لو استيقظ أبو جهل وأبو لهب ومسيلمة الكذاب وأزواجهم وكل الحاشية المعروفة في التراث الإسلامي برؤوس الكفر وخرجوا أجداثهم ينسلون، وسَمِعوا ورأوا ما يفعله مسلمو هذه الليالي الظلماء، لانقلبوا على ظهورهم مقهقهين، وبلغوا درجات من النشوة ما كانوا ليبلغوها في زمانهم حتى بشق الأنفس، وكانوا هنّأوا بعضهم بعضا وقالوا انتصرنا وحق اللات والعزى وهُبل وتيس المعزى، وضحك وشمت من أعماقه كلُّ من قُتل له منهم قريب أو نسيب أو حبيب خلال معاركهم في مواجهة الرسالة التي أتى بها خير الأنام محمد صلى الله عليه وسلم، وأعتقد أن محاميا متمكنا من مهنته، بإمكانه أن يحصّل لهؤلاء الكفار على تعويضات مادية ومعنوية من أمة العرب، ويكفي أن يقف أمام هيئة قضاة، في بلد فيه حد أدنى من العدل، ويتساءل بفم ملآن «أحلفكم بالله يا حضرات القضاة، ما هي جريمة هذه الحملان الوديعة من أمثال أبي جهل وأضرابه مقارنة بما يقوم به وحوش هذه الأيام بعد ألف وأربعمئة عام من انتشار الدعوة؟!
انظروا إلى هذه الوجوه البريئة.. لقد كان دين الإسلام جديدا عليهم، وأنتم تعرفون يا حضرات القضاة أن كل جديد يقاوَم، فما بالكم عندما يكون هذا الجديد عقيدة انتَزَعت من هؤلاء السذّج البدائيين امتيازاتهم في وادٍ غير ذي زرع! كل ما في الأمر أنهم خشوا ضياع مصدر معيشتهم ووجاهتهم وقوتهم! إن ما قام به هؤلاء المساكين، لا يقارن بما يرتكب من جرائم في عصر المواثيق الدولية وحقوق الإنسان، وكلكم تعرفون أنه لم يكن لديهم سجون يقلّعون فيها أظافر المعتقلين والمعتقلات ويغتصبونهم، ولا ألقوا على الأحياء السكنية براميلهم المتفجرة، ولا نهبوا ثروات الجزيرة العربية ونقلوها إلى بنوك أوروبا!
أما هند بنت عتبة، فسوف تطالب بإعادة الاعتبار لها وإنصافها، سواء في الأفلام السينمائية كما في فيلم (الرسالة) أو غيره، وسوف تقول لمخرج الرسالة المرحوم مصطفى العقاد الذي قضى بتفجير إرهابي (مستاهل يا مصطفى) لقد صوّرتني متوحشة وأنني لكت كبد حمزة، وهذا ليس صحيحا، وغير ثابت أصلا، رغم أنه لا لوم عليّ لو فعلت، فقد أحرق حمزة كبدي وقلبي مرات ومرات، وكان هذا قبل إسلامي الذي حَسُن بشهادة أهل عصري. وسوف تقول لمخرجي المُسلسلات الرمضانية الدينية «كفّوا عن هذا العَلك الفارغ في لحم من تسمّونهم الكفار، فمن يلوكون كبد الأمة ويفقأون أعينها ويشطرونها إلى ألف شطر وشطر يعيشون بينكم وفي هذا الزمان، فلماذا تهربون إلى المسلسلات والأفلام!
سيقف أبو لهب مستجيرا بالرحمن الرحيم قائلا «صحيح أنني آذيت الرسول وزوجتي ألقت الحطب والأشواك في طريقه ونزل فينا قرآنٌ يُتلى حتى يوم القيامة، ولكننا لم نُزهق كل هذه الأرواح، رحماك يا ربي».
وسيقول أبو سفيان»إن أعداد كل ضحايا معركة بدر وأُحد وفتح مكة لم تصل إلى أعداد ضحايا غارة واحدة من غارات وموقعات «الفتوحات التحريرية» التي يقوم بها مسلمو هذه الأيام!
أما الحسين بن علي، عليهما السلام، فلو استيقظ هو كذلك، لشعر بمرارة أكبر ألف ضعف من مرارة الخذلان التي شعر بها عندما أريقت دماؤه مع أحبابه ومناصريه فوق تراب كربلاء! وكان سيطلب من هؤلاء الذين يصرخون «لبيك يا حسين» أن يتوقفوا على الفور عن ذكر اسمه على ألسنتهم،»دعكم مني ومن مأساتي، فأنتم تصنعون في كل ساعة كربلاء جديدة».
أما إبراهيم الخليل عليه السلام محطم الأصنام، ومؤسس دين التوحيد، فلو رأى ما يفعلونه بالآثار وفي قرية النمرود بالذات لأصيب بجلطة ونقل على وجه السرعة إلى أقرب مشفى، وسيهتف بحرقة»يا نار لا تكوني بردا ولا سلاما على هؤلاء المجرمين»!
أما النبي صالح عليه السلام، فسيطلب العذر من قومه (ثمود) وسيقول لهم» يا جماعة، إنني أستحي منكم، فما قيمة ناقتي التي عقرتموها، بل ما قيمة ألف ألف ناقة أمام كل هذه الأرواح التي يزهقها عرب هذه الأيام! ما قيمة ناقتي أمام تجمّد طفل في الثلج! ما قيمة ناقتي أمام قطع رأس امرأة وخنقها بيد سياف سادي؟ اذبحوا ناقتي وعشر نوق فوقها وأطعموا جياع العرب ومشرديهم!
أما زهير بن أبي سلمى، فمن حقه أن يطالب بتعويض مادي ومعنوي وأن يحتج على تسميته بـ «الجاهلي»، فهو مِن أشعر وأحكم العرب أولا، وبشهادات كثيرة ومنها شهادة عمر بن الخطاب، ثم أنه خلّد في شعره صانعيّ السلام بين عبس وذبيان، وهما هرم بن سنان والحارث بن عوف، وعمليا فهو أحق في جائزة نوبل للسلام أكثر بكثير من أوباما الذي لم تهزه حتى الآن مأساة الشعب السوري وبقية شعوب المنطقة إلا بكلمات فارغة من أي مضمون!
ثم أليس من حق حاتم طي وعنترة بن شداد والشنفرى وقس بن ساعدة أن يصرخوا في وجوه أصحاب القرار من عرب هذا الزمان» أيها الناس، لو كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر حقا، لو كنتم تؤمنون بعقاب وثواب، لما أوصلتم شعوبكم إلى هذا الدرك من العذاب». وأخيرا، إذا كان درويش قد خاطب الغزاة بقوله» أيها المارّون بين الكلمات العابرة، خذوا حصتكم من دمنا وانصرفوا»، فإن هذا القول صحيح أيضا بالنسبة لأصحاب القرار في الوطن العربي «أيها المارون بين الأكاذيب والمؤتمرات والمؤامرات العابرة، أيها المخرّبون آن لكم أن تنصرفوا، فلنا نحن الشعوب في أوطاننا ما نعملُ…
إنصافا للكفّار...!!
بقلم : سهيل كيوان ... 16.04.2015