في مصر تم تهديد الناخبين بأنّ من لا يصل إلى الصندوق سيغرّم بخمسمئة جنيه، وهذا دفع بأكثر من مليون إنسان إلى الإقتراع بصوت لاغ بعضهم كتب على الورقة!»أنا جيت عشان الغرامة بس»!
في سوريا الغرامة لن تكون خمسمئة ليرة ولا خمسة آلاف ليرة، لا توجد غرامة مالية في سوريا لمن يمتنع عن التصويت في هذه الظروف بالذات، فقط عليك أن تتحمل تبعة امتناعك عن التصويت، بكل بساطة سترافقك لطخة سوداء في كل تحركاتك وعملك ووظيفتك وحياتك اليومية، وفي نهاية المطاف قد تكلفك حياتك، عدم وصولك للتصويت سوف يجعلك محسوبًا بشكل تلقائي على صفوف الأعداء، وقد تتحول إلى خائن للوطن ومتآمر مع الإرهاب والصهيونية والإستعمار قديمه وحديثه ضد سوريا والأمة العربية ومصالحها ومستقبلها وحريتها ولا تستحق الرحمة أبدًا.
التدافع أمام الصناديق للتصويت خارج البلاد وداخلها هو شهادة على خوف الناس لدرجة الرعب، وليس على عشق كبير لممارسة انتخابات معروفة النتيجة منذ عقود، وذلك أنه لا يوجد نصف ولا ربع ولا حتى خُمس أو عُشر منافس لبشار الأسد، حتى من سُئلوا أمام الصناديق ردّوا على المذيع الذي يرتدي هو نفسه صورة لبشار الأسد قائلين» جئنا لننتخب السيد الرئيس بشار الأسد»! فما معنى هذا التدافع سوى القول « ها قد جئت ووصلت الصندوق وصوّتُّ وحلّوا عن ظهري وكفّوا شركم عني»! لأنه حيث تكون النتيجة معروفة بدون أدنى شك ولو بنسبة واحد بالمئة لا معنى للتدافع والظهور بمظهر المستميت للإدلاء بالصوت سوى أن تكون حزبيًا مع النظام تريد إظهار الإقبال على صناديق الإقتراع أو أنه الرعب من نتيجة عدم وصولك للصندوق.
لا شك أن كل مواطن دخل غرفة التصويت أراد التأكد أولا بأن اسمه قد شُطب من قائمة المصوتين كي لا يفاجأ بعد حين بتهمة عدم الوصول إلى مركز الإقتراع وهي تهمة توازي تهمة كشف أسرار أمنية حساسة في دول أخرى!
وإذا كنت في مِصر قادرًا على أن تكتب وتصرّح علنا وتكتب للسيسي «الشعب مش عايز يدّيك» أو تكتب على بطاقتك اللاغية أمام اسم السيسي «قاتل» وأمام اسم حمدين صباحي «كومبارس» وإلخ من التعليقات الساخرة التي تقول أن هناك هامشًا من حرية التعبير، فكتابة لافتة «مش رح أعطيك» لبشار أو»قاتل» ستؤدي بك إلى مصير مجهول.
هذا التدافع يكون حقيقيًا فقط عند وجود منافسة قوية بين مرشحين اثنين أو أكثر، حيث يوجود استقطاب حاد يدفعُ كلَ متمسكٍ برأيه ومرشحِه للقدوم إلى صندوق الإقتراع خشية ضياع مئات الأصوات التي قد تحسم المعركة الإنتخابية، أي أن هناك احتمالا للخسارة في حال عدم وصولك، أما التدافع مع المعرفة المؤكدة بأن أحد المرشحين سيفوز بـ 90٪ أو يزيد، وأن صوتك لا يُقدم ولا يؤخر، فهذا التدافع له أسبابه التي تتغلب على قضية الرئاسة نفسها.
