أعلن السيد محمود عباس أبو مازن بانفعال كبير أن جهاز الأمن الإسرائيلي العام (الشاباك)، عرض له تفاصيل مؤامرة إنقلابية على سلطته في الضفة الغربية خططت لها حركة حماس.
السيد عباس يدرك بأن حماس تبحث (بسراج وفتيلة) عن حلفاء في هذه الأجواء العدائية القاتمة، وبالذات وهي في وضع دفاعي حرج ليس عسكريًا فقط، بل فكريًا وأيديولوجيًا، إذ يحاول نتنياهو ومعه كثير من العرب حشر حماس إلى جانب (داعش) قاطعة الرؤوس، مثلما حشروا الثورات العربية في خانة الإرهاب، ومن البديهي أن حماس في مثل موقفها وموقعها والحصار «الأخوي» الذي لا يسمح للذباب الأزرق أن يمر باستثناء ما يسمى الحالات «الإنسانية»، تسعى لتحقيق الحد الأدنى من التفاهمات والتحالفات الفلسطينية والعربية والإسلامية، وتبحث عن درهم من تعاطف دولي إذا أمكن، وتحتفي حتى بـ(الكفّار) المتضامنين معها، ودعت وتدعو السيد عباس بأن يرسل وفدًا إلى غزة لإتمام متطلبات مسيرة المصالحة وحكومة الوحدة الوطنية التي أشعلت نار نتنياهو وحقده، تدرك حماس المخاطر المحيقة بها وحاجتها للتحالفات، وهذا يعني أن الإنقلابات أبعد ما يكون عن حساباتها، ولكن ما دام أن الشاباك قال وقرر، فليس أمام السيد عباس سوى أن يصدق ويصادق ويبث الخبر ويتعامل معه بحماسة.
ورغم ذلك كان ممكنا للسيد عباس أن يسأل من الشاباك وبسذاجة، إذا ما كان لكلامهم الخطير هذا علاقة بأحد أهداف العدوان على قطاع غزة وهو ضرب حكومة الوحدة الوطنية ومنع إتمام المصالحة!
كيف فات السيد عباس أن حماس ليست غبية لدرجة توريط نفسها في مواجهة جديدة مع شريحة كبيرة من الشعب يمثلها السيد عباس! وتدرك أن انقلابًا مزعومًا كهذا قد ينزع عنها شرعيتها التي كسبتها بدماء أبنائها، وسيعرّضها لضغوط مضاعفة فوق تلك التي تمارس ضدها منذ سنين، وعلى سبيل المثال سيعطي المشير عبد الفتاح السيسي مزيدًا من»الدلائل»على تورط حماس في «الإرهاب»، ويعطي غطاء للتحالفات الإقليمية العربية الصهيونية ضد المقاومة.
إشتهر السيد عباس بطول باله وصبره ومده للحبال، حتى أنه منذ سنين لم يمل من التنسيق الأمني مع الإحتلال رغم الإستيطان المنتشر كالسرطان ومصادرة الأرض والإعتقالات والإغتيالات والنكث بالإتفاقيات وما زال يفحص ويختبر نوايا نتنياهو ومن سبقوه، ويمنح الفرصة تلو الفرصة، والعام بعد العام، وما زال ينسّق أمنيًا رغم حرب الإبادة التي شنت على شعبه، ويبدو غير متعجّل للانضمام لإتفاقية تسمح بملاحقة مجرمي الحرب ،ولكنه فجأة فقد ميزة الفحص والتريّث والصبر فالقول هو ما قاله (الشاباك)!
وبالصدفة أيضا نتنياهو هدد عباس بأن عليه الخيار بين (حماس الإرهاب) و(بيبي السلام)، وكأنه يقول له.. عليك بالموافقة وتصديق فيلم (الشاباك)، فالإنقلاب سلمٌ منحناك إياه كي تنزل عن شجرة المصالحة العالية وتعود إلى الخلافات والتناحر وإلا فأنت مع حماس، وحماس هي داعش قطّاعة الرؤوس ولا شرعية لك، وقد نذكرك بمصير عرفات الذي فضّل التقارب مع أحمد ياسين.
