الى سليم البيك.. عزيزي سليم لم استطع هذه المرة ايضا ان اغلق الصفحة، واشطب اسمك كما فعلت ذات يوم! وانت ابن المخيم الذي تضامنت مع قضيتهِ حتى الوجَع لمجردِ انه ابن مخيم!
عثَرتَ علَي ،في حينِه، في صدفة رواية، وعثرت عليكَ في صدفَةِ حب استطلاعٍ بالغ لتكوين المخيم واناسِهِ قبل سنوات اربع من الان. سخرت من نفسي يومَها، قلت، 'ما هذا البطر ايتها الروائية المنعمة، 'لم اغفر لرفاهيتي تحت سماء فلسطين التي صارت يهودية منذ زمن ابعد منا جميعا. حينَ فهمت ماذا يعني ان تعيش في مخيم، وبلا هوية معرفة، بل بوثيقة ادركت ان نضالاتكم في المخيمات اوجع من نضالاتنا، لكن مع هذا النضال اليومي على تخليد القضية والهوية، وجدتكَ تناضِل ضد جملة لم تصدر عن قلمي. انا المترفعة عن حلقات الدروشة والمدروشين، حينَ اتَهمتَ، وازددتَ اصرارا فهِمت ان النقَاشَ معك سيصير الى نزاع على حدود مخيم، ومفرداتِ عالَمه، وازددت قناعة ان شطبَكَ ارحم من نزاعِكَ.
هكذا تماما بدأ النزاع الفلسطيني فلسطينيا على تقديرات خاطئة، وتحليلات متخيلة، وها انت ذا تعود لتسجل هدفا جديدا في مرمى المتخيل، وانا اتساءل حتى متى سيظل المخيم واقعا مزدوجا لتحليلات الرغبة في اناء الحقيقة؟ سؤالي اليك للمرة الاولى منذ عرفتك.
لم اتوقع ان ادخلَ في مواجهة مباشرة معك ذات يوم، ولكن يبدو انه الخط الاحمر الذي كنتَ سَبَبا في رسمِهِ في حينه يزجني في دوامة السؤال، ويطالِبنِي بالرد، ويبدو انك محوته لتهيئ لي مساحة اشد اتساعا من الحلم كي اسطره بكل ما يحمِله الافق من شفق! وبفن الهرطقات الرائجة حول ما يسمى اليوم، القضية السورية.
لا اعرف كثيرا عن الجبهة الشعبية خارج ما قرأته وسمعته، ولكني اتحيز لمواقفها النبيلة في المخيمات خصوصا. لم ادرس ليلى خالد جيدا، ولكني التقيتها في عمان مع مجموعة اصدقاء، وسمعت منها عن لحظات فاصلة في حياتها لا تعرفها انت، وبَكيت!سالتني: هل تعودين الى حيفا؟ اتسعَ حزني في دمعتِهَا حينَ حاولت ان تحكي وارتطَمَ خفق قلبِهَا برعشِ صوتِهَا تحتَ قصفٍ عارِمٍ للسجائر، وهمست لي بشوق، رأيتها نجوما في عز النهار، تلك الحيفا! حدقت من كابينة كابتن الطائرة الى تحت لالامسَ حيفا عن بعد، كانت تتوهج من فوق، واغرورقت عيناها بجمر سيجارة لا تخبو للحظة. ماذا تعرف انت، يا صديقي، عن تجربةِ ليلى خالد؟ ماذا تعرف عن خراب الروح الذي تعيشه هذه المرأة لتضعها في ايقونة، او تخرجها منها؟ وماذا تعرف عن الوعي السياسي لتجربة زخمة كتجربتها حينَ املت عليها تأييد النظام السوري؟
تسرعك يراوح مكانه، وانفعالكَ يراوِح قرراته، لا يمكنك ان تصدق، شأنكَ في ذلك الموقِفِ البَعِيد، ان ما يجري فِعْل غِواية. فتنة اللئيمِ بكنوز المالك. فسورية لم تشكل في اي وقت غواية عابره للدول، ولكنها ظلت محور مؤامرات لكل صنوف العلل، وانت سيد العارفين.
