كما عوّدتْكم وعودتْ نفسَها على الدلال والمطالب التي لا تنتهي، ها هي تطالب بتعويضات لمن أسمتهم ‘اللاجئون اليهود’الذين تركوا الدول العربية وجاؤوا إلى فلسطين مهاجرين أو نازحين أو لاجئين أو مستوطنين، وتقُدر إسرائيل أموال هؤلاء المساكين الذين تركوها وراءهم في الدول العربية ب 300 مليار دولار!
هؤلاء المهاجرون المساكين محاصرون الآن في عدد من المخيمات داخل فلسطين، أكبر مخيماتهم ملتصق بتل أبيب وله مدخل واحد، وفي الآونة الأخيرة تحاصره قوات الجيش العبري الإسرائيلي وشبيحتها، وفقط بعد مفاوضات مضنية سمحت بإدخال بضع مئات من السلال الغذائية إليه، بعدما قضى العشرات من الأطفال والمسنين جوعًا بسبب الحصار المستمر لمخيم (اليركون) شمال تل ابيب، لا تذهبوا بخيالكم بعيدًا فنتنياهو ووزيره يعالون لن يرميا عليهم البراميل المتفجرة ولا حتى براميل الخيار المكبوس.
هناك (مخيمات) لليهود اللاجئين في حيفا وعكا وصفد وطبريا والرملة واللد والطيرة،وبئر السبع، والجليل، والجيش العبري الإسرائيلي لا يسمح لهم بالنضال من أجل العودة إلى بلادهم وبيوتهم ومتاجرهم وصناعاتهم الخفيفة في دول الجوار، لم يسمح ولا بطلق نار واحد بهدف التحرير والعودة إلى ديارهم، فنضالهم محصور بين النهر والبحر،أرض الميعاد فقط لا غير.
هؤلاء المساكين يحق لهم تعويضات لأنهم اضطروا للسكن في بيوت العرب التي هجرها أهلها عام 1948، ليس سهلا أبدًا أن تسكن وتطبخ وتنام في مكان أسرة كانت تطبخ وتأكل وتنام في المكان نفسه، وأن تحدّق أنت وزوجتك إلى السقف نفسه الذي كان يحدق فيه زوجٌ وزوجة من قبلك من الفلسطينيين.
كان الله وأمريكا وأوروبا وبعض الأنظمة العربية بعونهم، تخيّل المعاناة بأن تعيش بين جدران بيت تعرف أن صاحبه الذي بناه أو دفع ثمنه بعرق سني عمره ينام في غرفة خانقة في مخيم، وتنقله الأقدار وعبث الساسة من حصار إلى حصار ومن مجزرة إلى أخرى ومن غربة إلى غربة أبعد، حتى صار بعضهم يجد بثلج السويد وألاسكا دفئًا أكثر من وطن العرب الكبير.
ليس سهلا أن تستولي على أرض غيرك بمئات وآلاف وملايين الدونمات، ثم تكون عضوًا في تعاونية( كيبوتس أو موشاب) أقيمت على أرض حرمت على أصحابها، اليهود المساكين الذين أتوا من بلاد العرب اضطروا للسكن في بيوت العرب وفلاحة أرضهم واستمتعوا بها وقطفوا أشجار وخيرات حوالي 380 قرية وبلدة مُسح معظمها عن وجه الأرض.
أما الفلسطينيون الذين بقوا في داخل فلسطين وتحت حكم إسرائيل فهم مواطنو الدرجة العليا، بكل ما تعنيه اللطمة أو اللكمة أو الكلمة، معظم قضاياهم لا بد وأن تصل إلى محكمة العدل العليا لتبت فيها، شراء بيت أو قطعة أرض في منطقة (يهودية)، حتى قضايا تعليمهم وحقهم في الوظائف بل حقهم في قبر محترم يصل إلى العليا،ولهذا استحقوا بجدارة لقب (مواطنو الدرجة العليا).
قبل أسابيع رحل خالي وهو واحد من هؤلاء الذين انطبق عليه قانون ‘الحاضر الغائب’، خالي كان حاضرًا وغائبًا هو وأمي وأختهما، بينما تشظت بقية العائلة في كل أرجاء المعمورة والمقصوفة.
كان والده أي جدي يملك أراضي زراعية ووعرية وبيتا في قريته،كان يملك حتى أوراق توفير في البنك العربي،ذهبت بنفسي إلى البنك العربي في رام الله قبل سنوات قليلة لصرفها،وليتني لم أذهب، فقد دفعوا فيها قيمتها يوم أودعت بدون أي فائدة أو ربح، طبعًا رفضت واحتفظت بها للذكرى.