يجري هذا في الوقت الذي تقول فيه مصادر مطلعة إن نتنياهو غير جاد في مواصلة التفاوض مع المقاومة، ويفكر بعدم إرسال وفد لمواصلة المفاوضات غير المباشرة معها، وإذا فاوض (إرضاء للوسطاء) فسيجعل التفاوض مضنيًا وبلا نتيجة وسيفشله، ويبدو أنها إشارة منه للسيد عباس بأن يتقبل كذبة الإنقلاب وينقلب على المصالحة، وهو من جانبه ينقلب على التفاوض ويحرم المقاومة من ثمار صمودها.
وكي تكتمل صورة (الإنقلاب)، فقد أتبعها نتنياهو بتخوفه من قيام حماس بحفر أنفاق من الضفة الغربية إلى تل أبيب في حال نجح الإنقلاب، وهذا يعني أن الشكر للشاباك الذي أنقذ عباس ثم تل أبيب والسلام والمنطقة كلها من كارثة حتمية.
بيبي لا ينسى أن يدعو العالم للإنضمام إليه في محاربة «الإرهاب»، لأن المصلحة مشتركة، ودعوته الأخيرة تزامنت مع مصادرة حكومته 4000 دونم إضافية من أراضي الضفة الغربية، وقتل سائق سيارة فلسطيني على حاجز،واقتحام للأقصى، وإطلاق نار على زوارق صيد في بحر غزة واعتقالات بالجملة، وهدم مصنع للألبان في الخليل كرد على مقاطعة الإتحاد الأوروبي لمنتجات اللحوم والألبان المنتجة في مستوطنات الضفة الغربية، فالجبنة بالجبنة واللحم باللحم.
أبو مازن يعرف أن قصة (الإنقلاب) تندرج في برنامج منهجي لضرب المصالحة الوطنية وسياسة فرق تسد، وهي تخدم احد أهداف عدوان نتنياهو وهو ضرب المصالحة وحكومة الوحدة الوطنية، وفي هذا خسران كبير أولا وقبل كل شيء للسيد عباس نفسه الذي يُفترض منه أن يستثمر صمود المقاومة لتحقيق بعض الإنجازات.
أما حديث بعض الأبواق العربية والفلسطينية بأن نتنياهو لا يريد القضاء على حماس بل على عباس لأن الأخير يحرجه في المحافل الدولية، فهو محض هراء وقصر ذيل من نتنياهو وخيبة أمل لمن انتظروا القضاء على المقاومة كلها وليس فقط على حماس، لأن نتنياهو يحارب الفلسطينيين على كل الجبهات، العسكرية والسياسية والإقتصادية، ولا يمكن فصل هذه عن تلك، والفصل بينها يعني الرقص على إيقاع طبلة (الشاباك) وسلطة الإحتلال التي تسعى بلا ملل لإحباط أي إنجاز فلسطيني عسكري أو سياسي أو إقتصادي حتى ولوكان بضعة أطنان من الأسماك.
فالسياسي لا يمكن أن يتقدم ويحقق إنجازات بدون حد أدنى من قوة الردع، فما بالك حين يكون التنسيق الأمني هو القيمة العليا لهذا السياسي!
كذلك فإن القوة العسكرية لوحدها لا تكفي لتحقيق طموحات شعبنا بالحياة الكريمة، ولهذا فمن يرد تحقيق إنجازات عليه التمسك بالوحدة الوطنية لتشمل كل طاقات شعبنا وأطيافه الذي أثبت قدرته على التحدي واجتراح المعجزات بوحدته، وعدم تلقف أي دسيسة للتخلي عن هذه الوحدة، خصوصًا وأن إعادة البناء وتطبيق إتفاقية وقف إطلاق النار سيمر بتعقيدات كثيرة قابلة للإنكسار وحتى للإنفجار.
كيف صار «الشاباك» عميلا لمحمود عباس!!
بقلم : سهيل كيوان ... 04.09.2014