أحدث الأخبار
الأربعاء 16 تشرين أول/أكتوبر 2024
تدخلات الحموات تعمق أزمة الطلاق في مصر!!
بقلم : أحمد حافظ ... 21.09.2024

*ينصح مستشارو العلاقات الأسرية في مصر الأهل بترك الزوجين أحرارا في اختيار نمط الحياة المناسب لهما، وعدم التدخل في خصوصياتهما، مؤكدين على أن الجيل الجديد لديه موقف مناهض ضد تدخلات الجيل القديم في حياته، وليس مطلوبا من الزوجة أن تكون أسيرة لحماتها، والعكس صحيح بالنسبة إلى زوج الابنة. ويأتي ذلك على خلفية ارتفاع نسب الطلاق بسبب تدخل الحموات.
القاهرة - أظهرت إحصائية صدرت عن نقابة المأذونين الشرعيين في مصر حول معدل الطلاق بسبب تدخل الحموات إلى أي درجة أصبح الزواج في بيت العائلة مقدمة لانهيارات أسرية يصعب علاجها بسهولة، مقابل عدم اكتراث أهل الشاب والفتاة بتبعات الزواج منزوع حرية اتخاذ القرار من الشريكين وفرض الوصاية عليهما.
وأكد نقيب المأذونين الشرعيين في مصر إسلام عامر أن 90 في المئة من حالات الطلاق سببها الأهل، حيث تتدخل أم الزوج وأم الزوجة في كل كبيرة وصغيرة، حتى يصل الأمر إلى حد خراب البيوت، في رسالة تحذير للأهل بضرورة ابتعاد الآباء عن حياة أولادهم بعد الزواج وعدم التدخل في ما يخصهم، وتركهم يقررون مصيرهم.
فتحت الإحصائية نقاشات أسرية محتدمة بين الرفض والقبول لتدخل الحموات في الحياة الزوجية للشريكين، وكيف يمكن أن يتسبب ذلك في منغصات وربما صدامات يصعب تجاوزها بسهولة، لأن عدم وضع حد لتلك التدخلات سوف يقود إلى انتكاسات تتعلق بتبعات الزواج في بيت العائلة، لكن المعضلة في تغيير ثقافة الأهل.
يؤخذ على الكثير من أرباب الأسر في مصر أنهم يقبلون بتزويج بناتهم في منزل عائلة الزوج، ولا يعيرون اهتماما بالقصص المأساوية التي انتهت بالطلاق السريع بسبب الأزمات المعقدة التي تكون الحماة سببا فيها أو جزءا منها، بدافع الغيرة على ابنها، أو التدخل في كل ما يخص حياة الشريكين وفرض عادات وتقاليد لم تعد صالحة.
لا تزال هناك شريحة معتبرة تدافع عن استمرار ثقافة الزواج داخل العائلة، ويعتبرون ذلك حلا وسطا لتقليص نفقات الزواج
ولا تزال هناك شريحة معتبرة تدافع عن استمرار ثقافة الزواج داخل العائلة ووسط الأهل، بحجة أن ذلك قد يكون حلا وسطا لتقليص نفقات الزواج والحياة الأسرية للشريكين، في ظل ارتفاع تكلفة السكن المستقل وعدم قدرة الكثير من الشباب على شراء منزل بعيد عن بيت العائلة، وسط ظروف اقتصادية صعبة على أرباب الأسر.
قدّمت الإحصائية التي أعلنتها نقابة المأذونين أخيرا هدية مجانية للفتيات اللاتي يرفضن الزواج في مكان واحد يضم الأهل، باعتبار أنها جرس إنذار لما هو قادم من حياة زوجية ملغمة بالصراعات، لكن الكثير من أرباب الأسر كانوا يمارسون ضغوطا مضاعفة على بناتهم للقبول بهذا الزواج، ولو بشكل مؤقت لحين تحسن ظروف الزوج.
تميل النسبة الأكثر من الفتيات المصريات إلى الرفض القاطع للزواج بالقرب من الحماة، ولو وصلن إلى مرحلة العنوسة وعدم الزواج أصلا، لأسباب ترتبط بحرمانهن من الحد الأدنى للخصوصية وحرية اتخاذ القرار، ويصل الأمر أحيانا إلى التدخل في تعليم وتنشئة وتربية الأبناء، بذريعة أنهم يخصون الأهل، وليس الأم والأب وحدهما.
يعتقد متخصصون في العلاقات الأسرية بالقاهرة أن ارتفاع معدل الطلاق بسبب الحموات مؤشر خطير على استمرار الأهل في فرض نمط معين من الحياة الزوجية لا يقبله الشاب ولا الفتاة، ولا يستريحان معه، ومع الوقت يؤسس لحواجز نفسية بين الشريكين تقود إلى انهيار العلاقة بلا رجعة.