حُرم خالي من أرضه كلها، واضطر للعمل سنين كثيرة وتشرد داخل فلسطين من مكان إلى مكان حتى عاد إلى مسقط رأسه، ولكن ليس لأملاكه، لا أحد من سكان القرية التي نجت من الهدم يملك شيئًا، كل ما فوقها وما تحتها وما يحيط بها ملك الحكومة، ومثل آخرين اشترى من الحكومة قطعة أرض من بلده المصادرة، بنى عليها بيته وبهذه الحالة يعتبر هو وأمثاله من المحظوظين، لأن الحكومة ودائرة أراضيها لا تبيع للعرب، في الواقع هو لم يكن بيعًا وشراءً، بل كان استئجارًا لمدة 99 عامًا، لأن الحكومة صهيونية ولا تبيع للعرب، وهذا يعني أنها تعمل على يهودية(وصهينة) الدولة منذ قديم الزمان.
هنا قرى كاملة في كل المناطق يعيش أهلها على بعد مئات الأمتار منها فقدوا مليكتهم فيها، لأنهم لحظة احتلالها لم يرفعوا أصابعهم مثل طلاب المدارس ليقولوا (نعم أنا موجود) خشية أن يصبحوا موجودين تحت التراب.
المثير للدهشة أن اليهود اللاجئين في فلسطين لا يقيمون كل عام مسيرة يسمونها(مسيرة العودة)كما يفعل الفلسطينيون داخل وطنهم مطالبين بالعودة إلى قراهم المهجرة،(على فكرة هذا العام ستكون في لوبية التي كانت مساحتها أربعين ألف دونم وأقيمت على أرضها خمس مستوطنات)، لم نسمع أيًا من اللاجئين اليهود يطالب بحق العودة، حسنًا لنكن واقعيين!العودة إلى أين؟ إلى أنظمة تعامل شعوبها كالحشرات والجرذان والجراثيم!
ولهذا ليس غريبًا عندما يفتح العربي أو (اللاجئ اليهودي) شدقه محتجًا على عنصرية حكومات إسرائيل تجاه العربي أولا وثانيًا وثالثا ثم رابعًا ضد أصحاب الأصول الشرقية، حتى يقولوا له، إذهب إلى إخوانك العرب! هل أنت مشتاق للبراميل المتفجرة أم للجلد في ساحة عامة أم قطع الرؤوس والمفخخات أم تريد نظامًا يرفع جثث المعتصمين بالجرافات.
أما عن يهودية الدولة فقد يأتي يوم تمنع فيه النساء الفلسطينيات من الحبل والإنجاب لأكثر من ثلاثة أنفار أو اثنين أو حتى واحد على طريقة الصين حفظًا ل(صينية أو صهيونية) الدولة، وليس من المستبعد تسجيل عقوبات ضد عربي هفت نفسُه على مولود رابع أو ثالث، خصوصًا وأن الواقي وحبوب منع الحمل وعمليات سد مواسير المبيضات ستكون مجانية ومدعومة من الدول المانحة أو الدول المانعة للحمل، وسيحظى العربي بجائزة (مشروع الحياة والتعايش الكبير) إذا وافق على قطع ذكره.
هناك طبخة كبيرة كريهة الرائحة على النار.
كل شيء جائز ومشروع ما دمت تملك القوة لتنفيذه ؟هل تخيل أحد منكم قبل عامين فقط أن تصبح حركة حماس قادرة على تحطيم الجيش المصري العظيم خلال ثلاث ساعات فقط (أقوال هنية حسب زعم وسائل إعلامية مصرية)!
حتى الإمرأة التي يفترض أن تُمنع من قيادة السيارة هدّدت عباس′إذا لم تعترف بيهودية إسرائيل فسوف تندم’، بينما غازلها الأمير تركي الفيصل بقوله ‘الآن فهمت لماذا يرسلونك إلى هنا’ (لتعلم قيادة السيارة يا صاحب السمو)..وردّت على غزله بغزل وغنج أين منه غزل ابنة (غير المستكفي بالتوسع والاستيطان) ‘ليتك تستطيع الجلوس إلى جانبي يا صاحبة السمو’!
يبدو أن هناك من (يدوّر الزوايا)، ويعد العدة لتوقيع اتفاق الإطار الذي يقترحه كيري، وعلى الفلسطينيين أن يستعدوا لسماع تبريرات السيد عباس غير المقنعة لتوقيعه هذا الإتفاق..
غزل الأمير تركي الفيصل بابنة (غير المستكفي)!!
بقلم : سهيل كيوان ... 06.02.2014