أحدث الأخبار
الثلاثاء 17 أيلول/سبتمبر 2024
العراقيات يقدن حملة ضد تعديل لقانون الأحوال الشخصية يشرعن زواج القاصرات!!
بقلم : الديار ... 09.09.2024

**تقف النساء العراقيات ضد تعديلات قانون الأحوال الشخصية التي من شأنها أن تسمح باللجوء إلى المحاكم الدينية في قضايا قانون الأسرة بما في ذلك الزواج، إذ يفسر بعض رجال الدين الشريعة على أنها تسمح بزواج الفتيات في سن المراهقة المبكرة، أو في سن 9 سنوات بموجب المذهب الجعفري....
أربيل (العراق) - مازالت الذكريات الأليمة تطارد شيماء سعدون. وكانت عائلتها قد أجبرتها قبل عقود على الزواج، في سن 13 سنة، من رجل يبلغ من العمر 39 عاما، وهي واحدة من بين الكثير من العراقيات اللواتي يرفضن تعديلات قانون الأحوال الشخصية الذي يشرعن زواج القاصرات.
وكانت عائلتها الفقيرة التي تعيش بالقرب من مدينة البصرة في جنوب العراق تأمل في أن يساعد مهر الذهب والمال في تحسين ظروفها. واستظهر زوجها بقطعة من القماش الملطخة بالدماء لإثبات عذريتها بعد ليلة زفافهما.
وقالت سعدون، التي طلقت زوجها عندما كان عمرها 30 عاما، وهي تبلغ الآن 44 عاما، “كان من المتوقع مني أن أكون زوجة وأمًّا بينما كنت لاأزال طفلة. لا ينبغي إجبار أي طفل أو مراهق على أن يعيش ما عشته وعانيته”. وكان زواج سعدون غير قانوني. ووقع عليه القاضي الذي جمعته صلة قرابة بالزوج. ويحدد القانون العراقي سن 18 عاما كحد أدنى لسن الزواج في جل الحالات.
لكن زواج القاصرات قد يصبح أمرا تجيزه الدولة قريبا. ويدرس البرلمان العراقي تغييرات قانونية مثيرة للجدل من شأنها أن تمنح السلطات الدينية المزيد من السلطة في مجال قانون الأسرة. وتعدّ هذه خطوة تحذر جماعات حقوقية ومعارضون من أنها قد تفتح الباب أمام زواج فتيات لا تتجاوز أعمارهن 9 سنوات.
قانون الأحوال الشخصية العراقي الصادر في 1959 يعتبر أساسا قويا يحمي حقوق النساء والأطفال إلى حد كبير
وجاء الضغط من أجل التغييرات أساسا من قبل الفصائل السياسية الشيعية القوية المدعومة من الزعماء الدينيين. وشن هؤلاء حملات متزايدة ضد ما يصفونه بفرض الغرب لمعاييره الثقافية على العراق ذي الأغلبية المسلمة. وأقر البرلمان في أبريل قانونا قاسيا مناهضا لمجتمع الميم. ومن شأن التعديلات المقترحة أن تسمح للعراقيين باللجوء إلى المحاكم الدينية في قضايا قانون الأسرة بما في ذلك الزواج، الذي يعدّ اليوم من مشمولات المحاكم المدنية وحدها.
وهذا ما قد يمكّن رجال الدين من الحكم وفقا لتفسيرهم للشريعة، بدلا من القوانين القائمة. ويفسر بعض رجال الدين الشريعة على أنها تسمح بزواج الفتيات في سن المراهقة المبكرة، أو في سن 9 سنوات بموجب المذهب الجعفري للشريعة الإسلامية الذي تتبعه العديد من السلطات الدينية الشيعية في العراق. وصدم هذا العديد من النساء العراقيات، ونظمن احتجاجات خارج البرلمان ونظمن حملات ضد التغييرات على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقالت هبة الدبوني، الناشطة من بين العشرات في احتجاج خلال أغسطس لوكالة الأسوشيتد برس، إن “تشريع قانون يعيد البلاد إلى الوراء 1500 عام يعدّ أمرا مخجلا… وسنستمر في رفضه حتى آخر نفس. تكمن مهمة البرلمان العراقي في إقرار القوانين التي من شأنها رفع مستوى المجتمع”.
ويقول المشرعون المحافظون إن التغييرات تمنح الناس خيارا بين استخدام القانون المدني أو الديني، ويشددون على أنهم يدافعون عن الأسرة ويحمونها من التأثيرات العلمانية والغربية.
وقالت سارة صنبر، الباحثة المختصة بشؤون العراق في هيومن رايتس ووتش، إن التغييرات تمنح الأولوية لتفضيلات الزوج. وأضافت “لذلك، نعم. يعطي هذا خيارات، لكنها خيارات للرجال أولا وقبل كل شيء”.
وامتد الجدل الغاضب إلى وسائل الإعلام العراقية، وشمل رجال الدين أيضا. وعارض رجل دين سني سن الزواج الأدنى في أحد البرامج الإخبارية الأخيرة، معتبرا أنه يضر بالفتيات، وقال إنه لا توجد مشكلة في ظل الإسلام مع القوانين الحالية.
