أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
«الجدع» نتنياهو وداعش والنووي..!!
بقلم : سهيل كيوان  ... 05.03.2015

تتنافس الأحزاب في الدول الديمقراطية عادة في برامجها الانتخابية على وعود للناخبين بمستوى حياة أفضل، ومنح مزيد من الحقوق والحريات لمختلف فئات الشعب، ليس المفروغ منها فقط، بل حقوق مثليي الجنس بالزواج من بعضهم بعضا، أو تلقيح بويضات من طرف لا علاقة له بالموضوع، حق الإجهاض، أو الحمل بالنيابة (الفندقة).
في الدول ذات الصبغة الشمولية يعتمد النظام على زيادة تخويف الشعب من مخاطر الغيلان المتربصة بالبلاد بسبب «الطمع في ثرواتنا وحسدنا على النعم التي نعيش فيها (بعض الحكام العرب يزعمون أن شعوبهم محسودة)!! ومن جهة أخرى تلوّح بقمع كل من تسول له نفسه على التلاعب بأمن وسلامة الوطن والمواطن، وتصف المعارضين بـ «الخونة والمرتزقة والقابضين من جهات أجنبية» وفي النتيجة لا توجد انتخابات بقدر ما هي عملية تصفية حسابات مع المعارضين وإعادة الحصول على تفويض باغتصاب الشعب.
الأحزاب الإسرائيلية في دعايتها الانتخابية تعتمد في الأساس على الإرهاب، إرهاب الشعب وإيقاظ نزعة خوفه الوجودي من الفناء، فالأعداء يريدون إبادة اليهود وينتظرون الفرصة المناسبة للانقضاض عليهم، وكل حزب وشطارته في تحديد معالم هذا العدو مصاص الدماء، فلا يوفر السياسيون شيئا إلا ويستخدمونه، فيستحضرون نبوخذ نصر من غبار العصور ويحيون مومياء الفرعون ويستعيدون الطرد من إسبانيا عام 1492 (خروج العرب من الأندلس)، والمحرقة النازية، ويجندون (أبو بكر البغدادي الداعشي وسيوفه وفؤوسه وبلطاته (فهو يقطع رؤوس العرب فكيف سيكون حالنا معه إذا وصل اليهود)! وآية الله خامنئي من أحفاد نبوخذنصر «الذي يسعى لامتلاك السلاح النووي لإبادة إسرائيل»، وحزب الله «الذي يخطط لاحتلال الجليل» وحماس التي تهرّب مواد الإسمنت والحديد لتدمير إسرائيل وإعادة ملايين اللاجئين ليسكنوا مكانهم، ومحمود عباس الخبيث الذي يسعى لنزع الشرعية عن إسرائيل بين الأمم ويحرّض تحريضا دمويا عليها يرتقي إلى مصاف «جرائم الحرب» و «الطابور الخامس – عرب إسرائيل»هؤلاء المنافقون الذين يبصقون في الطبق الذي أكلوا منه وينتظرون الفرصة للانقضاض على إسرائيل وتقويضها من الداخل بدلا من شكرها لأنها تعاملهم كبني آدمين وليس كما يعامَل إخوانهم في سوريا مثلا».
فمن ينجح في إثارة شعور الجواميس أمام قطعان الضباع، يحصل على شعبية أكثر، وتُغفر له ذنوبه الإقتصادية الصغيرة مثل تزايد المتساقطين إلى تحت خط الفقر ووصول الخدمات الطبية إلى حافة الانهيار والعجز عن شراء شقة سكنية.
قبل خمسة عشر عاما تحدثوا عن إيران نووية خلال سنة! بعدها قالوا ستة أشهر وتسقط القنبلة على رؤوسنا، ثم تحدثوا قبل أربع سنوات عن حرب وشيكة ونهاية الحياة على الأرض، والآن يعلن نتنياهو أمام الكونغرس عدم رضاه عن اتفاق لوقف نشاطات تخصيب اليورانيوم لعشر سنوات قادمة مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية على إيران.
التهديد الإيراني بين فينة وأخرى بإبادة إسرائيل خدم ويخدم اللاعبين على وتر التخويف بمحرقة جديدة لليهود، بينما كل طفل يعرف أن إبادة إسرائيل بالنووي الإيراني هي شعارات فارغة، لأن إسرائيل تملك المئات من القنابل والصواريخ النووية. وعلى طهران أن تخشى على نفسها وعلى قم وأصفهان بأن تباد هي في حال هاجمت إسرائيل، ليس فقط بواسطة ترسانة إسرائيل النووية التي كانت على وشك الاستخدام عام 1973 ضد سوريا، ولا الصواريخ المحملة على غواصات الدولفين الألمانية في أعماق البحار، بل من صواريخ أمريكا والغرب النووية.
