دأبت إسرائيل منذ قيامها على اتخاذ أقصى احتياطاتها وعلاقاتها وضغوطها لمنع وصول أسلحة متطورة لأيد عربية، لأن هذا من المفترض في نهاية الأمر أن يوجه إليها. صواريخ إس 300، اسم متداول منذ سنوات بين موافقة أو عدم موافقة روسية لبيعها إلى سورية، ولكثرة هذا التداول عقد البعض آمالا كبيرة على هذا السلاح بأن يحدث انقلابا في ميزان القوى بين إسرائيل وسورية، أو بين إسرائيل والعرب مجتمعين، وذهب البعض في أوهامهم إلى أن هذه الصواريخ قد تردع إسرائيل عن اعتداءاتها على سورية التي قوبلت حتى الآن بدون رد يُذكر سوى التصريح الكوميدي إياه.
انتهجت إسرائيل سياسة مختلفة بل مناقضة لسياسة العرب في قضية التسلح، فهي تنكر حصولها أو تطويرها لأي سلاح، حتى النووي لم تعترف به رسميًا حتى الآن،
لا بل أنها تقلل من أهمية ما تملك في كثير من الأحيان،وتقلل من عدده، وتزعم أحيانا أنه لم يكن فعالا بما يكفي، وذلك بهدف تطويره والحصول على ما هو أفضل منه.
من جهة أخرى تقوم إسرائيل بتضخيم حجم وقدرات وخطورة الأسلحة التي بحوزة العرب، وتعمل على منع تسلحهم بالمتطور منها حتى لدى من يعتبرهم العرب حلفاء مثل روسيا التي تضع أسطولها في مواجهة أي تدخل خارجي في حرب يُذبح فيها الشعب السوري، بينما لا ترى ولا تسمع شيئا عندما يقوم الطيران الإسرائيلي بالإغارة على سورية أمام عيون أسطولها، إسرائيل تضخّم قدرات العرب والحكام العرب يروجون لقدرات جيوشهم حتى توهمنا أن لدى بعضهم قدرات دول عظمى، وهي لا تتورع عن مقارنة صاروخ القسام البدائي وغير الدقيق ومحدود الـتأثير بصواريخها الموجهة إلكترونيا والتي تزن نصف طن وتدمّر حيًا كاملا.
ها هم اليوم يضخّمون من قدرات صواريخ إس 300 فلا يكاد يمر يوم حتى نسمع عنها، أو يقوم أحد العسكريين الإسرائيليين بالكتابة عن خطورتها وقدرتها على لجم يد إسرائيل الطولى.
لنفرض أن النظام السوري حصل على صواريخ إس 300 فهل هذا يعني انقلابا بالفعل!
لقد ثبت عبر تجربة عقود منذ النكبة الفلسطينية حتى النكبة السورية مرورًا بنكبات العرب على مختلف أحجامها وأسبابها ونتائجها، أن القرار السياسي هو الذي ينقص العرب لا السلاح ولا المال ولا الرجال.
المقاومة اللبنانية بإمكانياتها المتواضعة أحرجت إسرائيل، ومن قبلها المقاومة الفلسطينية حتى بأسلحة بسيطة غالبا فردية، عندما توفر ويتوفر القرار تضطر إسرائيل على التفكير قبل أي خطوة عدوانية، معركة الكرامة، حرب الإستنزاف بعد هزيمة عسكرية نكراء، ثبت أن للسلاح البسيط مع المعنويات تأثيرًا وفعالية عندما يقف وراءه قرار سياسي في التصدي والمقاومة، وثبت أن السلاح مهما كان متطورا لن ينفع شيئا بدون قرار من ورائه ومعنويات ودافعية بل قد يكون نقمة على حامليه.