لكن رجل الدين الشيعي رشيد الحسيني أصر على أن الشريعة تسمح بالزواج من فتاة تبلغ من العمر 9 سنوات في محاضرة نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي. وقال “لكن، هل هذا شيء يحدث بالفعل من الناحية العملية؟… قد يكون صفر في المئة، أو 1 في المئة من الحالات”.
وتحظى التعديلات المقترحة بدعم جل المشرعين الشيعة في كتلة “الإطار التنسيقي” التي تتمتع بأغلبية في البرلمان. لكن الخلافات مستمرة حول المسودة. وكان من المفترض أن يجري البرلمان تصويتا أوليا على القانون الثلاثاء الماضي لكنه لم يتمكن من بلوغ النصاب القانوني واضطر إلى تأجيله.
ويُنظر إلى قانون الأحوال الشخصية العراقي الصادر في 1959 على نطاق واسع على أنه أساس قوي يحمي حقوق النساء والأطفال إلى حد كبير. وحدد سن الزواج القانوني بـ18 عاما، رغم أنه يسمح للفتيات اللواتي لا تتجاوز أعمارهن 15 عاما بالزواج بموافقة الوالدين وإثبات طبي على أن الفتاة قد بلغت سن البلوغ وأنها تحيض.
وتقرر حظر الزواج خارج محاكم الدولة. لكن التنفيذ متساهل. ويوافق القضاة الأفراد أحيانا على زيجات الفتيات الأصغر سنا، سواء بسبب الفساد أو لأن الزواج قد تم بالفعل بشكل غير رسمي.
وقال النائب رائد المالكي، الذي قدم التعديلات المقترحة، إن الدولة ستظل توفر الحماية وإن المناقشات لا تزال جارية حول سن الزواج الأدنى. وأضاف المالكي إن السن سيكون “قريبا جدا من القانون الحالي”، دون الخوض في التفاصيل.
ويصور المالكي وغيره من المؤيدين التغييرات على أنها دفاع ضد العلمانية الغربية. وقال إن القانون الأصلي تأثر بـ”الشيوعيين والبعثيين”، في إشارة إلى الحزب القومي العربي العلماني الذي حكم البلاد من 1968 حتى أطيح بحكمه في عهد صدام حسين في الغزو الذي قادته الولايات المتحدة سنة 2003.
وتابع “يفتكون الأطفال في الغرب من والديهم لأبسط الأسباب ويتهمونهما بالعنف، ثم يغيرون ثقافتهم ويجعلونهم مثليين جنسيا. لا يمكننا تقليد ذلك أو اعتباره تقدما”. ويشير هنا إلى القانون العراقي الذي صدر في أبريل والذي يجرّم العلاقات الجنسية المثلية وحقوق مجتمع الميم.
واكتسب انتقاد الثقافة الغربية قوة جديدة منذ اندلاع الحرب الأخيرة بين إسرائيل وحماس، حيث يتعاطف جل العراقيين مع الفلسطينيين في قطاع غزة. ويرى كثيرون أن تصريحات الولايات المتحدة وغيرها بشأن حقوق الإنسان منافقة بسبب دعمها للحملة الإسرائيلية في غزة التي أودت بحياة عشرات الآلاف من الفلسطينيين.
لكن سارة صنبر أكدت أن النساء العراقيات يبقين من أكثر المعارضين للتغييرات. وأضافت أن “هذا يدل على حقيقة أن هذا ما تريده المرأة العراقية، وأن المنظمات الأجنبية لا تملي على العراق ما يجب أن يفعله”.
ولم تكن هذه أول مجموعة من التعديلات التي اقترحها المشرعون خلال العقد الماضي. لكن الأحزاب الشيعية تبدو اليوم أكثر توحدا وراءها. ويقول حارث حسن، الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات والزميل غير المقيم في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، إن أولويات الأحزاب الشيعية كانت مختلفة في السابق، حيث كانت تركز على العديد من الصراعات التي هزت البلاد في العقدين الماضيين.
وذكر أنها تشهد اليوم “نوعا من الإجماع” فيما بينها حول القضايا الثقافية، مشيرا إلى أن التعديلات الجديدة ستخلق “طائفية مؤسسية” في العراق ويمكن أن تضعف المحاكم المدنية. وأضاف “عندما يقولون إن من حق المسؤولين الدينيين النظر في مسائل الزواج والميراث والطلاق، ولا يمكن للمحكمة الطعن في ذلك، فإنهم يبعثون سلطتين متوازيتين. وسيخلق هذا ارتباكا في البلاد”.
وقالت سعدون التي تعيش الآن في أربيل، إنها تخشى تبعات هذا على النساء والفتيات في العراق. واعتبرت أن “التعديلات الجديدة في قانون الأحوال الشخصية ستدمر مستقبل العديد من الفتيات على امتداد أجيال عديدة”.

1