
غزة .. تواجه 13,901 امرأة فلسطينية واقعاً مأساوياً بعد فقدان أزواجهن نتيجة حرب الإبادة الجماعية
على امتداد 23 كيلومتراً، سارت الأم دعاء أبو علي من حي النصر شمال غزة إلى مدينة دير البلح وسط القطاع، بعدما انعدمت وسائل المواصلات وامتلأت الطرقات بمئات الآلاف من النازحين الهاربين من توغّل جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وخلال الطريق، تعثرت دعاء وهي تحمل طفلتها هالة (3 سنوات) بين ذراعيها طوال المسافة، دون أن يتاح لهما وقت للاستراحة أو تناول أي طعام، كما عجزوا عن العثور على وسيلة نقل تقلّهم مع بقية أفراد العائلة.
وبعد وصولهم، اضطرت دعاء وزوجها وأقاربهم إلى قضاء ليلة كاملة في العراء، لعدم توفر خيمة تؤويهم، بعدما وصلت أسعارها إلى نحو 1000 دولار، فضلاً عن انعدام أماكن مناسبة لنصبها.
تقول دعاء إنها لجأت إلى استخدام قطع قماش لتغطية طفلتها، ولم تغمض لها عين طوال الليل من شدة الخوف، واقتراب بعض الكلاب منهم، إضافة إلى حاجتها وابنتها الماسّة لدخول الحمام.
دعاء ليست سوى نموذج لآلاف النساء في قطاع غزة اللواتي يواجهن ظروفاً غير إنسانية في رحلة النزوح، محرومات من أبسط مقومات الحياة واحتياجاتهن الأساسية.
النساء والحرب
تشكل المرأة الفلسطينية نصف المجتمع وعموده الفقري، حيث بلغت نسبتها 49% من إجمالي عدد السكان في فلسطين مع نهاية العام 2024، بما يعادل 2.71 مليون أنثى، توزعن بواقع 1.65 مليون في الضفة الغربية و1.06 مليون في قطاع غزة، وفقاً لجهاز الإحصاء الفلسطيني.
وتلعب المرأة الفلسطينية دوراً حيوياً في مختلف مجالات الحياة؛ فهي شريكة أساسية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، كما أنها ركيزة مهمة في تعزيز الصمود الوطني ومواجهة التحديات التي يفرضها الواقع الفلسطيني.
ومنذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023، وحتى اتفاق وقف إطلاق النار في يناير 2025؛ أي على مدار 471 يوماً وحتى يومنا هذا، ما زالت المرأة الفلسطينية تواجه تحديات جسيمة للتعافي واستعادة الحياة الطبيعية.
وشكلت النساء والأطفال 70% من ضحايا العدوان وحرب الإبادة الجماعية، حيث بلغ عدد الشهيدات 12,316 من إجمالي 48,346 شهيداً حتى تاريخه.
وتشكل النساء والأطفال ما نسبته 69% من إجمالي الجرحى البالغ عددهم 111,759 جريحاً، كما أن 70% من المفقودين في قطاع غزة نتيجة العدوان الإسرائيلي هم من النساء والأطفال، حيث بلغ عددهم 14,222 مفقوداً.
في ظل هذه التحديات الإنسانية القاسية، تواجه 13,901 امرأة فلسطينية واقعاً مأساوياً بعد فقدان أزواجهن نتيجة حرب الإبادة الجماعية، ليصبحن المعيلات الوحيدات لأسر حرمت من عائلها الأساسي.
تتحمل هؤلاء النساء أعباءً ثقيلة لتأمين لقمة العيش ورعاية الأبناء، في ظل ظروف اقتصادية خانقة تفاقمت بفعل الحصار والدمار، وإضافة إلى صعوبة الحفاظ على استقرار الأسر، فإنهن يواجهن تحديات مضاعفة في إعالة عائلات فقدت سندها، وتربية أطفال بين أنقاض المنازل، في ظل شحّ الموارد الذي يفاقمه الحصار.
أرقام أممية
هيئة الأمم المتحدة للمرأة أكدت أن النساء والأطفال يشكلون ما يقرب من 60% من الضحايا في الأحداث الأخيرة.
ونقلت الممثلة الخاصة لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في فلسطين، ماريس غيمون، شهادات نساء يرفضن النزوح مجدداً، مؤكدات أنه "لا توجد أماكن آمنة على أي حال". كما نقلت عن امرأة من دير البلح قولها: "تقول أمي: الموت واحد، سواء في مدينة غزة أو دير البلح... نريد فقط العودة إلى غزة".