عدم تصويت المهجّرين سيعرضهم لمساءلات عديدة، ولن يتوقف الأمر على غرامة مالية كما أعلنوها في مصر، بل سيؤدي إلى عداء إستراتيجي بين النظام وبين المواطن الذي لم يصل إلى صندوق الإقتراع. فيما مضى كان تهمة من لا يصل إلى استفتاءات بشار ووالده بأنه «إخوان»، الآن التهمة هي الخيانة بدون لف ولا دوران، وعدم القيام «بواجبك الدستوري» يضعك تحت رحمة نظام أثبت أنه لا يتورع عن ممارسة أبشع الجرائم ضد مناوئيه.
في هذه الجولة لا توجد حرية عدم الوصول للصندوق حتى ولو بحسن نية، مثلا بدعوى أنك واثق بأن بشار سيكون رئيسًا، أو لانشغالك بالدراسة،، هذه ليست حُجّة أبدًا، عدم وصولك يعني أنك غير مقتنع بأن ما يجري هو انتخابات، وأنك توافق مع الرأي القائل بأنها مهزلة، ولهذا فواجبك الوطني أن تشترك بالمسرحية الإنتخابية لتثبت أنك مقتنع وكي يرى العالم هذه القناعة من خلال هذا المشهد الطريف في تدافع الناس أمام مراكز الإقتراع بينما مواقع أخرى قريبة تقصف بالطيران وذلك لإنتخاب السيد الرئيس المنتخب سلفًا.
أضف إلى هذا أن الشعب السوري في كل أماكن تواجده خارج وداخل الوطن بات يشعر بإهمال وخيانة المجتمع الدولي والعربي له، وصارت لدى اللاجئين منهم مخاوف من أن يطول الأمر أكثر، وقسم كبير من الناس بات يبحث عن الخيار الأقل كارثية، فالمهمة الأولى الآن بالنسبة للكثيرين هي العودة إلى البيت (إذا وجدوه) والحفاظ على الجنسية والمواطنة وعدم تحمل أهوال تهمة «الخيانة» التي يوجهها ووجهها النظام لمعارضيه.
لا يوجد عاقل على وجه الكرة الأرضية يعتقد بإمكانية زحزحة بشار الأسد عن كرسي الحكم بواسطة الصندوق في هذه الظروف سوى مسؤول إيراني صرح بأن «هذه الإنتخابات هي الوسيلة النزيهة لتداول الحكم في سوريا».
ورغم هذا فملايين السوريين لم يشتركوا بالتصويت، رغم كل محاولات النظام والحزب الحاكم الظهور في حالة نشوة وزفة ديمقراطية.
وإذا كان النظام في مصر قد حاول رفع نسبة المشاركة بالتهديد والوعيد والإستغاثة عبر وسائل الإعلام واعترف ضمنًا بضآلة المشاركة وأضاف يومًا للإنتخابات وهناك شكوك بأنه تم تزييف نسبة المصوتين، ففي سوريا لن يكون هناك اعتراف بضآلة المشاركة في كل الحالات، إذا جاء الناخبون أهلا وسهلا، وإذا لم يجيئوا فنحن نملأ الصناديق، ومن لديه اعتراض فليتفضل، حتى أن أحد رؤساء الصناديق عندما سئل عن عدد أصحاب حق الإقتراع عنده قال «1500» صوت، وعندما سئل عن توقعه لعدد الذين سيشاركون في التصويت قال» 1500».
سيكتشف العالم أن البراميل كانت نوعًا من الرشوة للناخبين كي يهرعوا بملايينهم احتفاء بالبرميلوقراطية، أما مسك الختام في هذه المهزلة فهو أن الروس والإيرانيين شهدوا (وهُم أهلُه) بنزاهة هذه الإنتخابات وعدم وجود أي خروقات قانونية …طبعًا سوى غارة هنا وأخرى هناك وواحدا أشبعوه ضربًا ورفسًا ودعسًا في إحدى الساحات لأنهم شكوا بأنه لمّح لأحدهم بعدم التوجه للتصويت….
انتخابات برميلوقراطية في ظل الرعب…!!
بقلم : سهيل كيوان ... 05.06.2014