أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
العرب ومرضهم الخبيث!!
بقلم : سهيل كيوان ... 25.06.2015

بات كل عربي مقتنعا بأن جسد الأمة العربية مصاب بمرض خبيث، مرض يصعب علاجه بعدما تأصل وانتشر في الدم والعظم، فما أن يعالج عضو حتى تظهر بوادر المرض في عضو آخر، وما أن تصل بشائر تفاؤل بإمكانية حصر المرض أو تطويقه، حتى يعود المرض على شكل نزيف، على صورة سيارة انتحارية أو إنسان مفخخ، أو براميل تهبط من السماء، أو التفنن بتنفيذ الإعدامات التي تُذكّر بإعدامات العصور الوسطى، أو بخفة اليد في إصدار أحكامٍ جماعية بالإعدام، أو بتصريح لزعيم (ملهم) يرسّخ الانقسامات السرطانية ويشجّعها، أو على صورة فصيل جديد مناوئ للفصائل الموجودة، وانشقاق فصيل كان قد انشق من قبل عن فصيل، لتزداد الخلايا السرطانية تغوّلا في الجسد المسكين.
عادة ما يبحث الأطباء ما إذا كان للوراثة علاقة بالموضوع، وإذا ما كان المرض موجودا في جينات السلالة أم أنه مكتسب في جسد المريض!
يقول المختصون في علم أمراض الشعوب إن العرب يحملون جينات مرض الفتنة، ولكنها تنام حقبة إلى أن يأتي من يوقظها، ولهذا قيل في الحديث الشريف»الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها».
وهذا يعني أن الفتنة لم تمت، ولا يمكن لها أن تموت، لا في الماضي ولا الآن ولا في المستقبل المرئي، خصوصا في أمة مرت في تاريخها بمختلف الآفات الحاضنة للمرض، ومر عليها حكام من كل الألوان والأصناف، فترك بعضهم ما يُذكر به بالخير، وبعضهم ترك جراحا وندوبا وما زال يفعلها حتى الآن، وقد تحتاج لمئات السنين لاندمالها.
مرض» الفتنة» (لعن الله من أيقظها)كائنا من كان، موجود لدى أمم أخرى وله وجوه مختلفة! العنصرية لدى البيض في أمريكا موجودة ضد السود وتاريخها أسود، ولم تمت بمجرد محوها بحبر القانون عام 1964، وهناك من يحاول إيقاظها بإصرار، على صورة ما حدث قبل أيام في كنيسة للسود وقتل ثمانية من المصلين فيها على يد شاب أبيض، ولكن السلطة وبقوة القانون تستطيع منع انتشار الفتنة ووقفها، فتعتقل وتعاقب من أيقظها ليبقى هذا الورم السرطاني عملا فرديا، حتى لو كانت العنصرية موجودة لدى الكثيرين، كما قال باراك أوباما، ولكنهم لا يستطيعون ترجمتها إلى فعل كما يحلو لهم.
في ألمانيا يوجد مرض اسمه الجماعات النازية الجديدة، أو المتجددة، وهذا مرض خطير، أدى قبل بضعة عقود إلى مصرع أكثر من ستين مليون إنسان، هذا الفكر النازي يحاول أن يستيقظ، وبعضه موجه ضد العرب والمسلمين بالذات تحت شعار «مقاومة أسلمة ألمانيا»، لكنه يحاصَر ويتم تحجيمه حتى الآن، ويحول النظام الديمقراطي دون إيقاظ الفتنة النازية من سباتها!
هناك مرض طائفي بين الكاثوليك والبروتستنات بين انجلترا وأيرلندا، تعود جذوره لمئات السنين، وفي نهاية القرن الماضي وبعد ضحايا كثيرة حوصرت الفتنة حتى نام المرض!
في بريطانيا نفسها إنكليز واسكتلنديون، شهد الشعبان علاقات مد وجزر وحروبا قبل مئات السنين حتى الاتحاد ضمن المملكة المتحدة. في السنوات الأخيرة مُنح الشعب الاسكتلندي حرية تقرير مصيره بفك الارتباط مع المملكة المتحدة أو مواصلة الاتحاد مع الإنكليز، وقرر مواصلة الاتحاد دون وقوع خسائر ودون إيقاظ للفتنة.
