لا شك أن تحوّل فنان على درجة عالية من الرقة والحس المرهف إلى ما صار عليه الفنان ـ المغدور بالأصولية- فضل شاكر يسبّب صدمة لدى محبي الفن عمومًا ومحبي أغاني هذا الفنان الرومانسية بشكل خاص. إعتدنا سماع أخبار الفنانين، سمعنا عن تقوى بعضهم وتبرعاتهم للمحتاجين، وكنا نستغرب ونشعر بارتياح لأداء بعضهم فريضة الحج أو سُنّة العمرة خصوصًا إذا كانوا يمثلون أدوار الشر أو الخلاعة، أو إذا كن فنانات وراقصات مكشوفات عادة.
لا بأس أن يكون الفنان مؤمنًا بفنّه ومؤمنا بالله واليوم الآخر والنبيين ويؤدي واجباته الدينية بدون إعلام أو شوشرة، تعبيرًا عن إيمان داخلي خالص لوجه الله تعالى، حتى إذا تحوّل الفنان إلى الورع والتقوى واختار حياة أخرى بعيدا عن الأضواء فهذا شأنه الخاص وقناعته التي يجب احترامها مع أنه خسارة للفن.
بعضهم جمع بين الحسنيين الفن والإيمان فقرر تمثيل الأدوار الدينية فقط، خصوصًا مع تقدمه في السن وفقدانه لدور فتى الشاشة، أو اختيار الغناء الديني فقط، وهذا يندرج في سياق تاريخي اجتماعي سياسي عام وليس صدفة، ولا شك أننا كنا نفرح عند سماعنا عن فنان عالمي مبدع اعتنق الإسلام وصار يغني أغاني تحمل مضامين إيمانية مثل(كات ستيفنز) الذي حوّل اسمه الى (يوسف إسلام) وصارت أغانيه اللطيفة وذات القيمة الفنية العالية بصوته الرخيم مثالا للفن الدعوي الراقي ،خصوصًا أنه أقرن فنّه وإسلامه بسلوكه، حيث تفرغ لمساعدة المحتاجين والفقراء في بعض المناطق المنكوبة من العالم.
أما أن يتحول الفنان إلى متطرف وأصولي لا يعنيه من الحياة الدنيا سوى التوغل أكثر فأكثر في التطرف والتحريض ومحاربة الفن الذي أصبح من وجهة نظره الجديدة فتنة كان يعيشها هو نفسه لسنين طويلة حتى الأمس القريب، فهذا يطرح السؤال بقوة، ما الذي جعل فنانا ناجحًا يتحول إلى الأصولية وينضوي تحت سيطرة شيخ متشدد!
في البداية اعتقدنا أن ما حدث لفضل شاكر هو أمر عابر سوف يشفى منه عما قريب، ظننا أن البداية ستكون متطرفة كما يحدث عادة عند الإنتقال من معسكر فكري وروحي إلى نقيضه ولكنه سوف يعتدل بعدما يعود إلى توازنه النفسي، ولكن ما حدث هو انهيار كارثي للرجل بكل معنى الكلمة، بل هي فاجعة عندما يعرب فضل شاكر بصوته المسجل عن فرحته بقتل جنديين لبنانيين وجرح أربعة،لا أريد الخوض هنا في من هو المذنب، ولا بتدخل حزب الله المدان والمرفوض، والذي يحمل نفسًا طائفيًا بغيضًا وانحيازًا للطاغية، ولكن منظر هذا الفنان الذي كان مرهفًا في يوم ما وهو يعبر عن سعادته بسقوط قتلى بدون أدنى مشاعر، طرح سؤالا قويًا وهو ما الذي يمكن أن يفعله التعصب الديني بالإنسان، وإلى أي مكان ممكن أن يوصله! ومهما كانت الأسباب فإن التفاخر بالموت بهذا الشكل المريع يثير تساؤلا عميقا، إلى أين وكيف يمكن أن نصل بمثل هذا الفكر!وإذا كان لدينا مئات الآلاف مثل فضل شاكر فكيف سيكون حالنا؟