وتحدثت امرأة أخرى من المعراج قائلة: "نشاهد الأخبار بكثافة. توقفت الحياة. لم ننم طوال الليل، إننا مشلولون. لا يمكننا المغادرة. منطقتي مقطوعة. أنا خائفة من التعرض للقصف - يجول بخاطري كل كابوس يمكن تخيله".
وشددت المسؤولة الأممية على أن "الحرب الشعواء المستمرة ليست مجرد نزاع؛ إنها حرب على النساء؛ على كرامتهن، وأجسادهن، وبقائهن. لقد جُرِّدت النساء من حقوقهن الأساسية، وأُجبرن على العيش في واقعٍ لا ثبات فيه سوى الفقدان والخسارة".
ودعت غيمون إلى حماية حقوق وكرامة سكان غزة، خاصة النساء والفتيات، اللاتي "تحملن العبء الأكبر من هذه الحرب".
وأكدت أن "النساء يتقن لإنهاء هذا الكابوس"، لكن "الرعب مستمر، والفظائع تتصاعد، ويبدو أن العالم يقف متفرجاً، ويُطبّع ما لا ينبغي تطبيعه".
تحديات تواجه النساء
الباحثة في الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني، سلمى حسام المدهون، أكدت أن النساء والفتيات في قطاع غزة يدفعن ثمناً باهظاً نتيجة سياسات الإبادة الجماعية والعقاب الجماعي التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي، وقالت إن المجتمع الدولي مطالب بتحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية تجاه حماية المدنيين، وفي مقدمتهم النساء والأطفال.
وأوضحت المدهون، في حديثها لـ"الخليج أونلاين": أن "هذه المسؤولية تتجلى في جملة من التوصيات أبرزها العمل الجاد لوقف الإبادة الجماعية ورفع الحصار بشكل فوري، وإنشاء مراكز آمنة تقدم الرعاية الطبية والنفسية والقانونية للنساء، وضمان ممرات إنسانية لوصول المساعدات الطبية خصوصاً المتعلقة بالصحة الإنجابية، وتعزيز الحماية الاجتماعية وإشراك النساء في صنع القرار، وتوفير قسائم غذائية ودعم المشاريع الصغيرة، وأخيراً تفعيل آليات المحاسبة وفرض العقوبات على الاحتلال لوقف جرائمه بحق نساء غزة".
وتضيف أن التداعيات الكارثية للعدوان المستمر منذ السابع من أكتوبر 2023 أفرزت انتهاكات جسيمة طالت حق النساء في الحياة والصحة والأمن الغذائي والكرامة الإنسانية، مشيرة إلى أن النساء والأطفال يشكلون نحو 60% من مجموع الضحايا المدنيين، حيث استشهدت أكثر من 12,500 امرأة، منهن تسعة آلاف أم، فيما بلغ عدد الأرامل أكثر من 21 ألفاً ممن فقدن أزواجهن.
وقالت المدهون إن انعدام الأمن الغذائي فاقم معاناة النساء، إذ تجاوزت حصيلة الوفيات الناتجة عن التجويع وسوء التغذية 2100 حالة، بينها 442 في الأشهر الأخيرة، لافتة إلى أن نحو 250 ألف امرأة وفتاة يعانين من الجوع الشديد، ونصف مليون أخرى من سوء تغذية حاد، فضلاً عن 97,625 طفلاً بينهم 49,116 فتاة عانوا من سوء تغذية حاد في أغسطس 2025.
وتؤكد أن الأمهات غير قادرات على إرضاع أطفالهن أو توفير الغذاء اللازم لهم، ما أدى إلى وفاة الآلاف بسبب الجوع، وفيما يتعلق بالصحة الإنجابية، أشارت إلى أن أكثر من 41,600 امرأة حامل ومرضع يعانين من سوء التغذية الحاد، وسجل أكثر من 12,000 حالة إجهاض بسبب ظروف الحرب ونقص الرعاية.
وبينت المدهون أن مئات الآلاف من النساء والفتيات يواجهن صعوبة في إدارة الدورة الشهرية بسبب ندرة الفوط الصحية وانعدام الخصوصية في مراكز النزوح، موضحة أن الآثار النفسية بدورها مدمرة، حيث تعاني 75% من النساء من الاكتئاب المزمن، و62% من الأرق، و65% من اضطرابات الكوابيس والتوتر الحاد، فيما تواجه أكثر من 162 ألف امرأة أمراضاً مزمنة دون رعاية كافية، ما يهدد حياتهن بمضاعفات خطيرة
