كيري توسّل عبّاس أن يوصل سلاماً حاراً إلى السيسي، وعباس انبسط جدا لأنه مرسال كيري للسيسي دون غيره، وما أن دخل مصر آمناً حتى وقف بين يديّ السيسي وأقرأه السلام الحار من كيري، فتهلل وجه السيسي وتفاءل خيراً، وما لبث السيد عباس أن بدأ بمدح السيسي وتعظيمه ووصفه بمنقذ مصر والأمة، وعلى ذمة عباس فإن ما حدث ويقصد الانقلاب، كان إلهاماً إلهياً، وقال إنه لم يعرف خطورة حماس إلا عندما قام السيسي بـ’ثورته’ على مرسي المتخابر مع العدو الفلسطيني في غزة، وهنا تظهر طيبة قلب عباس الذي لم يكن يعرف خطورة حماس قبل الانقلاب.
وحسب قول عباس فقد سبق وشكا للدكتور محمد مرسي عندما كان رئيسا قبل الوحي الإلهي، بأن حماس تخطط للاستيطان في سيناء ومرسي قال له ‘دول ييجو كام..؟ فقال عباس ‘مليون ونصف’ فرد مرسي..’ده احنا ناخدهم عندنا بشبرا’..ملمّحاً بهذا إلى أن مرسي لم يعترض على فكرة احتلال أرض مصر وحتى القاهرة…
هكذا ضرب السيسي ثلاثة عصافير بعباس واحد، أمريكا المتوسّلة لتصافحه بحرارة وحماس ومرسي خائن مصر، ولولا الوحي الإلهي لتركت حماس قطاع غزة وأخذت الفلسطينيين إلى تيه سيناء بدلا من النضال لأجل تحرير بلدهم.
وكان قد جاء في بيان الرئاسة الفلسطينية أن هدف زيارة عباس هو إطلاع القيادة المصرية على آخر تطورات عملية السلام والأهم ‘مساعي المصالحة بين فتح وحماس′.
من هنا نفهم تحريض عباس على حماس، فهذه طريقة معروفة في مقاهي القرى الفلسطينية، إذا أردت مصالحة أحد ما أو حتى صداقته فما عليك سوى أن تتحـــــرش به وتسمعه كلاماً بذيئا ثم تشتبك معه بالأيدي والأرجل وحتى بالسلاح الأبيض فيتدخل الأوادم وتنشأ أجواء مناسبة للمصالحة ثم لصداقة أبدية لأنها أتت بعد صراع، ويبـــدو أن هذا قصد عباس الطيب من تحريضه، وفعلا فقد نجحت الخطة ورد نائب رئيس كتلة حماس البرلمانية إسماعيل الأشقر بأنه متأكد أن عباس شريك لإسرائيل في اغتيال عرفات ويجب القبض عليه ومحاكمته، هكذا تكون الظروف قد نضجت لتدخل الوجهاء والأوادم والمصالحة.
هناك من يقول إن عباس ينسق مع الاحتلال وهذه فرية واضحة، فالاحتلال لا ينسّق مع عباس شيئاً، هو ينفذ اتفاقات، وعلى رجاله أن يقوموا بمنع الفلسطينيين من النضال أو التحريض على الاحتلال، وعليهم تسهيل مهام قوات الاحتلال الخاصة في العثور على المقاومين واعتقالهم أو حتى قتلهم، وعباس الطيب يقوم بدوره البطولي بتقديم العزاء لأسر الشهداء بدون تنسيق أمني، فيجد نفسه متورطا بتهمة دعم الإرهاب حسب سفير إسرائيل في الأمم المتحدة، كما حدث بعد تقديمه العزاء لأسرة الشهيد محمد عاصي.
إذاً اتهام حماس ومرسي بالخيانة لفلسطين ومصر من جهة، ومن جهة ثانية المضي في عملية سلمية واسعة النطاق لا تتوقف لساعة، فالاستيطان وقلع الأشجار وحرقها وهدم بيوت القدس العربية وقتل الفلسطينيين مستمر وعلى قدم وساق.
ربما يصدق كثير من المصريين مسرحية عباس والسيسي عن نية حماس احتلال سيناء وخصوصاً أن كثيرين منهم يصدقون أن عباس رئيس بالفعل لدولة اسمها فلسطين، فهؤلاء يتعرضون لإعلام أين منه إعصار (حيّان) الفلبيني، ولكن هذا المسرح العبّاسي لا يتقبله الفلسطينيون الذين يعرفون الحقائق على الأرض، ويميزون جيداً بين إدارة حماس التي قد تكون سيئة بالفعل وقد لا يروق نهجها للكثيرين منهم وبين إدارة تنسّق أمنياً مع المحتل الغاصب.
لم ألتق ولم أهاتف ولم أكاتب فلسطينياً واحداً من أي بقعة من بقاع الأرض يقول إن المفاوضــــات الحالية قد تــــأتي بنتيــــجة ما، حتى موظفو السلطة الفلسطينية نفسها يشتمون السلطة ويلعنون الحضيض الذي وصلته ويدركون أنه في الواقع لاتوجد عملية تفاوضـــية، وقد انحسرت حتى باتت مقتصرة على ضمان رواتب موظفي السلطـــــة الذين لم يبــــق لهم عبـــاس الطيب خياراً سوى البطالة أو استمرار مسرحية المفاوضات.
هنالك قسم من الناس في القطاع يحمّلون حماس مسؤولية أوضاعهم المزرية،لا أعرف نســــبتهم،وخصوصاً بعد هدم الأنفاق دون توفير بدائل، الأمر الذي يعني تشديد الحصار المصري الإسرائيلي الخانق، فقد غابت سلع حيوية كثيرة وحتى طبية وارتفعت أسعارها، حتى الــــــبرتقال الذي كان يستورد من مصر عبر الأنفاق اخــــتفى، لأنه لم يبق في القطاع أراض زراعية، ورغم هذا يفهم الفلسطينيون أن هناك فرقــــا شاسعاً بين سوء إدارة أو سياسة حماس وبين تنسيق أمني مع عدو لئيم.
من ناحية أخرى تناقلت بعض وسائل الإعلام أن تسيبي ليفني وزيرة القضاء الإسرائيلية ومسؤولة ملف المفاوضات التي تتفاخر بأنها بطلة ‘جهاد النكاح العبري’ قد سبق ونكحت عددا من المسؤولين الفلسطينيين.
أعتقد أن الأمر غير صحيح أبداً، لو قيل إنها فعلت هذا مع مقاومين حقيقيين فأنقذت أمن إسرائيل لصدقناها واعترفنا لها بقدراتها الإغرائية وبـ’جهادها’ الحلال حسب فتوى كبير الحاخامات.
طيبة عباس وخيانة حماس ومرسي…!!
بقلم : سهيل كيوان ... 14.11.2013