يا أخوتي المهجّرين، انتبهوا لكل صغيرة وكبيرة توثق معاناتكم وأسباب رحيلكم، فلن تعدموا شانئين ومتفلسفين و»ثوريين» وأبواقا يسألونكم باستنكار: «لماذا تركتم وطنكم؟» ولن تعدموا من يحاولون إثبات «خيانتكم»، مثلما اجتهد كثيرون لإثبات «خيانة» إخوة لكم من قبل! ألم يتهموا الفلسطينيين بأنهم قبضوا ثمن وطنهم! ألا تسمعونهم بعد كل عاصفة غبار مع أي نظام يرددون: «الفلسطينيون باعوا بلادهم لليهود ويريدون دماء أولادنا لتحريرها!»
سيتهمونكم بالعقوق لحليب الأم وحضنها الرؤوم، وأنكم طمعتم بفتات الغرب، وقبلتم المذلة في الغربة على العزة والكرامة والكبرياء في وطنكم!
سيقولون إنكم تركتم وطنكم عندما كان بأمس الحاجة لكم!َ
ألا ترون أن البعض ما زال يسأل الفلسطيني لماذا هجرت وطنك! رغم أن حوالي خمسمئة قرية مسحت عن وجه الأرض وصودرت، ولكثير منها مجازرها ومقابرها الجماعية، وبئرها التي رُدِمت على الأحياء!
نعم ما زال هناك من يقول إن الفلسطينيين باعوا وطنهم، حتى وهو يرى، حتى هذه اللحظة، طرد الفلاحين من أراضيهم وإحراق محاصيلهم وحرق بيوتهم وهدمها ومصادرات أراضيهم وتجريفها بالجرافات العملاقة المدعومة بأحدث جيوش العالم، واقتحام مقدساتهم بالبث المباشر وإحراقها وتخريبها أمام سمع وأبصار العالم والعرب الذين قد يُحرجون ويضطرون لمعاتبة إسرائيل!
أنصحكم بأن تحتفظوا بكل وثيقة وصورة وفيلم فيديو وشهادة مكتوبة وشفوية، لا تقولوا إن العالم يعرف ويرى ويسمع! لا تقولوا عن شيء إنه غير مهم، فقد يكون الأهم!
أكثر ما علق في ذهن طفلة عام النكبة التي صارت عجوزا هي المرآة التي أخذتها معها عندما طردت من بيتها مع أسرتها، ووجه العميل الذي لحق بها عدة كيلو مترات على حصانه في سفح جبل وتحت شمس لاهبة، كي يسلب المرآة عن رأسها ويعيدها إلى غنائمه.
سيأتي انتهازيون، ويسألونكم لماذا لم تبقوا للإصلاح من الداخل! وكأن سرطان العظام يعالج بِمسلسل (جميل وهناء)!!
سيأتيكم خطيب مفوّه ليقول لكم، اذكروا كيف صمدت فيتنام وستالينغراد وقلعة سيباستيبول، اقرأوا كيف أكل المحاصرون طلاء الجدران! فلماذا لم تصمدوا مثلهم!
وسيحكي أحدهم قصة عن هندي عاش على تمرة واحدة لأسبوعين، فلماذا لم تتحملوا الجوع! وسيطلق آخر شعاراته عليكم ويقول: «بلادي وإن جارت عليّ عزيزة،
وأهلي وإن ضنّوا عليّ كرام».
أهلك منشار الحطب على عنقك لأنك رفضت أن تعترف بألوهية بشار الأسد مثلا!
سوف يقول لكم قالب ثلج يشتغل في الأدب: «حقًا لماذا لم تقرعوا الخزان! وسوف تسألكم مقدمة برامج دلّوعة «لماذا لم تخبروا العالم بما جرى! وسوف تُقسم مُكنسة كهربائية تعمل في الصحافة أنه ليس لها علم بهذا الظلم الذي تتحدثون عنه»!
وسيصرخ في وجوهكم واحد فالح جدا: «أنا مع سورية وبس»! وكأنكم كل عمركم تهتفون «أنا مع سويسرا وبس»! وكأنكم حجزتم على متن طائرات فخمة، وتبغددتم خلال رحلة هجرتكم على المضيفة السويسرية التي أحضرت لأطفالكم سجقا أبيض بدلا من السوشي الياباني!
صدقوني لن يفهموا معنى أن تمشي أنت وأسرتك وأطفالك عشرات الكيلومترات على سكة حديد كي لا تضيّع الطريق في بلاد تجهل كل ما فيها! وسيقولون لك إن رجلا يابانيا مشى أربعين ألف كيلو مترا في رحلة حول العالم على قدميه! وإن عجوزا يابانية هي الأخرى تسلقت قمة إفرست! فلماذا لم تتعلموا قوة الإرادة من اليابانيين مثلا!
لن يفهموا قلقكم أمام نظرات محتقرة من جندي فاشي من وراء شريط حدودي وأصبعه على الزناد! سيقولون لكم إن الجندي في بلدك أحن عليك، وإن الدم لن يصير ماءً، علما أن نسبة الماء في دم الإنسان العادي هي خمسة وثمانون بالمئة، والخطر الحقيقي هو أن يكون الجندي في بلدك بلا دم أصلا!
لن يفهموا خوفك من قطّاع طرق بأن يسرقوا مالك ويعتدوا على أسرتك، ولن يفهموا خوفك من تقلب أحوال الطقس، ومن أن خطورة أن تدخل في سهل تغرّز فيه ساقاك وتبتلعك الأوحال، كما حدث لعشرات الأسر الفلسطينية في ليلة ماطرة في مرج ابن عامر في عام النكبة، الرصاص من ورائهم والوحول من فوقهم ومن تحتهم والضباع حولهم تنتظر الوليمة!
لن يتفهموك وأنت تخجل من النظر في عيني زوجتك التي وعدتها بالطمأنينة على عرضها وعلى حياتها وحياة أولادها، وأنت تخشى أن يكون الدليل غادرا وابن حرام!.
سيقول لكم بعض العروبيين..ألا تخشون على أبنائكم أن ينسوا لغة القرآن الكريم! ورسالة الغفران، والمعلقات، ونهج البلاغة، والعقد الفريد، والمتنبي! هل نسيتم أننا نحن الذين أبدعنا أقدم الأبجديات المتكاملة التي عرفها البشر، واسألوا ألواح أوغاريث! يوم كان الجرمان يطهون آباءهم ثم يأكلونهم! فكيف فُتحت شهيتكم لطعامهم!
سيقولون لكم إن كل ما قيل عن جوع ونهب وسلب وغارات على المدنيين وعن اغتصاب وقطع رقاب بالسيف أو بالمنشار الكهربائي ودفن أحياء بالتراب أو بالخرسانة والسيارات المفخخة والقصف العشوائي والإعدام الميداني (حسب المزاج) والغازات السامة، والحصارات الطويلة، والسجون المكتظة بالأحياء والموتى والـ» بين بين»، وعمليات التطهير المذهبي، كله كذب، ولم يكن من هذا شيء!
مهما اجتهدتم، سوف يقصّر خيالكم عمّا يمكن أن تسمعوه… نعم وسوف تفاجأون بأقوام أذلاء أمام الأعداء أشداء عليكم… يسألونكم كما سألوا الفلسطينيين من قبلكم.. لماذا تركتم وطنكم أيها الخونة؟.
لماذا هجرتم بلادكم أيها الخونة!!
بقلم : سهيل كيوان ... 17.09.2015