أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
خسارات حماس!!
بقلم : رشاد أبو شاور ... 14.08.2013

هذا العنوان لا يعبّر عن شماتة البتة، ولكنه يشير إلى خسارات حقيقية لحقت بحركة حماس بيدها قبل أيدي الآخرين، الذين حتما يوجد بينهم من لا يرجو لها الخير، ويضمر لها الشر، ويتمنى لها خسارات كثيرة تؤدي في النهاية إلى اضمحلالها واندثارها.
نحن لم نكن ممن تمنوا لها الخسارات، بل إننا وقفنا معها، ودعمناها ليس انطلاقا من (إسلاميتها)، ولكن لأنها حركة مقاومة، اختارت الكفاح المسلح، ومضت على طريقه، فحققت شعبية فلسطينية، وعربية، وإسلامية.
لم نتوقف عند خطابها الإسلامي، فما يجمعنا بها، هو نفس ما يجمعنا بحركة الجهاد الإسلامي التي حافظت على نهج المقاومة، وهو ما سبق ونالت فتح وغيرها من فصائل الثورة الفلسطينية بفضله تقديرنا واحترامنا: المقاومة المسلحة، ورفض الحلول الاستسلامية، فكل حل ينتقص من عروبة فلسطين هو حل تصفوي، تنازلي، تفريطي، استسلامي.
أول خطأ شكل خسارة إستراتيجية لحركة حماس، كان بسبب مشاركتها في انتخابات المجلس التشريعي، لأنه جاء تحت سقف أوسلو، وحماس التي فازت في تلك الانتخابات وقعت في سوء التقدير عندما ظنت أن من منحوها أصواتهم فعلوا ذلك انحيازا لخياراتها كيفما كانت، وأنهم يوافقونها على تغيير نهجها المقاوم إلى نهج مساوم!.
قدمت حماس نفسها على إنها البديل لحركة فتح، وأنها أكثر شعبية، بدليل نتائج الانتخابات، وكان شيخها أحمد ياسين عرض جاهزية حركته لتوقيع هدنة تمتد لخمسة عشر عاما مع الكيان الصهيوني!
تكرس الخطأ- الخسارة الفادحة، فيما بعد بانقلاب حماس في غزة، وهيمنتها بقوة السلاح والبطش على القطاع، وتصفية حضور السلطة ممثلة بحركة فتح، وحرمان الفصائل من الحضور الفاعل، فهي انفردت بالسلطة المهينة المستبدة على القطاع، ومارست كل ما هو سيىء، بل وأسوأ مما كانت تنتقده من ممارسات أجهزة السلطة!
ثاني خطأ فادح مارسته: أنها صدعت لأوامر القيادة العالمية للإخوان المسلمين، وتساوقت مع مخططاتهم في الهيمنة على ثورات (الربيع العربي)، والقفز عليها بعد تونس ومصر، وتفجّر أعمال العنف في سورية، وتدفق كل أنواع المسلحين، سواء من إخوان، أو القاعدة ممثلة بجبهة النصرة ومشتقاتها، وتوقع سقوط نظام الحكم في سورية سريعا، مما يسهل تواصل المشروع الإخواني مع تركيا، واكتساح الأردن في الطريق بسهولة، وهو ما يعني انبثاق الدولة الإسلامية، دولة الإخوان الممتدة من تونس إلى مصر إلى سورية مرورا بالأردن_ ولا ننسى ليبيا المهيأة_ تواصلا مع تركيا.. وهكذا ستعود دولة ( الخلافة) وعاصمتها ( إستنبول)!
انسحبت حماس من سورية بحجة انحيازها للشعب السوري، وأدارت ظهرها لحزب الله وإيران بادعاء الاختلاف معهما حول سورية، ووضعت كل بيضها في خدمة حكم الإخوان في مصر، ولخدمة مخطط الإخوان!
لم تفتح حكومة الرئيس مرسي الإخوانية معبر رفح بالكامل، ولا سهلت حرية مرور الفلسطينيين ذهابا وإيابا من وإلى مصر، بل أمعنت حكومة الإخوان في تدمير الأنفاق التي كانت تعيش عليها غزة، والتي كانت تؤمن لها كل احتياجاتها من علبة الحليب إلى السيارة، وما حقق انتعاش تجارة أصحاب الأنفاق وأغلبيتهم الساحقة من إخوان غزة ( حماس)، بحيث صار يشار لهم بسخرية: مليونيرات الأنفاق..وهم بلحى يركبون سيارات فاخرة، وعندهم أرصدة بأصفار حصيلتها مليونية!