طبعا قفز كثيرون على المشهد كي يكيلوا التهم للمعارضة السورية والجيش الحر والإمعان باتهام الثورة السورية خصوصًا والثورات العربية عمومًا بأنها ليست ثورات شعوب، في محاولة بائسة لإختزال الربيع العربي بالحركات الأصولية ومشاهد القتل هنا وهناك، بالضبط كما تفعل الدعاية الصهيونية التي تركز على حادثة بعينها يقع ضحيتها صهيوني واحد لتصوّر وحشية العرب، متجاهلة الأعداد الهائلة من ضحايا آلتها العسكرية الذين قتلتهم على طريقة الصواريخ الذكية الحلال والقذائف الملتزمة بحرية الفرد.هي مناسبة أخرى لخلط الأوراق، علما أن الأصولية ما كانت لتظهر بهذا الشكل المتطرف الدموي إلا في بيئة حاضنة لها وفّرها قمع الدكتاتوريات العربية وطاغوتها للحرية، والإحتلال الإسرائيلي والأمريكي وقهر الشعوب، هو عفن ينتج عفنا بشكل طردي، كلما كان الظلم أكثر عفنًا كان رد الفعل أكثر عفونة.
هذا على الجبهة الشمالية، أما جنوبًا، فقد عُقدت آمال سياسية على فوز محمد عساف أكثر مما يستوعب الحدث نفسه، صحيح أنه أشغل الناس كثيرًا، وصحيح أن شعب فلسطين جمع كل إحباطاته عبر عقود ليصنع منها طبقا من الفرحة اليتيمة،هي فرحة الفقراء على كل حال، قلوبنا هتفت ورقصت خصوصًا مع أدائه الرائع للأغاني الكبيرة لعمالقة الطرب، كذلك أعدنا مرارًا على اليوتيوب مشاهدة تقييم لجنة التحكيم، ولكن هذا لا يعني التفكير باستثمار هذا النجاح الفني للتغطية على العودة إلى التفاوض بدون شروط، لا بل مع شروط إسرائيلية تشترط عدم وضع أية شروط مسبقة للعودة إلى تفاوض عبثي.
العهر الإسرائيلي أبى إلا أن يتدخل، فقام رئيس بلدية تل ابيب-يافا بتهنئة محمد عساف، وحظي محبوب العرب بتغطية إعلامية إسرائيلية واسعة لا تخفى أهدافها الخبيثة وخصوصًا عندما تدخل الناطق باسم ‘الرصاص المصبوب’ أفيحاي أدرعي بتهنئة أهون منها قذائف الفوسفور، و’وقوفه’ إلى جانب الفن والحياة في مواجهة الأصولية التي تحارب الفن، وذلك في استغلال مفضوح وخلط للأوراق أثار سخرية شعوب المنطقة.
المؤتمر الصحافي الذي أقيم لمحمد عساف على معبر رفح عند عودته الى الوطن والذي أحاط خلاله بضعة رجال أشاوس بمحبوب العرب،راحوا يوشوشونه أمام الكاميرات ويملون عليه بصوت مسموع ماذا يتحدث وماذا يقول، في محاولة شفافة لتجيير الفوز لأجندة جماعة أبو مازن على حساب فئة حماس، ولكن عساف كان فلسطينيا حقيقيا، فشدد على مطلب الوحدة مرات ومرات،وعاد وأكد أن فوزه أتى بفضل الله ورضى الوالدين وشعبه الصامد في مواجهة الإحتلال وخصوصًا أبناء المخيمات، وليس بدعم أي جهة رسمية أو تعتبر نفسها رسمية.
تسييس الفن بين فضل شاكر ومحمد عساف…!!
بقلم : سهيل كيوان ... 27.06.2013