فجأة ظهر اسم (جبهة النصرة) داخل سورية، ليس وهي تقود التظاهرات المطالبة بالتغيير والإصلاح ومحاربة الفساد، ولكن وهي ترفع السلاح في وجه الدولة السورية، وتبدأ عملياتها الكبرى بتفجيرات رهيبة في الميدان، وفي منطقة القزّاز، ثمّ لتواصل عملياتها الانتحارية، وتفجيراتها، وعمليات الاغتيال لشخصيات سورية بارزة، من بينها أساتذة جامعيون، وأطباء، وفنانون، وصحفيون.
كثير من عمليات جبهة النصـــــرة اتهم النظام بأنه يقــــف خلفها، رغم أن بعض ما استهدف كانت مؤسسات أمنــــية، وشخصيات مقربة من النظام، ولكن أصحاب الهوى المعادين للنظام غطّوا عمليات النصرة، لتشويه سمعة النظام، وتضليل الرأي العام الشعبي داخل سورية، والتأثــــير على الرأي العام خارجها، انطلاقا من أن الغاية تبرر الواسطة، وهو ما تفعله فضائيات انحازت ضد النظام في سورية.
لم تسكت النصرة طويلاً على التعمية على دورها، فأخذت تعلن عن عملياتها، ومسؤوليتها عمّن استهدفتهم، ثمّ حددت هدفها الذي تقاتل لأجل تحقيقه: دولة خلافة إسلامية، مع رفضها، وشجبها لما يسمّى بالديمقراطية الغربية الفاسدة المستوردة..كما ترى!
عندما قررت الإدارة الأمريكية وضع جبهة النصرة على قائمة الجهات الإرهابية، دافع الشيخ معاذ الخطيب عنها، ورفض التوجه الأمريكي، منطلقا من أن النصرة تقاتل النظام، وهي جزء من المعارضة المسلحة!
مع الوقت اتضح أن النصرة هي الجهة الأقوى، والأكثر تنظيما وتسليحا، وعنفا في الميدان، فبين رجالها من قاتل في الشيشان، وأفغانستان، والعراق، واتضح أن الجيش الحر والمسلحين التابعين للإخوان المسلمين ضعفاء بدون النصرة في المواجهة مع الجيش العربي السوري.
لقد اتضحت دوافع الشيخ معاذ الخطيب الإيجابية من النصرة مبكرا، فموقفه لا ينطلق من الحب لها، وتحبيذ خطابها، ولكن لأن المعارضة المسلحة بدون النصرة عاجزة عن الفعل العسكري الميداني، ولأن إدانة النصرة ستؤدي إلى الاشتباك معها، وشق صفوف المسلحين الذين يوحدهم كرههم لنظام الحكم في سورية، ويختلفون على كل شيء بعد ذلك.
الشيخ معاذ الخطيب عدل من رأيه تجاه النصرة، لكنه احتفظ بخيوط التواصل معها، فهو يرى بان الشعب السوري لا يقبل خطاب القاعدة: لأن الشعب السوري يؤمن بالوسطية في الإسلام!
تجاهل الشيخ معاذ أن النصرة أعلنت الولاء للدكتور (الظواهري)، وأنها باتت امتدادا للقاعدة بلاد الشام.
في مؤتمر (الإسلام والعدالة الانتقالية في سورية) الذي انعقد في اسطنبول يوم الاثنين 15 نيسان الجاري، صرح الخطيب مخاطبا( جبهة النصرة): عليكم أن تفكوا ارتباطكم مع هذا التنظيم (القاعدة)، وارتباطاته، من أولها إلى آخرها. ولم يكتف الخطيب بذلك بل طالب النصرة أن تغيّر اسمها لتكون مقبولة، مهما كان الأمر ثقيلاً_ كما يرى_ وأن تكون لها قيادات واضحة، بمرجعيات ترتبط بمرجعيات سورية معروفة.
طلب غير واقعي من الشيخ معاذ، لأن النصرة لو غيرت اسمها وولاءها، فهي ستكون قد تخلت عن منطلقاتها، وعن خطابها، ومبرر وجودها؟ ولو أعلنت أن مرجعيتها سورية، وليكن الإخوان المسلمين، فإنها بهذا ستكون قد انقلبت على نفسها، هي التي لا تثق بالإخوان، والتي تعتبر انشقاقا عنهم في الجوهر، فالقاعدة التي يقودها الدكتور الظواهري الذي خلف الشيخ بن لادن، هو إخواني قح، بل هو معتنق لما جاء في كتاب سيد قطب، وما بشّر به في (معالم في الطريق)، الذي يكفر فيه كل الأنظمة، ولا يوفر المجتمعات العربية والإسلامية، التي يرى أنها ارتدت إلى الجاهلية الأولى. (وهذا ما يوضح الأساس العقائدي للتفجيرات التي تحصد أرواح المواطنين العاديين في العراق، وسورية، ويذكرنا بمجزرة الفنادق في الأردن)!
