قبله قُتل كثيرون، وبعده سيقتل كثيرون، ولن يتوقف قتل الفلسطينيين إلاّ إذا…
لن يعاقب القتلة، لأنهم قتلة محصنون بأفكار عنصرية استعلائية تبيح لهم قتل الفلسطينيين بخاصة، والعرب بعامة، وهذه الأفكار العنصرية شكّلت (ثقافة) ووعي أفراد المجتمع اللقيط، وبررت ممارسات عسكرييه، ومستوطنيه، وسياسييه، وأحزابه، ورجال (دين) ينفخون ليل نهار أفكارهم العنصرية الإبادية دون أي شعور بالحرج!
القوّة، ولا شيء غير القوة، هي ما (يفهمه) العرب..هكذا يقررون أسلوب التعامل معنا نحن العرب، ولا عجب، فالضعيف، والمستضعف، يغوي هؤلاء الوحوش بافتراسه.
العربي الجيّد هو العربي الميّت، هذا هو حكمهم المبرم علينا جميعا من المحيط إلى الخليج، ولا عجب ما دامت الأمة نائمة، ويقودها من همهم تنويمها!
حتى تعيش آمنا مطمئنا لا بد أن تكون متفوقا، وشرط تفوقك امتشاقك السلاح حتى وأنت في سريرك، لأنك في خطر نائما، ومستيقظا،
لماذا؟! لأن الفلسطيني لن يكف عن مقاتلتك لاستيلائك على أرضه، وطرده منها..أرضه التي (وعدك) يهوه بها، والتي عدت إليها بعد (غياب) 2000 عام، احتفظت خلالها (بنقاء) دمك، وعرقك، رغم أنك اختلطت بالأوربيين، وعشت بينهم، ومعهم، وتزاوجت معهم، ورغم أنك خليط من سود وشقر وبيض..فإن دمك أزرق!
هكذا يفكرون، فلا غرابة أن يكون القتل نابعا من (فلسفة) تبيح لهم قتلك أيها العربي الفلسطيني، والعربي القريب، أو البعيد، عن جغرافية فلسطين.
قبله قتل كثيرون، وبعده سيقتل كثيرون..بدم بارد، وبدون حرج، ولن يحاكم القاتل، لأنه دائما (في حالة دفاع عن النفس، حتى وهو مدجج بسلاحه، بينما العربي الفلسطيني بيدين فارغتين، إلاّ من حجر أحيانا!)
يوم الخميس 27 شباط الماضي اغتيل علنا، بصاروخ مزق جسده، وأحرق بيتا في بلدة بيرزيت، الفلسطيني معتز وشحة، بتهمة أنه أطلق رصاصات على موقع ( بيل بوكس) قرب رام الله!
أصدروا الحكم، ونفذوا، فهم القاضي والجلاّد، والتنفيذ بصاروخ (لاو) أحرق منزلاً احتمى فيه معتز، بعد أن حاصرته وحدة (مستعربين)!
هذه (دولة) لا شبيه لها في العالم، حتى جنوب أفريقيا في زمن العنصريين البيض لم تبلغ هذا المستوى من الوحشية، رغم انحطاطها العنصري.
هذه تبرر قتل الأغيار (الآخرين)، والقتل في صلب (ثقافتها) بكافة أفرادها، ولذا فالمطالبة بمحاكمة ومحاسبة (جنود) الاحتلال، والحديث عن إفراط في اللجوء للعنف، دليل على الجهل بالعنصرية الجمعية، وعقدة التفوق، وكراهية العرب الفلسطينيين، وأي عربي يقاوم.
أذكركم: طالب الغزاة الصهاينة عام 1982 بترحيل (المرابطون) عن بيروت، مع الفلسطينيين، على السفن، بعيدا عن بيروت مدينتهم، والسبب أنهم (قاوموا) ـ لم يكونوا وحدهم في الحقيقة ـ فبنظرهم: كل من يقاومهم هو فلسطيني!
هم يذكروننا بما ينساه كثيرون منّا، واأسفاه!
لماذا قتل العسكري الصهيوني القاضي الفلسطيني الأردني رائد علاء الدين زعيتر؟ لسبب يبدو غائبا عن بالنا: لقد تصرف بكرامة تليق بالإنسان.
هل تتخيلون معاملة الصهاينة للفلسطينيين، وما يتعرضون له من إهانة، وإرهاب، وسفالة عنصرية، ووقاحة استفزازية، منذ لحظة دخولهم إلى الجانب الآخر من جسر (الكرامة)؟
يتم إنزال المسافرين، ووضعتهم في طوق من جنود شاكي السلاح، يصوبون فوهات بنادقهم بجاهزية لإطلاق الرصاص!
