هبّ الشعب المصري في 30 حزيران من جديد، لاستكمال ثوريته، وتصحيح مسارها، ودخل الجيش على الخط، فكان عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي، وتعطيل الدستور الذي كتب من وراء ظهر شعب مصر، وبدأت الاعتصامات والاعتصامات المضادة من التحرير إلى رابعة العدوية، فكان الارتطام الدامي.
في هذا الصراع انحازت السعودية إلى خيارات مصر، وبدا وكأنها تتناقض مع الموقف الأمريكي، ودعمت السلطة الجديدة، والحكومة المؤقتة، والرئيس المؤقت، والإجراءات العسكرية، سياسيا وماليا، وتعهدت بالمزيد من التعويض المالي عن أي مبالغ تحجب عن مصر، ولا سيما المساعدة الأمريكية!
الموقف الإماراتي لم يثر أسئلة، لأن الإمارات تخوض منذ فترة معركة مع الإخوان، وتصريحات الفريق ضاحي الخلفان قائد شرطة دبي المتلاحقة ضدهم، والإجراءات الأمنية، والاعتقالات لبعض الإخوان، كشفت عن موقف تصادمي إماراتي من الإخوان، انطلاقا من إنهم يتدخلون في الشأن الإماراتي، ويتهددون أمن الإمارات.
ما بدا محيرا هو الانحياز السعودي ضد الإخوان، وللحكم الذي اقتلعهم وجلس مكانهم، وهو ما يطرح أسئلة كثيرة بهدف الوصول إلى ما تنطوي عليه سياسة السعودية التي لا يمكن أن تبذل المليارات وبهذا السخاء حبا بالحكم الجديد الذي جاء بناء على حراك الجماهير المصرية لاستعادة ثورتها بعد أن قفز عليها الإخوان، مثلاً: هل السعودية مع استكمال ثورة 25 يناير، حتى الوصول إلى سلطة ثورية تلبي المطالب التي رفعتها الملايين الثائرة؟ هل السعودية مع نظام حكم ينهي كامب ديفد، ويتخذ مواقف تستفز أميركا، حتى الوصول للقطيعة معها، أي العودة إلى الحقبة الناصرية؟ هل السعودية مع دستور ثوري تقدمي يؤسس للدولة المدنية المصرية العادلة تجاه كل مواطنيها؟ هل السعودية مع نظام حكم مصري جديد يؤسس لتحالف مع كل القوى الثورية والتقدمية العربية شعبية، ورسمية؟! هل السعودية مع نظام حكم ثوري يجدد شعارات الستينات، وما أدراك ما الستينات، خاصة وأعداء مصر والعرب لم يتغيّروا، ولم يغيروا؟! وبسؤال جامع:هل السعودية مع استكمال الثورة المصرية، والذهاب بها إلى الانتصار المؤزر، بحيث تستعيد حضورها، ودورها، وتنهض سياسيا، واقتصاديا، وتتبوّأ موقع القيادة للأمة العربية، والحامي والمطالب بكل حقوقها ولا سيما في فلسطين، والعودة للمناداة بالوحدة العربية، وبترول العرب للعرب؟!
أسئلة كثيرة، ولكن الإجابة عليها ليست مستعصية، فالأجوبة متضمنة في الأسئلة التي يمكن الإجابة عليها بكلمة واحدة متكررة: لا، فالسعودية لا يمكن أن تكون مع الثورة، مطلق ثورة، بل هي بحكم مصالحها، وتكوينها، وارتباطاتها مع أميركا، وقفت دائما ضد أي ثورة في أي مكان من العالم، ولا سيما في الوطن العربي، وكلنا نعرف ما فعلته ضد انحياز مصر الناصرية لثورة السلال في اليمن، حيث جلبت المرتزقة من كل أنحاء العالم لوأد تلك الثورة التي تفجرت تحت خاصرتها، وأسقطت حكم الإمام أحمد حميد الدين المتخلّف، والذي عرفنا عنه حكايات لا يمكن للعقل أن يصدقها، ومنها أن الإمام كان يأمر بغلق أبواب صنعاء ويضع المفاتيح كلها عنده، ثم يعاد فتح الأبواب في الصباح، وكان يرتهن عنده أبناء رؤساء العشائر حتى لا ينقلبوا عليه، وحكايات عجيبة غير عقلانية ارتهنت مصير اليمن، ووضعـــته خارج العصر..ذلكم هو نظام الحكم الذي قاتلت السعودية بضراوة دفاعا عنه، وجلبت المرتزقة من كل أنحاء العالم ووضعتهم في وجه الجيش المصري المنحاز لحرية شعب عربي مظلوم.
لذلك نسأل: ماذا تريد السعودية أن تشتري بتلك المليارات التي قدمتها بكل كرم ظاهري لمصر، ما دام أن الهدف ليس دعم مسار ثورة شعب مصر؟!
