أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
استئصال الإخوان في مصر..!!
بقلم : سهيل كيوان  ... 10.10.2013

ما حدث ويحدث في مصر ليس مؤسفًا فقط، بل هو جريمة واضحة المعالم، ويقول بشكل واضح إن الجنرال السيسي قرر حكم شعب مصر بالحديد والنار والدم، لأنه لا يمكن تسمية ما حدث ويحدث عملية تصحيح لمسار الثورة، بل هي عملية استئصال للإخوان المسلمين،هي عملية اغتصاب للسلطة وسرقتها من يد أعرق الأحزاب المصرية، بغض النظر كان أكثرها اتساعًا وشعبية أم لا،ومن هنا تأتي فداحة الجريمة، وهي تشبه إلى حد بعيد محاولة استئصال حزب البعث في العراق بعد انهيار النظام الصدّامي، أو التفكير باستئصال البعث في سورية في حال انهيار نظام الأسد، ومن هنا نرتجف خوفًا من النتائج المأساوية التي قد نصلها نتيجة هذا التفكير الأهوج.
يتساءل أي فرد منا كيف يمكن تحويل حزب وصل السلطة من خلال صندوق الاقتراع قبل عام ونيف فقط إلى حركة إرهابية!
كيف نصدق بعد عام من مليونيات مؤيدي الإخوان بأن ما حدث ويحدث ليس انقلابا وقمعًا لملايين الناس؟ كيف نصدق بينما يتم الزج بقيادات الإخوان في السجون ومطاردة الآلاف من شبانهم، ومنع أنصارهم من التظاهر السلمي، وعندما يصرون على التظاهر يتم قمعهم بوحشية كأنما هم أعداء مصر.
من حقنا أن نسأل أين اختفت الملايين التي أيّدت الإخوان والدكتور مرسي،هل تلاشوا أم تبخّروا! هل طرأ تحوّل فكري سريع عليهم فغيروا موقفهم وفكرهم! هل حلّ جمعيات الإخوان وتنظيمهم بالعنف والهمجية سيريح مصر من عواقب ردات الفعل وهل سيجلب لها الاستقرار.
لا شك أن ملايين المصريين يشعرون بالغبن والظلم ،ويحملون في صدورهم مرارة فظيعة، بل أنها تعشش الآن في قلوب ملايين أخرى من غير الإخوان في مصر وخارج مصر.
ليس لأجل الدكتاتورية العسكرية ثار شعب مصر،والحجة بأن الشعب فوّض الجيش هي باطلة، فالشعب لم يفوض أحدًا باعتقال مرسي، ولا حل جمعية الإخوان وإخراجها عن القانون، ولم يطلب إعلان الحرب الإعلامية والافتراءات عليهم لدرجة شيطنتهم، ولم يطلب حبس قياداتهم، وقتل أبنائهم المعتصمين في رابعة ثم تجريف جثثهم بالجرافات العسكرية بدون أدنى مشاعر إنسانية.
الحس الإنساني لا يقبل إهانة الإنسان بهذا الشكل المستفز، بغض النظر عن ما يؤمن به هذا أو ذاك، ولا يمكن التصرف مع الإخوان حتى لو كانوا أقلية بهذه الوحشية وبهذا المنطق الأعوج، ولنفرض أنهم يمثلون خمس عشرة بالمئة من الشعب،فهذه النسبة تشكل رقمًا هائلا في دولة بحجم مصر، رغم أنه من المؤكد أنهم يمثلون أكثر من هذا النسبة بكثير.
إن شطب الإخوان ثم تبرير شطبهم بتلفيق تهم الإرهاب والقتل والتحريض على قياداتهم عمل ليس حكيما، وقد تكون له تبعات أليمة على مصر ومن ثم على الأمة العربية، وليس من الإنصاف محاولة ربط الجماعات المسلحة الإرهابية في سيناء بحركة الإخوان المسلمين من جهة وبحركة حماس في غزة من جهة أخرى، بإيحاءات مضللة للناس من خلال الإعلام المصري الرسمي أوغير الرسمي الفاقد لمصداقيته أصلا، والذي اتخذ الكذب وسيلة مشروعة لتحقيق أهدافه منذ مبارك ثم قفزا إلى السيسي.
شخصيًا لا أؤمن بالفكر الإخواني، وأؤيد فصل الدين عن الدولة، ولكن هذا يحتاج إلى عمل وجهد كثيف طويل ومعقد، ولا يعني خنق الفكر الآخر وقمعه بقوة السلاح،بل مقارعة الحجة بالحجة، وترك صندوق الاقتراع ليكون الفيصل بين هذا وذاك. الإخوان كما يعرف الجميع اتخذوا من النشاط السلمي وسيلة لهم في علمهم السياسي، وهذا حق مشروع تكفله الأنظمة الديمقراطية، وهم بدورهم يدركون جيدًا أن السلطات تحاول جرّهم إلى مواجهات عنيفة كي يكون قمعهم أسهل أمام شعبهم والعالم، تمامًا كما يفعل أي نظام دكتاتوري يخشى من الحركات السلمية المناوئة فيستفزها كي تتحرك بعنف ليبرر الرد عليها بقوته الهائلة.
ما يحدث في مصر يوحي بأن العربي لا يستطيع العيش في ظل نظام ديمقراطي، وأن الدكتاتورية شر لا بد منه، يوحي بأن العرب لم ولن يبلغوا سن الرشد بعد، رغم أن مصر أم الدنيا عمرها آلاف السنين،وهذا ظلم آخر للعرب يرتكبه هؤلاء الحكام. فهل الديمقراطية والحرية هي تلك التي تفرز ما نحب ونرضى وإلا يجب تحطيمها!
الديمقراطية وجدت بالأساس كي تنصف الأقلية وتحميها من ظلم أو بطش الأكثرية،ولتمنحها حرية التعبير والكفاح للوصول الى السلطة لتداولها بالطرق السلمية، والإخوان لم يصلوا السلطة بقوة السلاح، العكس هو الصحيح ،والذي وصل السلطة بقوة السلاح هم حكام مصر الحاليين.
هل يمكن استئصال الإخوان وفكرهم في دولة يتغلغل الدين الإسلامي والمسيحي فيها حتى النخاع، لا أظن ذلك، ومن يشطب حركة بحجم الإخوان في مصر يغامر باستقرار أكبر دولة عربية، أم أنه لم يعد يهمهم الثمن الذي قد تدفعه مصر والأمة العربية جراء تصرفهم هذا!
ربما ارتكب الإخوان ورئيسهم أخطاء، وقد يكون بعضها فاحشًا، ولكن ما حدث لا يمكن أن نسميه إصلاحًا، بل هي جريمة مع سبق الإصرار والترصّد،والأدهى أنها جريمة تركتب باسم حماية الديمقراطية والقيم الإنسانية ومصر وكأنما الإخوان جاؤوا من المريخ….

1