بعدئذ يشار للمسافرين أن يصعدوا إلى الحافلة، بعد تفتيشها، والتدقيق في وثائق السفر، وحين وصول الحافلة إلى (الجوازات) يؤمر المسافرون بخلع نعالهم، وساعاتهم، وأحزمتهم، تحت أنظار مجندات وعساكر يتعمدون الاستفزاز والسخرية.
النساء يفتشن من (مجندات) صهيونيات سافلات يستمتعن ويتلذذن بإهانة أجساد أمهاتنا، وأخواتنا، وبناتنا…
معبر (الإهانة) وليس معبر (الكرامة) هذا هو واقع الحال!
ماذا جرى مع القاضي الفلسطيني الأردني رائد علاء الدين زعيتر، ابن مدينة نابلس والعائلة العريقة التي أنجبت شيخ المترجمين العرب (عادل زعيتر)، وشقيقه أحد أبرز رجالات النضال الوطني الفلسطيني في النصف الأول من القرن العشرين (أكرم زعيتر)، وقريبه المثقف وائل زعيتر الذي اغتيل في روما عقابا له على حضوره ونشاطه؟
في موقف الحافلة، بعد عبور الجسر، وعند صعوده تمهل وهو يصعد بسبب الزحام الذي يتسبب به إلحاح الجنود، وما يشيعونه من رعب.
ليست المرّة الأولى التي يتنقل فيها القاضي الشهيد بين الأردن وفلسطين، ولذا فهو يعرف سلوكيات الجنود، وهو الأعزل لا يمكن أن يلجأ لاستفزازهم، وهم على حالتهم المعروفة لكل من يتنقل بين الضفتين.
هل طلب من الجندي أن لا يصرخ عليه، وأن لا يشتمه؟ بالتأكيد، وعندئذ، والجندي يرى القاضي يلتفت صوبه وهو يصعد الدرجة الأولى من الحافلة أطلق رصاصته الأولى، ولم يكتف بل أطلق عليه رصاصتين بعد سقوطه بجوار الحافلة!
قُتل القاضي زعيتر عمدا، وبدم بارد، وشهد الجنود القتلة مع زميلهم القاتل بأنه تعرض للخطر!!
وادعى ناطق صهيوني باسم جيش الاحتلال أن (الكاميرا) كانت معطلة أثناء الحادث!!
الكاميرا التقطت حقيقة ما جرى، وسجلت الجريمة، وأدانت العسكري الصهيوني وزملاءه، وعقلية الاحتلال، وأخلاقياته، وعنصريته، وانحطاط سلوك (جيشه) أفرادا، ومجموعات.
ألم يقتل جنود هذا (الجيش) أفرادا من الجيش المصري في سيناء، ويدفنونهم في رمالها أحياء، بعد (استسلامهم)؟!
ألم تحكم محكمة جريمة كفر قاسم عام 1956 على (اللواء) شدمي، قائد الوحدة التي نفذت الإعدام ب 48 مواطنا من أهالي كفر قاسم، وهم يعودون إلى قريتهم في اليوم الأول لنشوب الحرب العدوانية الثلاثية على مصر: بقرش واحد؟! نعم: بقرش واحد فقط، وهذا هو ثمن دم الضحايا الفلسطينيين من أهالي كفر قاسم!
اعتذر الكيان الصهيوني للأردن، وطويت الجريمة!
لكن القتلة لن يتوبوا عن القتل، فموسم صيد الفلسطينيين مفتوح، ودائم طيلة شهور العام، وكل الأعوام، منذ تأسس هذا الكيان اللقيط في العام 1948.
في نفس يوم اغتيال القاضي زعيتر اغتيل الفلسطيني فداء محيي على حاجز في طولكرم، وفي اليوم التالي اغتيل 3 فلسطينيين شرقي رفح..فالقتل يلاحق الفلسطيني حيثما وجد.
السؤال بلهجتنا الشعبية هو: وبعدين؟!
هذا العدو، وأفراد جيشه، ومستوطنوه ، لن يخافوا، ويرتدعوا إلاّ إذا..وفهمكم كفاية!
(محاسيم) أي حواجز العدو تقطع طرق الضفة الفلسطينية، وتمتهن كرامات الفلسطينيين، وهي آمنة مطمئنة منذ سنوات!
المستوطنون يبرطعون في الضفة، ويستحوذون على أراضينا، وهم قبل أوسلو كانوا حوالي مائة ألف، وبعد مسيرة سلام الشجعان بات عددهم يقارب ال600 ألف ينهبون الأرض والماء، ويخربون الحقول، ويعتدون على المواطنين الفلسطينيين.
وبعدين؟!
لا وصفة جاهزة لدي، ولكنني أرى كمواطن ينتمي لشعب مُجرّب، بأنه لا علاج، ولا شفاء، ولا تغيير للحال إلاّ بالمقاومة.. المقاومة بكافة أشكالها، وليست المفاوضات. هل هناك خيار آخر؟!
إنهم يقتلون الفلسطينيين!!
بقلم : رشاد أبو شاور ... 19.03.2014