انتهى المونديال!
حمل الفائزون الكأس..واستقبلوا استقبال الأبطال في بلدهم: ألمانيا.
انتهى المونديال.عاد رفاق مسي إلى بلدهم الأرجنتين، فاستقبلوا استقبال الأبطال.
عانقتهم رئيستهم، وطيّبت خاطرهم.:لا باس .. المونديال القادم سترفعون اسم الأرجنتين ..والكأس، وستفوزون بالمركز الأول، وليس الثاني.
لم ينته مونديال غزة، فهو لا يمتد لشهر، لسنة، لعقد، حتى لقرن!.
في القرن الماضي، القرن العشرين، في العقد الثاني، اقتحمت جيوش بريطانيا فلسطين، من جهة غزّة، وفي القدس وقف الجنرال البريطاني اللنبي منتشيا بالنصر، هو الذي اختار أن يعبر نفس طريق جيوش صلاح الدين الأيوبي المنتصر على الصليبيين، وأعلن: ها قد عدنا يا صلاح الدين!
منذ ذلك اليوم بدأ الموت في فلسطين.
منذ ذلك اليوم، منذ دخول قوات بريطانيا، وجنرالها اللنبي بدأ الغزو الصهيوني، وبدأت مأساة فلسطين وشعبها.
لا ، لم ينته المونديال الفلسطيني، رغم أفول القرن العشرين، والألفية الثانية، وقدوم الألفية الثالثة.
مونديال فلسطين طويل، لاعبون يتغيرون، حكّام منحازون يهرمون ويتوارون، لاعبون يتجددون..والمونديال مستمر، والفلسطينيون يدافعون عن مرماهم، وأحيانا يُهاجمون.
ما هؤلاء الفلسطينيين! لماذا لا ينهزمون ويموتون تماما، ويريحوننا من هذا المونديال المرير الطويل بأشواطه التي لا تنتهي؟!
يقال هذا بلغات مختلفة، في إذاعات، وصحف، وتلفزيونات، و..وسائل تواصل اجتماعية حديثة.
يقال هذا بلهجات عربية، لهجات عربية مكسرة، كما لو أن الناطقين بها( خواجات) لفرط تشابه كلام مع كلام اليهود الصهاينة، وخلفيات كلامهم، ومرامي كلامهم!
الفلسطيني المُتعب لا يريح اللاعبين الذين انقطعت أنفاسهم، هو العنيد الذي لا ينهزم نهائيا، ولا ينتصر انتصارا حاسما، فكأنه خلق لتنغيص هناءة من اجتاحوا القدس وأعلنوا عودتهم يا صلاح الدين، وكأنه رغم أنه لم ينتصر بعد، يحرم من تدفقوا من البحر تحت أجنحة بريطانيا، بلكناتهم، ولغاتهم، وسحناتهم المتباينة، ليؤسسوا دولة حلم بها منظرهم هيرتزل ..من الطمأنينة، والتنعم بالدولة اللقيطة.
كل أسلحة يهوه، أمريكية، بريطانية، فرنسية، ألمانية..لم تخرج الفلسطيني من المونديال، فهو الفريق المفاجأة..الفريق الذي نشّف ريق فريق تم تجميعه من كل جهات العالم، ودربه الأكثر خبرة ودراية من مدربي العالم، وأكثرهم تخطيطا وبراعة ودهاء.
منتخب فلسطيني يلعب ( مقاتلوه) حفاة في الملعب الفسيح الممتد...
نساء يزغردن، وشيوخ على عكاكيز بوجوه هرمة يشيدون بالأولاد الذين تدفقوا على الملعب يجددون فريقهم، ويذودون عن مرماهم..ما هذا؟!
فريق لا يموت، يتناسل على الهواء مباشرة، يشق الهواء ويندفع بأجساده السمراء الرشيقة العارية..ولا أحد يناوله جرعة ماء، ولا أطباء يندفعون لإسعاف أبدا لاعبيه الذين يتعرضون لضربات غير رياضية، غير أخلاقية، و( الحكم) لا يخرج لا بطاقة صفراء، ولا حمراء..لمخالفي شروط وأخلاقيات المنازلة غير العادلة!
من هناك بدأ الموت، منذ اقتحم اللنبي القدس على رأس جيوش الإمبراطورية التي ورثت دولة بني عثمان المريضة.
من هناك بدأ الموت ..منذ وضعت أمريكا كل أنواع الأسلحة بين يدي ( يهوه)!
من هناك بدأ الموت، منذ دشنت ( فرنسا) الحرية، والأخوة الإنسانية، والمساواة مفاعل ديمونة ليبدأ تفريخ الرؤوس النووية، والقنابل الذرية.
من هناك بدأ الموت .
من هنا بدأ الموت موت العربي الفلسطيني.. من آبار النفط، والغاز، من تحت مؤخرة البدوي الذي دوخه الثراء المباغت، فتخلّى عن الجمل والنخلة وبيت الشعر وغناء الهجيني وربابته..بعد أن أقيمت له مدن الملح!
الدم صار ماءً
الدم صار نفطا
الدم صار دولارات
الدم صار أرصدة فلكية!
البدوية انتعلت من ( ماركس أن سبنسر) سكاربينتها المثيرة لشبق الفحل البدوي الداجن..ولم تعد تتذكر ( خولة) بالخير، فلا أم، ولا جدة، ولا ماض لها.
