أحدث الأخبار
الأربعاء 16 نيسان/أبريل 2025
ذكورية أقوى من القانون.. "جرائم الشرف" تتفشى في سوريا!!
بقلم : الديار ... 15.04.2025

تواصل المنظمات الحقوقية في سوريا تسجيل عدد متزايد من جرائم الشرف ضد النساء في مختلف مناطق سوريا، على الرغم من تعديل قانون العقوبات إذ لم يتم تطبيق هذا القانون بشكل فعلي، بسبب غياب السلطة الواحدة في سوريا، وانتشار السلاح بشكل عشوائي والفلتان الأمني.
دمشق - لا يزال الأهالي في منطقتي منبج وقرية مران شمال سوريا يعيشون صدمة جريمتين مأساويتين، راحت ضحيتهما فتاتان بذريعة “غسل العار” بعد أن تعرضتا للاختطاف من قبل مجموعة من تجار المخدرات، بالتعاون مع شبّان من الجنسية التركية، في ظاهرة مسكوت عنها وتحصد أرواح المزيد من النساء شمال شرق سوريا.
وعقب الإفراج عن الفتاتين الضحيتين، لم تُفتح تحقيقات بحق الجناة، بل تم ارتكاب جريمة ثانية بحق الضحيتين، حيث أقدم مالك جاسم العلوان على قتل ابنته في قرية مران، فيما قتل جاسم رمضان العلوان شقيقته في مدينة منبج، فيما وصفه البعض بأنه جريمة بلا “شرف”.
وتنتشر جرائم الشرف في سوريا من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، بغض النظر عن الجهات المسيطرة على تلك المناطق، ومع ازدياد حدّة الصراع في سوريا ازدادت جرائم القتل تحت ذريعة الشرف، بسبب الفلتان الأمني وغياب القانون وانتشار السلاح العشوائي.
وفي النصف الأول من عام 2023، وقعت 25 حادثة قتل بحق نساء في شمال شرق سوريا، منها جرائم قتل بذريعة الشرف، بحسب أرقام صادرة عن تنسيقية المرأة في الإدارة الذاتية (تجمع للنساء العاملات في الإدارة الذاتية ومنظماتها ومؤسساتها النسوية).
**مرتكبو جرائم الشرف ومن يريد التغطية عليهم يعتبرونها شأنا داخليا للعائلة نفسها، ولا يحق لأحد التدخل به
ولا يكشف هذا الرقم عن العدد الحقيقي للضحايا من النساء، بحسب عدد من المصادر نظرا لتستر بعض العائلات على الجرائم خوفا من “العار”.
ومع سقوط نظام الأسد في ديسمبر الماضي، وانهيار مؤسسات الدولة في مناطق عديدة وفتح أبواب السجون، خصوصا في شمال وشمال شرقي سوريا، أطلق سراح الآلاف من المعتقلين، بمن فيهم متهمون سابقون بجرائم شرف، وفي ظل غياب الأجهزة القضائية والشرطية، تفاقمت الجرائم وغابت المساءلة، وتحوّل القانون إلى “شخصي” أو “عشائري”، حسبما أشار ناشطون ووسائل إعلام محلية.
في حين تتركز معظم هذه الحالات في المناطق التي تخضع لسيطرة الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، مع صعوبة توثيق كافة الحالات الموجودة في كل المناطق.
وسجل “المرصد السوري لحقوق الإنسان” في وقت سابق مقتل طفلة تبلغ من العمر 5 سنوات في منبج، على أيدي أفراد من عائلتها، بعد تعرّضها للاغتصاب. وقد تم ذبحها بأداة حادة وألقيت جثتها في حاوية قمامة، وأعيد تسويق الجريمة اجتماعيا على أنها “لا تتعلق بالشرف”، رغم أن دافعها كان المنظومة الذكورية العقابية نفسها.
تطبيق جرائم الشرف لا يتم إلا على النساء، لأن المجتمع بعاداته وتقاليده يربط هذه الجرائم فقط بالمرأة
وفي حادثة أخرى في الحسكة، خنق أب ابنته ذات الـ16 عاما بعدما احتجزها عاما كاملا إثر حملها من ابن عمها الذي حكم عليه بالسجن.
وبحسب تقارير إعلامية، سجلت 25 حالة قتل لنساء في شمال شرقي سوريا خلال النصف الأول فقط من العام 2023، عدد كبير منها وقع بدوافع “الشرف”. ويرجح أن العدد الفعلي أعلى بكثير، نظرا لتكتم العائلات على الجرائم، وعدم الإبلاغ عنها، أو التواطؤ المجتمعي معها.
