من المشروع تقديم السؤال التالي والذي يتطلب إجابة من الإيرانيين الذين فاوضوا الغرب ووقعوا على اتفاق معه حول الملف النووي: أين كانت فلسطين في أجندة المفاوضات ونتيجتها، خاصة وأن الخطاب الإيراني «المقاوم والممانع» اعتمد مناصرة فلسطين والفلسطينيين ومعاداة إسرائيل في تعبئته الدعائية؟ إذا كانت فلسطين «قضية المسلمين الأولى»، فلماذا لم تبرز في جدول أعمال المفاوضات مع القوى الكبرى؟ لماذا لم تضع طهران شرط الحد الأدنى من تطبيق الشرعية الدولية في القضية الفلسطينية، وتربط تنازلاتها في الملف النووي ببروز سياسة غربية جديدة إزاء فلسطين؟ ولماذا ينزوي خطاب المقاومة والممانعة عندما يجد الجد مع الغرب، الداعم الرئيس لإسرائيل، ولا نرى على طاولة التفاوض إلا المصالح الإيرانية القومية البحتة؟ كيف نوائم بين خطاب المقاومة والممانعة الذي توجهه طهران للجماهير، والخطاب البراجماتي القائم على المصلحة القومية الإيرانية؟
من ناحية سياسية بحتة نفهم تركيز طهران على مصالحها ومحاولة تعظيم ما يمكن أن تحققه في المفاوضات مع الغرب. وربما لم يكن لأحد أن يطلب منها غير ذلك لولا أنها تتشدق بخطاب «المقاومة» الذي ضلل البعض في المنطقة ثم لا يلبث أن يتبخر عندما تأتي لحظة اختبار جدية.
من حق كثيرين أن يسألوا أنصار إيران وخطابها حول المقاومة والممانعة عن موقف البلد القائد وشطبه القضية الفلسطينية من الأجندة التفاوضية؟ ولماذا تتبخر هذه القضية في الممارسة السياسية الإيرانية عند اللحظات الحاسمة، ثم نراها تشتعل من جديد عندما يكون الظرف محملاً بالمزايدة اللفظية؟ لماذا لا يظهر هذا الخطاب إلا في سوريا ولمناصرة نظام الأسد ضد شعبه؟ وما هو نوع «المقاومة والممانعة» الذي تجسد هناك سوى الوقوف ضد حرية الشعب السوري، ثم تسليم السلاح الاستراتيجي الكيماوي للغرب، والاستسلام الكامل للضربات الإسرائيلية المتلاحقة؟ من حق كثيرين القول الآن إن خرافة المقاومة والممانعة في الخطاب الإيراني لم تكن يوماً سوى توظيف سمج لقضية تحظى بتعاطف الملايين. وأن وطأة تلك القضية تجعل البعض يواصلون إعطاء الفرصة تلو الأخرى لكل من يتشدق بها!
مرة أخرى تتبدى السياسة الإيرانية في جوهرها الحقيقي، وكونها مُقادة ببوصلة المصلحة القومية الإيرانية لا أكثر ولا أقل. وأحد جوانب هذه المصلحة القومية هو الدفاع عن مصالح إيران وتكريس النفوذ الإيراني في المنطقة. وهنا لا يمكن الاعتراض على الجزء الأول من هذا، وهو الدفاع عن المصالح الحيوية لإيران لأن ذلك ما يجب أن تقوم به كل دولة، لكن الاعتراض على سياسة إيران الراهنة في المنطقة يأتي من زاويتين: الأولى وهي أن هاجس تكريس الدور والنفوذ يُترجم تدخلاً في دول الجوار العربي وتجييش الشيعة العرب وفق تقسيمة طائفية مرفوضة. والزاوية الثانية هي امتطاء خطاب المقاومة والممانعة وتصدر جبهة العنتريات اللفظية فيما يتعلق بفلسطين وما ينتج عن ذلك من عسكرة وانقسامات. فمن لبنان و«حزب الله» إلى فلسطين حيث «حماس» و«الجهاد»، وليس انتهاء باليمن والحوثيين... عملت إيران على تعميق الخلافات الداخلية وخلق تيارات تابعة لها تحت شعار المقاومة. ومن جوانب الكوميديا السوداء أن بعض الناطقين باسم الحركة الحوثية يضمن دعم المقاومة في فلسطين ومواجهة إسرائيل في تصريحاته هنا وهناك!
وتحت شعار المقاومة، شغلت إيران ماكينتها الدعائية وأنشأت «جيش القدس» الذي لم يطلق رصاصة واحدة لتحرير القدس، بل شهدناه ينشط ويقاتل في الجوار العربي. لماذا تتدخل طهران في الشأن العراقي مستخدمة اسم «القدس»؟ ولماذا تنشط في قتل السوريين وتقف مع نظام مُستبد تحت وباسم «القدس»؟ ثم عندما تجلس مع القوى الكبرى في العالم وتبرم معها صفقة تترك القدس وأهلها خارج قاعة المفاوضات وترتد إلى مصلحتها الصرفة؟ قد يُقال هنا إن إيران لا تُلام على ذلك لأنها، وكأية دولة في العالم، تحاول استخدام كل ما تستطيع من أوراق لتعظيم مصالحها القومية، وبحسب ما تراه مناسباً زماناً ومكاناً. إن اللوم وإصبع الاتهام ينبغي أن يتجها إلى أولئك الذين لا زالوا يركضون خلف إيران ويرددون خطابها حول المقاومة وفلسطين. على هؤلاء أن يتدبروا القراءات الإسرائيلية التي تتوافق ومنذ سنوات طويلة على أن إيران لا تفكر في خوض أي معركة مع إسرائيل، وأن ذلك آخر همها. وإن العين الإيرانية متجهة للجوار العربي أولاً وأخيراً. وإن كل مزايدات اليمين الإسرائيلي هدفها رفع سقف المفاوضات، وهي تعكس الهوس بإبقاء إسرائيل الدولة الأولى في المنطقة من ناحية النفوذ والسيطرة، وليس خوفاً من توجه الصواريخ النووية الإيرانية إلى تل أبيب لأن ذلك ليس وارداً في الأجندة الإيرانية، كما أن فلسطين كلها ليست واردة في تلك الأجندة كما رأينا سابقاً وكما نرى اليوم.
أين فلسطين في الاتفاق الإيراني الغربي؟
بقلم : د.خالد الحروب ... 25.11.2013