في سياقِ خبطِكَ تحوش ما حولك، تذنب النظام، وتكلل رؤوسَ الثوار بالغار، ما اعجبكَ! وما اغربَ تضامنك مع طوائف مدعومة بانفعالات اناس لا يرون ابعد من انوفهم، وبِقطَر العزيزة التي تنصب نفطَها هذه الايام، حكَما افتراضيا على امةِ العرَب! ماذا ستفعل، يا ترى، هذه القطر، لو اعتصمت جماعة من المعارضين الاشاوس على اسوار قصورها! منك الاجابة؟
اوافق ليلى خالد ، لقد تأخر النظام في الاستجابة لفتح قنوات حوار مع الثوار، ونريد ثوار الداخل السوري! لكن هذا الخطأ لا يقوم بخطأ العن، وهل تعرف لقد جعلني مثقفو العاطفة، امثالكم انحاز لسقوطِ النظامِ كي تشهدوا اولَ وثيقَة تطبيع سورية مع الدولة العبرية، وبأم انفِعاَلاتكم الهارِبَةِ من عِقال رَسَنِها!
قد اغفر لك عاطفتك، يا عزيزي، لكنني لا اغفر عَماكَ. قد اغفر عتَبَك، لكنني لا اغفِر سأمَكَ من حركات المقاومة بمجملها. . الحقوق، يا عزيزي، تنتزع ولا تمنح. هوَ الدرس الاول الذي تعلمته طفلة من طبيب سوري كان يعمل في مشفى رمبام. يومها كتب الجملة في دفتر مذكراتي بخطٍ اسود جميل، واعتقدت انه يحِبني لانه يريد ان انتزعَ حق ان اكونَ معه ضد نظم القبيلةِ التي تحكم قرانا. كنت صغيرة جدا، وكان كبيرا. كنت ساحرة وكان وسيما بما يهيئ له مكانا في قلبي الصغير. هو من لفت نظري لفكرة ان المقاوَمَة الشعبية تسترجع الاوطان السليبة من فم الذئاب، وبضمنها فلسطينكَ، يا عزيزي.
وانا لا احلمَ بعودةِ وطنٍ على هودج، بل لا احلم بعودَتِهِ ابدا حينَ يفَاجِئني ابن مخيم بضرورة ان يفرشَ المتأمرون بساطا احمرَ للسلاطينِ الجدد. اذا كنتم تشتهون قمع نظام السلطنة في سورية، فلماذا اذن تعولون على سلاطينَ اشد سلاطة من المخرز، بعمامات اضخم، ومسابح اطول من عمرِ الامارة.
وانتَ ترى ولا ترى. تصدِر فرَمانا جديدا، 'توقفوا عنِ النضَالِ يا رفاق، ان الحكيم مات!' انتهى اسم المخيم، وموروثه التاريخي كله. وماذا عن اولئك المهددينَ بالقنص في كل لحظة، يا رفيق! لماذا تتشيع للاسمِ وتجعله في مقام النهج؟ ولماذا تختصر تاريخ المقاومة الشعبيةِ في تكوين شخص؟ ومن هم الذين وقفوا خلف اغتيال الحكيم، يا رفيق؟ أليس امثالَ هؤلاء الذين يقاتلون بالمنجلِ مكانَ السيف، ويحاربون احقادَهم في العتمة؟ ومن يقرر الان الا بديلَ؟ هي ، ذات الوجوه التي تفاوض ارباحها، وتكدس مكاسبها.
لقد ذهب الرمز وظل المعنى ضاربا في الذاكرة والروح. همس لي ابي اذكر، وانا طفلة، حين ارتعبت من اجتياح المدرعات الاسرائيلية لساحة بيتنا، وطالبت ان نبيعَ بيتَنا ونسافِرَ الى القمر، قال: سنبقى، لن نبيع شيئا،حتى اذا ذهبنا ذاتَ يوم وجاء غيرنَا يظل للمَكَانِ تاريخه، اسمه وعنوَانه. وهذا هو عنوانك، يجب ان نظل شعبا يفاوض ضَميرَه في نسبَةِ صحيحِهِ وخطئِه، جريا على حكمةِ المقولة، يسقط الجسد ليثيرَ الرهانَ على حِكْمةِ المعتقد وهذا رهاني عليك!
يسقط الجسد ليثير الرهان على المعتقد!!
بقلم : رجاء بكرية ... 09.04.2013
روائية وفنانة تشكيلية ـ حيفا