فما لها ولبغلها وفلسطين..ولم لا تنتهي هذه الفلسطين..حتى تصفو أيام مخلوقات ما بعد زمن النفط والغاز؟!
أولادنا لعبوا بكرة لفقوها من الخرق
لعبوا بين غارتين على شاطئ غزة
لعبوا وتصايحوا فاختلطت صرخاتهم مع هدير موج بحر غزة.
ربما تلك الموجات سافرت من شاطئ حيفا، من تحت أقدام الكرمل الشامخ العريق..ربما.
تجاهلوا هدير الطائرات، وتشاغلوا عن الزوارق الحربية، عن البوارج المدججة بالصواريخ...
قالوا: نلعب..لماذا لا نلعب..هل اللعب حرام، ومن حرّمه؟!
.لعبوا، طاروا مع الكرة، في مونديالهم الفلسطيني الذي لا ينتهي.
بووووووم
و..إذا بهم أشلاء، لا تعرف يد من هذه، وساق من تلك..وأصابع من هذا الإصبع..والرمل ابتل بالدم، دمهم جميعا.
إسماعيل محمد بكر 9 سنوات
عاهد عاطف بكر 10 سنوات
زكريا عاهد بكر 10 سنوات
محمد رامز بكر 11 سنة
كلهم لعبوا ( هجوم)، الكرة تطير بين أقدامهم، وتسقط على رمال شاطئ غزة...
هم اعتادوا اللعب في الأزقة، في الشوارع، في باحة المدرسة، على شاطئ البحر..ولماذا لا يلعبون على شاطئ بحرهم الغزّي؟!
تجاهلوا الطائرات الأمريكية ف 16 التي على مدى تسعة أيام استهدفت ( بنك أهدافها) الذي حدده الجنرالات الاستراتيجيون الصهاينة: بيوت غزية في المخيمات، وفي أحياء مدن القطاع..وأولاد يلعبون مستهترين بطائراتنا، ودباباتنا، ومدفعيتنا، وزوارق..ما دمنا لا نرى مقاتليهم على سطح الأرض!
لماذا يتجاهلون أنهم جزء هام من بنك أهدافنا؟ ألم يكن محمد الدرة هدفا ثمينا في بنك أهدافنا؟
ألم يكن محمد أبوخضير هدفا طارده مستوطنونا الشجعان، وأحرقوه حيا؟
كل ما هو فلسطيني مثبّت في قائمة بنك موتنا..والأطفال هم الأثمن، لأنهم لأنهم الخطر الداهم لمستقبلنا على هذه الأرض، لأنهم لا يريدون أن ينهزموا ويخرجوا من الملعب، وينسوا أنهم فلسطينيون لهم ثار معنا!
احصدوهم هؤلاء الذين يتحدون طائراتنا، وصواريخنا..امسحوهم عن رمال شاطئ غزة التي طالما كرهناها لعنادها!
ربما يحلم هؤلاء الأشقياء الفلسطينيون أن يكونوا مثل مارا دونا، ورونالد، وبيليه، ومسي..يا للأشقياء الفلسطينيين!
اليوم يلعبون الكرة تحت طائراتنا، وغدا يريدون كل فلسطين، ليؤسسوا ملاعبهم، ويلعبوا على ارض ينتزعونها منّا!
أشقياء ويلعبون، ينكدون علينا دولتنا..ولا يخافون!
* * *
على الهواء مباشرة..مُزقت أجساد اللاعبين الفلسطينيين الصغار.
على الهواء مباشرة اندفع أولاد مثلهم..لموا أشلاءهم، صلوا عليهم، و..استأنفوا المباراة الدامية بين منتخب فلسطين..وكل الأعداء: جيش الصهاينة، أمريكا، ونفطيين كانوا عربا في زمن ما!
* * *
دم أولادنا عليكم يا حلف القتلة، يا فريق القتلة.. لاعبين، ومتفرجين منحازين يشجعون على قتلنا..نحن الذين لا نموت، وإن متنا نموت في وضح النهار على شاطئ غزة، في شوارع القدس، على سطح بيت غزّي نصعد لنعلف صياصننا نحن أبناء عائلة شحيبر الذين قتلتنا القذائف في اليوم التالي لموت أخوتنا أبناء عائلة باكير...
لا تصفّر أيها الحكم الأمريكي، فأنت وصفارتك إلى الجحيم..لم تنته المباراة بعد، فالشوط طويل، ونفسنا طويل، ورب الجنود يهوه لن يستريح في اليوم السابع. لأن أطفالنا سيكبرون في ميدان المواجهة..عراة بأجساد سمراء روتها شمسنا..عراة يبهرون العالم في مواجهة ( فريق) يواجههم بالطائرات، والصورايخ، وقذائف الزوارق...
مونديال فلسطين طويل طويل طويل..لن نهزم فيهن ولن ننسحب من الميدان، ولن نيأس من يوم نركض إليه ..يوم تكون لأطفالنا فيه ملاعب كرة قدم حقيقية، وكرة نتقاذفها بود وصداقة مع منتخبات تحب الحياة..تحب الحياة، في زمن يكون شاطئ بحرنا لنا..وسماؤنا لنا، وحقولنا لنا بتينها وأعنابها وبرتقالها وزيتونها لنا...
مونديال طويل..وهذا الموت لن يميتنا!
مونديال أطفال غزة الدموي!
بقلم : رشاد أبو شاور ... 22.07.2014