سقط الإخوان في مصر، ووجهت لحماس اتهامات بأنها تدخلت في الشأن المصري، وإنها تهرب السلاح لسيناء، وإنها أرسلت مقاتلين لحماية مرسي والإخوان…
استدعى هذا حملة على حماس طالت الشعب الفلسطيني، والحق أن من شنها غالبا هم من بقايا نظام مبارك، ومن الساداتيين، ومن الإقليميين المصريين المعادين للعروبة، وفلسطين الشعب والقضية…
للأسف، فإن حماس تورطت في الشأن المصري انطلاقا من إنها التنظيم الإخواني في قطاع غزة، وبهذا فهي تتبع سياسات ونهج ومخططات القيادة العالمية الإخوانية.
لم تنأ حماس بنفسها عما تمارسه قيادة الإخوان العالمية انطلاقا من خصوصيتها الفلسطينية، سواء ما يمارسه الإخوان في مصر، ودورهم في سورية، ولعبت دورا سلبيا في مخيمات سورية، ولا سيما في مخيم اليرموك، ناهيك عن مهاجمة معسكرات تدريب تابعة لبعض الفصائل، ولا سيما للقيادة العامة، وهي معسكرات دربت عناصر حماس من قبل، ورفعت من قدراتهم وخبراتهم.
حاليا تبدو حماس مأزومة، فهي ورطت نفسها بالهيمنة على قطاع غزة، واحتياجات سكان القطاع وهي كبيرة، وها هي تعاني من العزلة، والحملة الاتهامية التي تشنها أوساط الإعلام المصرية، وعلاقاتها فاترة مع إيران التي كانت تدعم موازنة سلطة حماس المهيمنة على القطاع بمئات الملايين من الدولارات سنويا، وبعشرات الملايين لحماس نفسها شهريا، ناهيك عن علاقاتها التي تراجعت كثيرا مع حزب الله، إضافة إلى تحولها إلى احد العوائق التي أضعفت ( الحالة) الفلسطينية لا نبرئ سلطة رام الله !- ووضعتها في موقع العجز في الصراع مع الكيان الصهيوني الذي ينهب الأرض الفلسطينية، ويهود القدس، ويواصل اعتقال ألوف الفلسطينيين، ويدمر الاقتصاد الفلسطيني.
ماذا أمام حماس لتفعله، فيخرجها من مأزقها القاتل؟
انطلاقا من الحرص على كل فصيل وطني فلسطيني، فإنني أرى ما يلي: أن تسعى حماس بجدية لتشكيل قيادة وطنية من كافة الفصائل لقيادة قطاع غزة، مهمة هذه القيادة إدارة أوضاع القطاع، وإنهاء حقبة وزارة حماس وحكومتها، وطرح قضايا القطاع الحياتية، والسعي لحلها، فحماس بهذا ستتخفف من أعباء معيشة مليون ونصف المليون فلسطيني، وستخرج نفسها من المأزق الذي تورطت فيه مع مصر وشعبها بسبب التبعية للقيادة الدولية للإخوان، وستتمكن من العودة لدورها الذي انطلقت وتأسست من اجله كحركة مقاومة، وليس كحركة منافسة على التنازلات للعدو للقبول بها طرفا مفاوضا بديلاً لسلطة أوسلو!
سيكون بمقدور حماس أن تسهم في تقوية الوضع الفلسطيني، وتصليبه، بناء على موقف نقدي للسنوات السالفة من التمزق، والصراع العبثي، والرهان على التسوية والمفاوضات التي ترعاها أمريكا المنحازة صهيونيا، والوقوف في وجه التآمر الرسمي العربي الهادف لتصفية القضية الفلسطينية، والذي اشتد وتصاعد في زمن ثورات (الربيع العربي) المسروقة!.
هل فات الوقت على حماس للخروج من مأزقها الضار بها، وبالقضية الفلسطينية؟!
إذا ما أخرجت حماس نفسها من التبعية لقيادة الإخوان الدولية، وانطلقت من مصلحة فلسطين القضية والشعب، فإنها ستتمكن من تجاوز مأزقها، بمساعدة أخوة ورفاق السلاح الذين لا مصلحة لهم في إغلاق الأبواب في وجه حماس المقاومة التي تنافس في الميدان، وليس على الوزارة، وطاولة المفاوضات.

1