وكانت جريمة “فتاة الحسكة” في منتصف العام 2021 هي الأعنف من بين هذا النوع من الجرائم، حيث أقدم 11 شخصا من أفراد وذوي الطفلة عيدة الحمودي السعيد البالغة 17 عاما على اقتيادها إلى منزل مهجور، وفتح الرصاص من الرشاشات التي كانت معهم عليها، وذلك بعد رفضها الزواج من ابن عمها، لتتهمها عائلتها بأنّها على علاقة بشاب آخر، وتريد الزواج منه وهذا ما يخالف عادات عشيرتها.
أما في السويداء جنوبا، فقد لقت أمل البالغة 36 عاما وهي أم لطفل وحيد يبلغ 16 عاما، ومنفصلة عن زوجها وتقيم مع طفلها، حتفها حيث أقدمت والدتها وخالها على قتلها بعدة ضربات بمطرقة على رأسها، وقد انكشف أمر الجثة خلال محاولتهما إخفاءها، وبعد القبض عليهما، بررا فعلتهما بـ”أنها جريمة شرف”!
أمّا في ما يخص محافظة درعا، فقد تناول تقرير لمنصة “درعا 24” بعنوان “جرائم الشرف في درعا: لا الدين ولا القانون يستطيع ردع العادات”، هذه الجرائم حيث تحدث حول عدد من الحالات التي تم توثيقها، مشيرا إلى أن هناك صعوبة كبيرة في توثيق هذا النوع من الجرائم أو النشر عنها، باعتبارها قضايا حسّاسة في المجتمع، حيث يعدّها مرتكبو هذه الجرائم ومن يريد التغطية عليهم “شأنا داخليا للعائلة نفسها، ولا يحقّ لأحد التدّخل به”، ويشاطرهم الرأي في ذلك كثيرون، ويُلمس ذلك عند النشر حول هذه القضايا.
وتكرار الجرائم بحق النساء في مختلف المناطق في سوريا، يدفع إلى التساؤل حول إمكانية حماية الضحايا المحتملين قبل فوات الأوان، وما إذا كان يمكن للسلطات والمنظمات المعنية بشؤون المرأة أن تلعب دورا للحد من هذه الجرائم.
وقبل العام 2009 نصّت مواد القانون على أنّه يستفيد من “العذر المحل” من فاجأ زوجته أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنا المشهود، أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر فأقدم على قتلهما أو إيذائهما أو على قتل أو إيذاء أحدهما، بغير عمد وترصد.
وفي مطلع 2011 صدر مرسوم قضى بتعديل قانون العقوبات السوري، وشملت التعديلات تسع عشرة مادة، أبرزها على الإطلاق، تعديل المادة 548 من قانون العقوبات التي كانت تعاقب مرتكبي جرائم ما يسمى بـ”جرائم الشرف” بالسجن سنتين كحد أقصى، بحيث أصبحت العقوبة، السجن من خمس إلى سبع سنوات.
وفي مارس عام 2020 تم إصدار قرار بإلغاء المادة 548 من قانون العقوبات السوري، الذي كان ينص على تخفيف العقوبة بما يخص جرائم الشرف، وأصبحت كغيرها من جرائم القتل العمد.
وأكدت ناشطة في مجال حقوق المرأة أن قانون العقوبات السوري على الرغم من تعديله، إلا أنه حلّ غير كافٍ، ما لم يتم تطبيق هذا القانون بشكل فعلي، وفي الوقت الحالي من الصعب تطبيق قوانين كهذه، بسبب غياب السلطة الواحدة في سوريا، وانتشار السلاح بشكل عشوائي والفلتان الأمني.
وأضافت الناشطة “العادات والتقاليد هي السبب الأساسي لجرائم الشرف، حتى مع وجود قوانين تُجرم هذا الفعل، فالرجل يقوم بقتل أخته أو زوجته أو أحد نساء عائلته، حتى دون التأكد من فعلتها، ليثبت لمجتمعه المتخلّف أنه تخلّص من العار الذي سيلاحقه طوال حياته، وبحسب رأيه فإنه بهذا الفعل يُسكت أفواه الناس عن الأمر، وما يعزز هذه الجرائم هو محاولة المجتمع المحيط التغطية على هذا النوع من الجرائم، ومحاولة تبرئة القاتل بحجة أنه يغسل عاره!”
وأضافت “في المقابل لا يتم تطبيق جرائم الشرف هذه إلا على النساء، ولم يتم تسجيل أي حالة ضد الرجال لأن المجتمع بعاداته وتقاليده يربط هذه الجرائم فقط بالمرأة.”