لو تُرك الفلسطينيون على حدود فلسطين المحتلة وبدعم عربي لتوسلت اسرائيل الوصول الى حلول، ولعملت ألف حساب، ولما سمحت لنفسها بالإستهتار والإستخفاف بمشاعر مئات الملايين والاعتداء المنهجي على موقع مقدس مثل المسجد الأقصى وطرد سكان القدس بهدف تهويدها، وكانت عملت ألف حساب لرد فعل شعبي عربي، ولكنها حتى هذه اللحظة تعتمد على الأنظمة العربية في حماية حدودها فهذه تقوم بالواجب مع شعوبها وتمنعها من المقاومة أو حتى التعبير عن غضبها واحتجاجها على ممارسات إسرائيل ضد الأرض والإنسان والمقدسات، لسبب بسيط هو انشغال هذه الأنظمة في تثبيت كراسيها لدرجة فرض قانون طوارئ لفترة تصل إلى نصف قرن.
ربما يكون للسلاح الروسي إس 300 تأثيرمؤقت إذا حصل عليه النظام السوري، في حال اتخذ قرار باستخدامه، ولكن أظن أن روسيا لن تسلمه لنظام غير مستقر أو على كف عفريت، فهي لم تسرع لتسليمه هذا السلاح عندما كان يبدو كل شيء هادئا، فما بالك الآن وهي لا تعرف مصير النظام، ولا تضمن اليد التي ممكن أن تصل الى هذه الصواريخ، ولهذا ليس من السهل أبدا أن تسلمها للنظام السوري.
علينا أن نعرف بأن بشار الأسد ليس أقرب من نتنياهو إلى بوتين، بوتين هو الآخر من الحريصين على تفوق إسرائيل العسكري على العرب، فهو أيضًا من النوع الذي يظن بأن على العرب دفع ثمن ما جرى لليهود في أوروبا إبان الحرب العالمية الثانية.
بوتين يدعم الأسد ونظامه ضد الشعب السوري فقط، وربما ضد نظام آخر في المنطقة ولكن ليس ضد إسرائيل! الغارات الإسرائيلية المتكررة بلا أي رد تثبت أن روسيا ليست حليفًا للأنظمة إلا ضد شعوبها، وفي جوهرها لا تختلف عن أمريكا.
التسلح العربي عمومًا بمليارات الدولارات ليس له ما يبرره، فهو يستنزف قدرات الشعوب العربية ويفقرها لصالح تجار السلاح والسماسرة المحليين والدوليين، ومعظم الدبابات والطائرات العربية تتحول إلى مصائد للموت وأهداف سهلة للأعداء، ولكنها والحق يقال تفلح في مواجهة شعوبها العزلاء أو شبه العزلاء.
ما ينقص لصد عدوانية إسرائيل ليس السلاح بل القرار السياسي، ولهذا لا بد من التخلص من هذه الآفة الخطيرة وهي الأنظمة التي رمت كرامة الأمة في مراحيض سجونها، ولم يبق لها هدف سوى مد عمر سلطتها، هذه الأنظمة القامعة لشعوبها لن تسترد أرضا محتلة ولن تحمي مقدسات ولا مقدرات ولن تحقق عدلا اجتماعيا، ومن يصدّق قصة فتح الحدود على الجولان للمقاومين فهو واهم، فالمقاومة كان ممكن أن تكون لو أرادها النظام منذ زمن بعيد ولكان الوضع مختلفا تمامًا ولما كانت إسرائيل تتجرأ على سن قانون بضم الجولان إليها، لا أقول فلسطين بل الجولان الأرض السورية المحتلة، هذا ينطبق على الأردن الذي خسر الضفة الغربية عام 1967 ثم جلس متفرجًا سوى ببيانات التعبير عن القلق من الآعتداءات المتكررة على المقدسات وتفريغ القدس من سكانها العرب، ومقولات ممكن لأي جسم يهودي إسرائيلي أقل تطرفًا أن يصدر أقوى منها! سوف تتفاقم إهانة الأمة ويزداد فقرها وتخلفها، وسوف نهبط من حضيض إلى حضيض طالما بقي أمثال هؤلا الحكام الذين لا يقيمون أي وزن لإنسانية مواطنيهم وكرامة شعوبهم.
من ينتظر صواريخ إس 300 أو أي نوع آخر من السلاح سوف يصاب بخيبة أمل، أما من ينتظر ويبني على حركة الشعوب العربية رغم أنهار الدماء المراقة على أيدي العصابات مغتصبة الحكم فلن يخيب أمله أبدًا.
من ينتظر هذه الصواريخ؟!
بقلم : سهيل كيوان ... 16.05.2013