قرأت قبل أيام خبرا عن شاب صيني منغولي نُفّذ فيه حكم الإعدام قبل ست سنوات بتهمة ارتكاب جريمتي قتل واغتصاب، الآن فقط، وبعد أن (صارت عظامه مكاحل) تبيّن أنه أعدم ظُلما إذ ظهر المغتصب والقاتل الحقيقي واعترف بجريمته.
من هنا، من بلاد العرب، أتقدم بأصدق مشاعر المواساة لأسرة (هوجليت) وأعرب عن تضامني الكامل معها، وأطالب بمحاكمة القضاة المجرمين الذين أصدروا الحكم بحقه، بل أطالب بإعدامهم أو حثهم على الانتحار واللحاق به، فلو أن روح الإنسان تهمّهم فعلا لما تسرعوا بإعدامه، صحيح أن عدد سكان الصين هو مليار وأربعمئة مليون نسمة ولن تخرب الصين بإعدام منغولي واحد، ولكن هذا لا يعني الاستهتار بروح إنسان، فمن قتل نفسا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعا.
يا للفجيعة القضائية، إعدامه يعني أنهم كانوا متأكدين من ارتكابه للجريمتين، وإلا كيف ينفذون إعداما بشخص مشكوك ببراءته، في أي كوكب يعيشون! كيف يحدث هذا على كوكب الأرض! ربما كان قرارهم إرضاء لطرف ما، أو كان لدى المحقق رغبة بالتخلّص من الملف لإظهار قدرته على كشف الجرائم لترفيعه درجة، وبث شعور زائف بالأمان لدى الناس.
ماذا فكر (هوغليت) عندما نطقوا بحكم الإعدام! كيف كان شعوره عندما طرقوا باب زنزانته وألبسوه ثوب النهاية وقال له السجان:على الطريقة السورية «شرّف معي».. أو على الطريقة المصرية «تفضّل يا روح امك»!أو بالعراقية» تفظل عيني»…
ماذا فكر (هوغليت) في لياليه وأيامه وساعاته ودقائقه التي قضاها وهو يعرف أن باب زنزانته قد يفتح في أي لحظة كي يعلموه بأن حبات الرمل نفدت من ساعته!
كيف كان شعوره وهو يساق مكبل اليدين والقدمين ليقف على منصة الإعدام ثم يلفون الأنشوطة حول عنقه! هل فكر باختناقه وتغيّر لون وجهه الأصفر الذي سيحتقن بالدم الأسود، هل تخيل ملامح أمه وهي تكشف وجهه وتجهش بصمت! هل شتم القضاة والمحقق الحقير الذي ألبسه التهمة، هل شتم (ماوتسي تونج)، و (هو جينتاو)! هل كان مؤمنا قبل هذا أم ملحدا، أم أن قضية الإيمان أو عدمه لم تشغله قط! هل فكر بحزن والديه لموته المبكر خصوصا وأن ليس له إخوة! هل ظلمه والده هو الآخر وقال «من يغتصب ويقتل بنات الناس يستاهل الموت»! هل قالت والدته وهي تبكي «هذا ابني وأنا أعرفه مستحيل أن يؤذي قطة»!
هل قال لنفسه،»لا بد وأن تحدث معجزة وتظهر الحقيقة وتثبت براءتي قبل تنفيذ الإعدام»! هل تنبأ بأن تظهر براءته بعد رحيله!
ثم ماذا فكر المجرم الحقيقي قبل إلقاء القبض عليه! لا شك أنه تساءل»كيف لم يستطع المحامي الحمار أن يثبت براءة (هوغليت)! لا لم يكن محاميا حقيقيا، إنه موظف مرتشٍ من قبل الدولة، يعقد الصفقات مع الادعاء العام والمحققين!»