بين اليهود يوجد اشكناز وسفارديم، ويوجد روس وإثيوبيون، يوجد علمانيون ومتدينون، يوجد متدينون قوميون ويوجد حرديم، ومن طوائف عدة، وتوجد بينهم عنصرية تطفو على السطح أحيانا، آخر تجلياتها كانت صرخة الإثيوبيين الذين يشعرون بالتمييز ضدهم في كل مناحي الحياة، إلا أن الفتنة بين الفئات المختلفة من اليهود تبقى نائمة لشعورهم بوحدة المصير أمام العدو العربي المشترك!
في بورما تنام الفتنة ضد المسلمين حقبة، ثم يعود من يشعلها من العسكريين البوذيين من جديد، فترتكب المذابح وما زالت الفتنة بين يقظة ونوم حتى يومنا هذا.
في معظم دول أوروبا توجد عنصرية متفاوتة في حدتها ضد ذوي الأصول الأجنبية، وخصوصًا عندما تكون هذه الأصول عربية وإسلامية، توجد أحزاب تذكي هذا العداء، وهذه فتنة نائمة يحاولون إيقاظها، ولكن يبقى القانون فوق الجميع على الأقل في هذه المرحلة، رغم وجود ارتباكات وعدم استقرار.
الكارثة الحقيقية عندما يكون قادة الأمة ومفاتيحها ورموز النظام، هم الذين يذكون نيران الطائفية والمذهبية والفئوية، مفضلين سلطتهم ومصالحهم على مصلحة الأمة مهما كان الثمن باهظا، حتى ولو كان إيقاظ الفتنة والخوض في بحور من الدماء. هؤلاء وبعد إيقاظ الفتنة يُطلّون من جحورهم لاتهام الغرب بأنه» يسعى لتفتيتنا»! وذلك لتبرئة أنفسهم من الجريمة. بلا شك أن الغرب والشرق والدول لها مصالح، تستغل مرض الأمة وأزماتها لحساب مصالحها، على الأٌقل بيع أسلحتها كما تفعل روسيا وأمريكا.
مرض الطائفية والمذهبية والفئوية والقبَلية والاستئثار بالسلطة موجود في الجسد العربي وممتد عبر تاريخ الأمة قبل الإسلام وبعده وفي أوج ازدهاره حتى يومنا هذا، تنام الفتنة حقبة ثم يأتي من يوقظونها كي يركبوا من خلالها على ظهور شعوبهم المطحونة.
هناك بديهيات على الأجيال الجديدة في هذه الأمة أن تتعلمها لعلها تنجيها من نار الفتنة الآن وفي المستقبل.
لا يمكن أن تنفخ في بالون التحريض عاما بعد عام وعقدا بعد عقد وقرنا بعد قرن ثم تتفاجأ من انفجاره بوجهك!
لا يمكن أن تحارب كل مبادرة لعلاج وقائي من الفتنة وتحاربها في مهدها، ثم تتوقع من هذا الجسد أن يقاوم حين يهاجمه المرض.
لا يمكن أن تعتمد الطائفية والمذهبية والفئوية الضيقة للوصول إلى الحكم والاحتفاظ به، ثم تفاجأ عندما يكون رد الفعل من نوع الوسيلة نفسها التي اعتمدتها.
لا يمكن أن تتعصب لطائفتك ومذهبك وفئويتك وقبيلتك لدرجة الجنون ثم تلوم غيرك عندما يُجن تعصبا!
لا يمكن أن تتهم كل من يعترضك بالخيانة والتآمر ثم تفاجأ حين يتهمك بالقمع والكذب ويحاول التخلص منك بالقوة!
لا يمكن أن تكفّر الآخرين على مدار قرون، ثم تستغرب عندما يكفرون بك وبكل قيمك.
من يزرع القمع والاضطهاد يحصد الكراهية، ومن يقصي الآخرين لن يحظى بمحبتهم!
ومن يسعى لتفتيت الوطن العربي كي يمرر مصالح ذاتية مؤقتة سيجد نفسه فتاتا وهباء منثورا.
شفا الله أمتنا من أمراضها الخبيثة المزمنة، و»لا يغير الله ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم».

1