لا شك أن السعودية تريد كسب مصر لتشكل معها محورا يواجه محور إيران،سورية،حزب الله، وللوصول إلى هذا الهدف فلا بد من أن يكون نظام الحكم في مصر قليل الطموحات، محتاجا للدعم المالي، فبهذا تبدو السياسة السعودية بريئة من النوايا المسيئة لشعب مصر، فهي تقدم المليارات لتنقذ البلد من الإفلاس، ومن الحاجة للمساعدات الخارجية، وتحديدا الأمريكية..فهل هناك من يزاود على السعودية( الشقيقة) المحبة لمصر والمتيمة بشعبها؟!
هناك في مصر من بلع الطعم ببراءة، وهناك من يروّج للسياسة السعودية بدهاء، انطلاقا من مصالح تتناقض مع مصلحة الشعب المصري في التأسيس لحكم ثوري يجب حكم مبارك والإخوان، وما تركاه على حياة الشعب المصري من آثار سلبية متفاقمة.
السعودية وبعد أن تسلمت الملف السوري من قطر، تضع كل قدراتها، وأموالها (للانتصار) في سورية، ولذا بدأت تدعم أشد الحركات المسلحة وتزمتا، يفتضح هذا في تحالفاتها مع القوى الفاعلة على الأرض، دون الاهتمام بنوعية الحكم القادم، فهي كأميركا، والكيان الصهيوني، تهدف إلى تدمير سورية، وإخراجها من التحالف مع إيران، بحيث تسهل محاصرة إيران، ويتم عزل حزب الله.
هنا لا بد من طرح سؤال كاشف: لماذا إذا تتناقض السياسة السعودية والتركية؟! (هما الآن متفقتان على شن الحرب على سورية بحجة استعمال الكيماوي، فتركيا تعلن بلسان أوغلو بأنها جاهزة للمشاركة في الحرب على سورية دون الرجوع للأمم المتحدة!)
تركيا أردوغان مفجوعة بما حدث في مصر، وهي انحازت منذ اللحظة الأولى ضد خلع الرئيس مرسي، وطالبت بموقف من الجامعة العربية، ودعت لاجتماع لمجلس الأمن لاتخاذ موقف من ما سمته ( بمذبحة) الديمقراطية في مصر، وما زالت تواصل شن حملتها العدائية على ما جرى في مصر، بل وتهاجم الفريق السيسي شخصيا، وتتهم الجيش المصري بأنه انقلب على الشرعية!
تركيا أردوغان وحزب العدالة والتنمية تواصل فتح حدودها مع سورية لكل أنواع التنظيمات الأصولية، وللقاعدة، والنصرة، وتسهل تسليحها جميعا، وتعمل بضراوة على إسقاط نظام الحكم في سورية، وحتى الدولة السورية…
تركيا مع مصر الإخوان المسلمين وضد النظام في سورية، والسعودية مع النظام الجديد في مصر وضد الإخوان المسلمين، وتشن على سورية أعنف حرب سياسي، وتسليحيا، وتمويليا، وأوسع دعم للتنظيمات الأصولية التي تقف الآن داعمة للإخوان في مصر، وتقاتل الجيش المصري في سيناء..يا للمفارقة!
للسعودية هدف، ولتركيا هدف، وقد تباين الهدفان، وافترقا، وهما يتصادمان سياسيا، فتركيا عولت على حكم الإخوان في مصر، ورأت دنو لحظة قيام أنظمة حكم إسلامية تمتد من تونس إلى مصر إلى ليبيا فسورية، وفي الطريق الأردن، مع عدم نسيان اليمن جار السعودية الذي للإخوان فيه سطوة، وكل هذا سيعني تتويج تركيا ( قائدة) لنظم حكم إخوانية، وستكون المرجعية، وهو ما سينعكس عليها اقتصاديا، وحضورا سياسيا عالميا.
المحور التركي الإسلامي متصادم بالضرورة مع السعودية، لأنه سيسحب من تحت أقدامها البساط، وينهي حقبة ادعائها بأنها المرجعية( للأمة الإسلامية)، بحكم وجود الأماكن المقدسة في مكة والمدينة، وموسم الحج المتكرر سنويا في تلك الديار.
السعودية في الجوهر ضد الثورة في مصر، ومع إفراغ أي نظام حكم من ثوريته، وهذه سياستها دائما، منذ حاربت جمال عبد الناصر حتى يومنا هذا وإلى أن ينتهي الحكم العائلي الوراثي، وتنتقل تلك البلاد إلى حكم ديمقراطي عادل يوظف الثروات الهائلة للشعب الفقير المحروم من( صناديق الاقتراع)ن وحرية الأحزاب، وحق المرأة حتى في قيادة السيارة!.
ولعلنا نختم بتساؤل: هل حقق شعب مصر عملية تصحيح مسار ثورته في الـ30 من حزيران، أم إن ثورته مهددة بخطر حرفها بسبب المال السياسي السعودي؟!
سياسة وأموال سعودية!!
بقلم : رشاد أبوشاور ... 28.08.2013