مراقب عام الإخوان المسلمين في سورية رياض الشقفة صرح علنا، وبعد إعلان النصرة أنها امتداد للقاعدة، وتصدع لأمر الدكتور الظواهري، بأن النصرة تحارب النظام في سورية، ولم يثبت أنها تقترف جرائم إرهابية! (موقع أنا المسلم).
هل الشقفة غافل عن أن النصرة باتت امتدادا للقاعدة في سورية؟ لا يمكن، ولكنه يناور على النصرة نفسها، فهو يريدها في معركة المواجهة مع النظام لاستخدام قوتها، ومقاتليها، وسلاحها، وحين يسقط النظام، كما يتمنّى، فسوف يتم التخلص من النصرة، كونها بلا قاعدة شعبية، وبرنامجها الذي يمكن تلخيصه بكلمات قليلة: إحياء دولة الخلافة..وهو ، أيضا من وجهة نظر الشقفة والخطيب، لا يحظى بقبول الشعب السوري الذي يؤمن بالإسلام الوسطي، وينبذ العنف والتطرف!
هو موقف انتهازي سافر، فالشقفة يعرف أن النصرة لا تثق بالإخوان، ولا بغيرهم، ومشروعها في سورية والعراق مغاير تماما، وإن تقاطع في معاداة النظام في سورية.
النصرة واحدة من تسميات القاعدة، والزميل عبد الباري عطوان الذي بات مرجعا عربيا في شؤون القاعدة يقول في حوار أجرته معه مجلة (الإعلام والعصر) الإمارتية في عدد شهر نيسان 2013: الوضع أيضا ملتبس في سورية، لأن الأسلحة التي تصل إلى جبهة النصرة، وأحرار الشام، وصقور الإسلام، وكتائب الفاروق..وكل هذه أسماء متعددة للقاعدة..ويضيف: لقد أصبحت القاعدة تحمل أسماءً جديدة، حتى لا تتبنّى إرث القاعدة وتبعات 11 سبتمبر.
هي إذا أسماء تمويهية، سواء أكانت النصرة، أو غيرها، فكيف يطلب الشقفة والخطيب منها أن تغيّر اسمها، وخطابها، وتنضوي تحت لواء قادة المعارضات السورية المتنابذة، والتي لا تتفق على برنامج واضح محدد، وتتبع لمن يمولها، ويوجهها، ويقرر لها؟!
السيد حسن نصر الله، في أحد خطاباته الأخيرة، وجه نصيحة للنصرة، وللقاعدة، ولكل هذه المجموعات التي تدفقت على سورية، منبها إياها إلى أن ما يراد لها هو أن تقتل في سورية وتقتُل، في مذبحة لا مصلحة لأحد فيها سوى أعداء العرب والمسلمين.. وها هي القاعدة بأسمائها المتعددة تقتل وتُقتل، وهي فعلت ذلك من قبل، وما زالت، في العراق..فماذا حققت؟!
من يمتدحونها، ويدافعون عنها، يريدون لها أن تكون وقودا في معركة لا تخدم سوى أمريكا، وبعض دول النفط والغاز، و..الكيان الصهيوني، و..الإخوان الذين اختطفوا حراكات الربيع العربي في تونس ومصر، وليبيا، و..هاهم يتحفزون في سورية، وسعيا للسلطة يفعلون كل ما يتناقض مع الاستقامة، والصدق، بتحالفاتهم مع كل أعداء الآمة، وفي مقدمة هؤلاء الأعداء : أمريكا..التي يطالبونها بتسليح (المعارضة)، وبنصب بطاريات الباتريوت على حدود سورية مع دول الجوار. ألا يعرف الإخوان أن أمريكا والكيان الصهيوني وبريطانيا وفرنسا عدو واحد واحد واحد؟!
عجيب أمر هؤلاء الناس، فهم يناورون، ويخادعون، ويـــــبررون، ويبيحون لأنفســـهم كل ما ينفـــــعهم، حتى وهـــــو يضر بالأمة العربية، وبالمسلمين، وبفلسطين وشعبها، وبمقدساتها..قبل الجميع!
ماذا يراد من جبهة النصرة؟!
بقلم : رشاد أبوشاور ... 24.04.2013