في مؤتمره الصحفي الذي عقده في أعقاب مؤتمر دول العشرين، مرر الرئيس الروسي بوتين كلاما برر به الكوريون الشماليون تمسكهم بالأسلحة النووية: عندما سألنا الكوريين الشماليين عن سبب تشبثهم بالسلاح النووي، وعدم التخلي عنه، ردّوا علينا: في اليوم التالي لتخلينا عن سلاحنا ( سيهاجموننا)!
من الذين سيهاجمونهم؟
إنها أمريكا التي ستجر بعض الأتباع لزوم ( الشرعية) و( الإجماع) الدولي، فتنازل كوريا الشمالية عن برنامجها النووي، ومن بعد الصواريخ بعيدة المدى، لن يحميها من العدوان، فالأخلاق الحميدة، والجنوح للسلم، في عالم تتحكم به أميركا، لا يحمي طيبي النوايا السذّج الذين لا يدركون أنهم يعيشون في ( غابة) القوي يأكل فيها الضعيف.
بناء على ما تقدم أضاف الرئيس الروسي بوتين سؤالاً هاما: كيف ستطمئن الدول الصغيرة على أمنها؟!
كان الرئيس الروسي يطرح سؤالاً على كل دول العالم، وأولها الدول الكبرى المسلحة نوويا، وبالصواريخ العابرة للقارات، وهو بسؤاله هذا وجه الأنظار إلى ضرورة إيجاد نظام عالمي جديد يضمن حماية وطمأنة الدول الصغيرة العاجزة عن الحصول على أسلحة تحمي بها سيادتها وسلامة شعوبها.
الرئيس بوتين طرح المشكلة التي تهم العالم كله، وهو يعرف أن من يعيق التوجه لحلها هي أميركا أولاً، والغرب الاستعماري ثانيا، وبالنسبة لنا نحن العرب المؤمنين بالمقاومة: الكيان الصهيوني المتسلح بكافة أنواع أسلحة الدمار الشامل، النووي، البيولوجي، والذخائر المنضبة، وأسلحة غير معروفة، لا تهدد العرب وحدهم، استخدم بعضها في العدوان على غزّة، ونقلته كاميرات الفضائيات مباشرة وهو ينتشر غيوما بيضاء وفسفورية في سماء القطاع!
لقد تنازل العراق عن برامجه التسليحية، وأباح للمفتشين الدخول إلى كل المواقع التي طلبوا( زيارتها)، وبلغ بهم الأمر أن يقتحموا القصور الرئاسية، والجامعات، والمستشفيات، وحتى المساجد،فماذا كانت النتيجة؟!
شُنت الحرب التدميرية على العراق بحجج كاذبة وقحة، بعد حملة إعلامية في كل وسائط الإعلام الأمريكي ـ الغربي (الديمقراطية) التي قصفت عقول البشر في العالم، وجعلت من الرئيس صدام حسين هتلر العصر، ومن (أسلحته) التي تكشّف أنها مجرّد فبركات أخطر ما يتهدد أمن ومستقبل البشرية، وانتهت الحرب الاجتياحية بتدمير العراق، وحل جيشه، وإعدام رئيسه، وتفكيك دولته، و(الهيمنة) على نفطه، وإغراقه في اقتتال داخلي، وحرب تفجيرات ما زالت تحصد أرواح أهل العراق الذين أفشى الاحتلال بينهم أحقادا طائفية لم يعهدوها إلاّ في زمن (ديمقراطية) بوش الابن، وبرعاية من كانوا يسمون بالمعارضة، وهم من (أدخلهم) المارينز للعراق (المحرر)، وتم تنصيبهم ليبنوا بلدا حرا ديمقراطيا..فانظروا أين آلت أحوال العراق!
لو كان العراق مسلحا حقا بالنووي، والكيماوي، والبيولوجي..هل كان يسهل اجتياحه؟!
الضعفاء لا مكان لهم في (عالم) دول الاستعمار القديم المفترسة، والدولة الإمبريالية الفاجرة الكذب بصفاقة لا تليق بدولة مسكينة يحكمها دكتاتور مبتدئ. ألم تكذب إدارة بوش الابن رئيسا، ووزير دفاع، وهيئة أركان، والسي آي إيه، والفضائيات الأكثر شهرة عالميا، والصحافة التي تتباهى بديمقراطيتها ومصداقيتها ودقتها، والجنرال كولن باول الذي بعد تدمير العراق اعتذر عن كذبه الذي سوّغ تدمير بلاد الرافدين؟!