ماذا كان موقف السجناء الآخرين منه عندما عرفوا أنه اغتصب فتاة في حمام عمومي ثم قتلها! كيف عامله السجناء الذين سيحاول كل منهم أن يبدو مدافعا عن الشرف ويبغي الثأر منه للمغتصبة القتيلة! كم سجين آمن ببراءته! كم سجين الآن وبعد ظهور براءته يتذكره ويقول «يا حرام (هوغليت) كان بريئا، نحن أيضا ضربناه وآذيناه بغير حق، كم مؤلم ومؤسف هذا!». كم مجرم حقيقي سيدّعي بأنه مظلوم مثل هوغليت!
هذه الحادثة صدمتني كإنسان عربي، يعيش في بلاد تنعم بالأمن والأمان، لم يُقتل فيها مظلوم، لم يشنق فيها إنسان، لم يقطع فيها رأس ابن آدم بضربة سيف، ولا بغارة جوية لا ببرميل ولا بطنجرة طبخ (كما قال سيادة المنتخب) لا ذبحا ولا بعطا ولا طعنا، ولا بتفجير طائفي في سوق للخضار!
أنا من بلاد تعرف قيمة الدم الإنساني، فلا تستعجل بإعدام أحد، أنا من أمة تقول إن هدم الكعبة (وهي أهم مقدساتها) أهون عند الله من دم امرئ مسلم! حتى في قصصنا ينقطع الحبل إذا كان المحكوم بالإعدام مظلوما.
أنا من أمة إذا اغتُصبت امرأة في مشرقها غضب لشرفها أقصى غربها والعكس صحيح، وأحس كل فرد فيها بأن هذه المغتصبة هي أمّه أو شقيقته أو ابنته، أنا من أمة قال قائلها «أخطأ عمر وأصابت امرأة»! أنا من أمة سجونها فارغة، فحيث ينتشر العدل تغلق السجون. أخي (هوغليت) المقتول ظلما، أنا من أمة لا ينام منها واحد شبعان وجاره جائع (ثروة علي عبد الله الصالح 60 مليار دولار، هذا يعني ضمنا أنه لا جوع في الصومال)، أنا من أمة يركب مساكين الفرنجة أهوال المحيط كي يدوسوا ترابها فيحظوا بحمايتها، أنا من أمة ظاهرها وباطنها رحمة، حتى للقطط، تستهل طعامها وشرابها وكل عمل ذي قيمة بـ «باسم الله الرحمن الرحيم»، فكيف لأمة كهذه أن ترضى بظلم أو إعدام إنسان حتى ولو في الصين.
كان خبر إعلان براءتك بعد إعدامك صاعقة على كل بيت في أمة العرب، لقد أغلقت السفارات والقنصليات الصينية أبوابها في بلادنا خشية رد فعل غاضب نصرا للضعفاء والمظلومين حتى ولو كانوا صينيين منغوليين، إخوانك وأهلك وعشيرتك في داعش يهدون روحك ساطورا، أقصد سطرا من المحبة، وإخوانك من طياري جيشنا العقائدي يقبلون جرح عنقك، ويقولون لا عاش من يهدم حتى بيت نمل، إخوانك من أهل مصر وليبيا والمغرب العربي حزانى لفقدك، حتى إخوانك من «جمعية أبو الفضل العباس الخيرية»، انضموا في غضبتهم لأجلك ولطموا وجوهــــهم ورؤوسهم ندما وفجيعة، أخي هــــوغليت لا تعجـــب حتى المستــعربون الصهاينة (وما أدراك ما المستعربون الصهاينة) أصابتهم الصفنة لموتك ظلما، وذلك كما يبدو لاخـــتلاطـــهم بالعرب، نم قرير العين يا (هوغليت)، فلن تذهب روحك هدرا، وقريبا ستفهم الصين أن الدنيا ليست فالتة، وعلى نفسها جنت شنغهاي…
على نفسها جنت شنغهاي…!!
بقلم : سهيل كيوان ... 26.02.2015