في قضية تتعلق بتغيُّر المناخ.
وتتطلب رحلة العدالة المناخية النسوية عملاً جماعياً، وجهداً منسقاً من الحكومات ومنظمات المجتمع المدني والأفراد. ويُعدّ الاستثمار في سياسات وبرامج مناخية مراعية للنوع الاجتماعي، وتحسين آليات المساءلة، وتوفير التعليم والتوعية، وتعزيز التضامن والتعاون العالميين، ودعم المبادرات الشعبية، خطوات حاسمة في بناء مستقبل أكثر عدالة واستدامة للجميع. ومن خلال الاعتراف بالمساهمات القيّمة للنساء والفتيات وتبنّي مبادئ العدالة المناخية، يمكن تعزيز فرص المجتمع بأكمله في مواجهة تغيُّر المناخ.

1