مع بدء فشل المخطط الذي يستهدف سورية، واندحار المجموعات المسلحة في الغوطة أمام ضربات الجيش العربي السوري، وهي بأغلبيتها الساحقة تنتمي لجبهة النصرة، وفشل الهجوم الاستراتيجي لاقتحام مدينة دمشق، لم تجد إدارة أوباما بُدا من التدخل بنفسها لتعديل موازين القوة بين الدولة السورية والمعارضات المسلحة، فكانت فبركة (عملية) ما يسمّى بجريمة (الكيماوي) في الغوطة، لكيل التهم للدولة السورية، هذه التهم التي وصفها الرئيس بوتين ب(الهراء)، ووجه التهمة باستخدام الكيماوي للمسلحين من جبهة النصرة.
في الخمسينات دشن وزير خارجية أميركا جون فوستر دلس مبدأ في السياسة الدولية هو(حافة الهاوية)، بهدف الابتزاز للاتحاد السوفييتي، هذه السياسة التي ما زالت أمريكية بامتياز، فها هو أوباما الذي منح جائزة نوبل للسلام يأخذ العالم هو وإدارته إلى حافة الهاوية: إمّا أن تخضعوا لما نريد، وإلاّ فالهاوية تنتظر!
العالم إذا سقط في الهاوية فسيسقط (كله) فيها، وعقلية المقامرة التي تلعبها إدارة أوباما خطرة على البشرية كلها، فأميركا ليست القوة الوحيدة، وأسلحة الدمار الشامل ليست بحوزتها وحدها، وحكرا عليها، ولذا فسياسة الابتزاز لا يمكن أن تقبل بها دول وبلاد عريقة قوية كروسيا، والصين، والهند، والبرازيل، ودور أوربية ملّت من عربدة أمريكا وجرجرتها خلفها في حروب لا مصلحة لها فيها.
حافة الهاوية وتّرت كل دول العالم، وتضع مصير البشرية على الحافة، وربما هذا ما دفع روسيا إلى البحث عن مخرج لأوباما من المأزق الذي وضع نفسه وأمريكا فيه، فكان التحرك الدراماتيكي المفاجئ إلى حد ما، والذي يستبق (تصويت) غرفتي الكونغرس على ذهاب إدارة أوباما للحرب.
فجأة أعلن يوم الأحد عن زيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم إلى موسكو، وفي اليوم التالي، وفي لقاء صحفي قصير أعلن الوزير السوري ترحيب سورية وقبولها بالاقتراح الروسي بوضع الأسلحة السورية الكيماوية تحت رقابة هيئة دولية، وأعلن الروس أن هذا الاقتراح اقتراحهم، وليس تلبية لطلب من أي جهة.
قبل ساعات كان وزير الخارجية الأمريكي كيري ، في مؤتمر صحفي جمعه مع زميله البريطاني (هيغ) في لندن قد وجه إنذارا: على الأسد أن يتخلص من أسلحة الدمار الشامل قبل مضي أُسبوع إذا كان يريد تجنب (الضربة).
المقترح الروسي الذي تلقفته سورية يساعد أوباما على النزول عن الشجرة، فهل ستتجنب سورية الحرب الأمريكية العدوانية بضمان روسي؟ وهل ستتوقف المطالب الأمريكية لسورية عند حدود التخلّص من الأسلحة الكيماوية، ويُعتبر أوباما أن سياسته قد نجحت دون حرب؟!
هل سيعقب هذا الإعلان السوري (تنفيس) طبول الحرب، وبدء التوجه إلى جنيف 2؟!
ترى، في حال تفادي الحرب، ماذا سيكون رد فعل السعودية التي تسلمت الملف السوري من قطر، على اعتبار أنها ممثلة بالأمير بندر أكثر دراية وبراعة في تحقيق الهدف؟!
وماذا سيكون وقع ابتعاد نذر الحرب على المجموعات المسلحة والمعارضين الذين تهيأوا متلمظين بلهفة أن يبدأ سقوط صواريخ الكروز على دمشق؟!
الرئيس بوتين ساق مبررات كوريا الشمالية للتشبث بسلاحها النووي لحماية نفسها، فهل طمأن حليفه السوري بوجود البوارج الروسية في البحر، وفي ميناء طرطوس، ناهيك عن تواجد ألوف الخبراء الروس، والأسلحة الروسية الفعالة التي زودت بها روسيا حليفتها سوريا؟!
هذه أسئلة كبيرة الجواب عليها تحمله الأيام القليلة القادمة.
يبقى أن الانفراج في هذه الأزمة يذكّر بأزمة الصورايخ السوفييتية في كوبا، في زمن كندي وخروتشوف، والتي وضعت العالم آنذاك على حافة الحرب، ثمّ انتهت باتفاق يحفظ ماء الوجه للجميع، برفع الصورايخ، وضمان أمن كوبا، والتعهد بعدم العدوان عليها..وكوبا مازالت صامدة على مقربة من أميركا آمنة ومطمئنة!
هل ينزل أوباما عن الشجرة ويبتعد شبح الحرب؟!
بقلم : رشاد أبو شاور ... 11.09.2013