مشكلة بعض الفتيات المصريات أنهن يتعاملن مع الحماة بطريقة ندية، وتلك الشريحة تفضل الانفصال عن البقاء أسيرة لتدخلات والدة الزوج، مع أن السكن في بيت الأهل ليس بالضرورة يجلب أزمات أسرية معقدة، لكن المعضلة في تصدير المجتمع صورة مقيتة عن الحماة وتدخلاتها المدمرة للعلاقة.
عدم وضع حد للتدخلات سوف يقود إلى انتكاسات تتعلق بتبعات الزواج في بيت العائلة، لكن المعضلة في تغيير ثقافة الأهل
دافعت أماني إبراهيم التي تخرجت قبل عام في الجامعة عن موقفها، فلا تزال ترفض الزواج بالقرب من حماتها، بأن لديها تجربة مريرة مع شقيقتها الكبرى، حيث تعاملها أسرة زوجها باعتبارها خادمة للعائلة، وتتدخل حماتها في كل كبيرة وصغيرة حتى في طريقة ملابسها، وماذا تشتري وتطبخ ومتى تخرج من المنزل.
وأضافت لـ”العرب” أن الزوجة عندما تعيش مع الحماة تكون مضطرة لإهمال الزوج والأبناء لتنال رضاء والدة شريكها، وإلا تعرضت لكلمات قاسية ومعاملة غير آدمية، وتكرار الشكوى من سلوكها، ونادرا ما تساندها أسرتها وتتدخل بحجة أن العادات والتقاليد تفرض عليها التحمل.
وأكدت إبراهيم أن الإحصائية الصادرة عن نقابة المأذونين ستعمق كراهية الفتيات للزواج في بيت واحد يضم الحماة، وأصبح الكثير منهن يفضلن التأخر في الزواج عن الحصول على لقب مطلقة في أسرع وقت، لكن العبرة في اقتناع الأهل بذلك، أو على الأقل وضع اتفاق مسبق يحدد تدخلات الحموات.
هناك فتيات تُرجعن تدخلات الأم في حياتهن الزوجية بالاستشارة في كل شيء، ويكون الزوج مضطرا لتنفيذ رغبة الحماة ولو عن غير قناعة كي يُرضي زوجته، أيّ أن التدخلات تكون مشتركة من والدة الزوجة أو الزوج من دون اتفاق مسبق بين الشريكين بعدم وجود وصاية عائلية عليهما.
ويرى متابعون للقضية أن إحصائية نقابة المأذونين عن معدلات الطلاق بسبب تدخلات الحموات بحاجة إلى حل عاجل يُقنع المجتمع والأهل بخطورة عدم ترك الزوجين أحرارا في اختيار نمط الحياة المناسب لهما، سواء أكان ذلك بحملة توعوية أو دينية أو إنتاج محتوى فني وإعلامي يحقق الغرض.
أصبح على أهل الشاب أو الفتاة الاقتناع بأن الجيل الجديد لديه موقف مناهض ضد تدخلات الجيل القديم في حياته، وليس مطلوبا من الزوجة أن تكون أسيرة لحماتها، والعكس صحيح بالنسبة لزوج الابنة، لأن هناك تغيرات جذرية في نمط تفكير تلك الأجيال لا يستوعبها الآباء والأجداد.
قال عادل بركات المتخصص في العلاقات الأسرية والتنمية البشرية إن الزواج بالقرب من الحماة ليس كله سيئات، والمشكلة في تصدير نماذج سلبية عن العيش في كنف الأهل، وتظل العبرة في اتفاق الزوجين مسبقا على طريقة إدارة حياتهما من البداية، ولا يسمحان بأية تدخلات من هنا أو هناك.
وأوضح لـ”العرب” أن ارتفاع معدل الطلاق بسبب الحموات مرتبط بتغير نمط المعيشة عن الماضي، وتفضيل الزوج والزوجة للأسرة المحدودة الصغيرة التي لا تقبل تدخلا من الأهل، والمشكلة أن الكثير من الأزواج يظلمون زوجاتهم لإرضاء الأم فيكون الطلاق حلا للطرفين.
وأكد أنه من الضروري أن يستوعب الأهل الرسالة التي أرادت نقابة المأذونين توصيلها ويتم التعامل بحكمة وعقلانية مع الأمر، وترك حرية قرار الزواج وسط الأهل للابن والابنة، وعدم التدخل ولو بالنصيحة، لأن هناك حالة تمرد واضحة ضد أية وصاية من الحماة، ولو كانت نواياها حسنة.
المهم، أن يقتنع الأهل بأن رفض فتيات وشبان الجيل الجديد لتدخلات الحموات ليس موجها للأمهات، لكنه مرتبط بتمرد منطقي ضد عادات وتقاليد وموروثات قديمة لم تعد مقبولة، مقابل فهم معاصر للأسرة المستقلة التي تعادي الوصاية من الآخرين، ولو بلغ الأمر حد الطلاق لراحة كل الأطراف.

*المصدر : العرب
1