خطاب نتنياهو أمام الكونغرس حمل وجهين بنظر الإسرائيليين، الفئات الشعبية جدا رأت أنه رجل (جدع وقد حاله)، ذهب إلى أوباما في عقر داره رغما عنه وقال ما يريده، ووقف أعضاء الكونغرس (ورجلهم فوق راسهم) مرات ليصفقوا له، وهذا يلبي رغبات نفسية لدى هذه الفئات بالفخر والاعتزاز والبطولات من خلال قائدهم (الجدع).
والوجه الآخر الذي يفهمه الكثيرون أن نتنياهو بطل كلام وخزعبلات، ويريد البقاء في رأس سلم السلطة بأي ثمن، حتى ولو كان على حساب علاقة إسرائيل الاستراتيجية بأمريكا والتعاون الاستخباراتي فيما بينهما، فقد أعرب عدد من قادة الموساد والعسكريين مثل مئير دغان وآخرين أن نتنياهو أضر بالعلاقة مع أمريكا، وهم يعرفون أن إسرائيل بدون دعم أمريكا والغرب، وخصوصا الدول المفاوضة لإيران، ستكون في ورطة، نعم لدى إسرائيل أسلحة نووية، ولكن استخدام النووي هو خيار شمشون الأخير الذي هدم المعبد على من فيه، بينما تمنحه الدول العظمى خيار حماية إسرائيل بدون الوصول إلى مرحلة (الشمشنة).
لا شك أن نتنياهو بحركات جسده التمثيلية المدروسة التي يقال أنه تدرب عليها قبالة شاطئ البحر في قيساريا، وإنكليزيته الفارهة أعطت انطباعا أنه ابن العائلة (منا وفينا) وليس زائرا أو غريبا، فأثار إعجاب أعضاء الكونغرس من الجمهوريين الذين يستخدمونه لسياستهم ضد الديمقراطيين، بينما قاطع عدد لا يستهان به من الديمقراطيين الخطاب، وهي أول مرة تجري مقاطعة أعضاء لرئيس حكومة إسرائيلي يلقي خطابا أمام الكونغرس، إضافة لمن حضروا ولم يصفقوا، بل أن إحداهن خرجت من القاعة قبل أن ينهي خطابه وأدارت له ظهرها.
أما الشارع الأمريكي فقد أظهرت الاستبيانات أن 25٪ منهم لم يسمعوا ببنيامين نتنياهو من أصله.
أما التخويف الآخر بعد إيران الذي يلوح به نتنياهو وحلفاؤه فهو اقتراب سيوف وفؤوس داعش من وسط إسرائيل إذا ما قامت دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
في إيران يرفعون شعار الموت لإسرائيل والموت لأمريكا، ولكن على أرض الواقع فإن الموت للشعب السوري والعراقي والفلسطيني ولعرب الأحواز واليمنيين والفقر للإيرانيين، والدفع باتجاه منطقة عربية منقسمة طائفيا وأكثر تنافرا.
نتنياهو يحمل في أعماقه استخفافا بأوباما كرجل ملوّن من أصل مسلم يحاول إخفاءه بكلام معسول، حاول نتنياهو العنصري تمرير رسالة أنه والعرب شركاء في مخاوفهم عندما قال إن الخطر النووي ليس لإسرائيل فقط بل لجيران إيران، وقوله إن عداء إيران لداعش لا يعني أنها صديقة لأمريكا، إلا أن هناك إجماعا بأن الخطاب لم ولن يغيّر شيئا على أرض الواقع، وسيتم التوقيع على الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين أمريكا والدول الست العظمى مع إيران، في النهاية لم يكن إصرار نتنياهو على خطابه قبل الانتخابات سوى حركات انتخابية، لن تفيده كثيرا، ومهمة تركيبه للحكومة القادمة أصعب بكثير مما كان عليه وضعه قبل عامين.
وأمام عروض السيرك هذه نشعر كعرب بالحزن والأسى على أمتنا التي تبدو وكأنها لا ناقة لها ولا بعير في ما يجري على أرضها وحولها، اللهم سوى بورصة أنهار دمائها وأموالها التي يتلاعب فيها المقامرون والمغامرون والطامعون..

1