ومن وجهة نظر رجال الدين، فإن شروط إقامة حد الزنى في الإسلام صعبة التطبيق، وقد تصل إلى الاستحالة “حتى لا يصبح اتهام الناس بالزنى أمرا سهلا، فالإسلام يحتاط في ثبوت الحد، والقاعدة أنّ درء الحدود بالشبهات أولى، ويُشترط لإقامة الحد على الزاني شروط منها الإيلاج، فلا يقام الحد على من قبّل أو من قام باللمس، وانتفاء الشبهة”، وفق تعبير أحد المشايخ.
وأضاف رجل الدين أن ثبوت الزنى لا يكون إلا من خلال طريقتين، إقرار الرجل أو المرأة بفعل الزنى أو بشهادة أربعة رجال عُدول ثقات يشهدون بدخول القضيب بالفرج، رأي العين المباشر.
وخلص تقرير “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” تناول جرائم الشرف في شمال سوريا، إلى أن “الفلتان الأمني وغياب سيادة القانون وانتشار السلاح، بالإضافة إلى انتشار ثقافة العنف ضد النساء والتطبيع معها، كلها أسباب أسهمت بشكل أو بآخر بارتفاع نسبة جرائم القتل تحت ذريعة الدفاع عن الشرف”، وقد ازدادت هذه الجرائم “مع تصاعد حدة النزاع السوري”.
وأمام هذا الواقع السوداوي، شددت آرزو تمو، الناطقة باسم منظمة “سارا” على ضرورة “توعية المجتمع لإيقاف كافة أشكال العنف والتمييز ضد المرأة، الذي يؤدي بدوره إلى الحد من هذه الجرائم”، ويكون ذلك عبر “تنظيم محاضرات مكثفة في القرى والبلدات، وتعريف الأهالي بقانون الأسرة والقوانين والعقوبات المتعلقة بجرائم القتل.”
وأوضحت أن “قسما من المجتمع لا يعلم قوانين الإدارة الذاتية، ويعتقد أن عقوبة جريمة القتل بذريعة الشرف هي ذاتها في القانون السوري”، في إشارة إلى المادة 548 من قانون العقوبات السوري، المتعلقة بمنح العذر المخفف بـ”جرائم الشرف”، التي ألغيت بموجب القانون رقم 2، الصادر في مارس 2020، الذي نص أيضا على إلغاء جميع تعديلات المادة الصادرة في عام 1949.
وفي هذا السياق، قالت ريما بركات، الرئيسة المشتركة لمجلس العدالة الاجتماعية في شمال شرق سوريا، “لا يمكن تشديد العقوبات أكثر من ذلك، لأن دستور شمال شرق سوريا يمنع عقوبة الإعدام، والسجن المؤبد هو العقوبة الأشد.”
وذهبت بركات إلى ضرورة “توعية المجتمع للحد من هذه الجرائم، والقيام بحملات توعوية من شأنها النهوض بالمجتمع وتغيير ذهنيته”، إضافة إلى إدراج التوعية “في مناهج التعليم”، مشيرة إلى أن “الحل يحتاج إلى خطط بعيدة المدى، لذلك الجانب التوعوي أهم من القانوني.”
من جهتها، فصّلت نازدار ملا درويش، المديرة التنفيذية لمنظمة تاء مربوطة، منظمة معنية بشؤون المرأة في شمال شرق سوريا، آلية العمل لمكافحة جرائم قتل النساء، مشددة على أن “العملية تتطلب تضافر الجهود وعلى عدة مستويات.”
أما في ما يخص الجانب التوعوي، فشددت على ضرورة “تثقيف المجتمع بأهمية المساواة بين الجنسين، واحترام حقوق المرأة، وتعزيز النساء وتمكينهنّ اقتصاديا واجتماعيا، إضافة إلى توفير بيئة آمنة وعادلة لهن.”
وأشارت إلى أن “جرائم قتل النساء هي انتهاك صارخ لحقوق الإنسان، وتعكس التفاوت الكبير في المعاملة بين الجنسين والتمييز ضد النساء”، مضيفة أن منظمتها “تنظم حملات حشد ومناصرة عبر وسائل الإعلام حول القضايا المتعلقة بالمرأة.”
وفي إطار جهود العديد من المنظمات الحقوقية والنسوية، يتم عقد جلسات تتمحور حول خطاب الكراهية، الذي يستهدف النساء وحقوقهن، والعنف القائم على النوع الاجتماعي، ودعم ومناصرة حق المرأة في الميراث، إضافة إلى بناء قدرات الفتيات في المجتمع لتمكينهن من الدخول إلى سوق العمل!!

1