الأخ أبو فادي..
بعد التحية… انتظرت طويلا وترددت كثيرا كي أوجه إليك هذه الرسالة.. والمرمى ليس التأييد أو الإدانة، بقدر ما هو وضع النقاط على الحروف وتوضيح الخلفيات، كي أفهم ويفهم غيري موقفك وأسباب انقلابك على رفاق الأمس أو العكس، لا يهم، وإصرارك بعد كل هذه السنوات والأموال الطائلة التي جنيتها، اللهم لا حسد، على العودة إلى المجهول.
لكن هناك من يقول حتى من جماعتك أو المتعاطفين معك، إنه بعد كل هذا العز والرفاهية والحياة المترفة التي يعيشها لن يقبل أن يعود إلى فلسطين، حتى لو فرشت له الأرض بالورود.
حاولت مخلصا أن أبعد نفسي حتى لا أكون طرفا، ولكن إصرارك على عدم تقبل الهزيمة، ومحاولات خلق حالة، تعطل خاصة في هذه الظروف على الوضع السياسي المعطل أصلا، وطرح نفسك إصلاحيا وبديلا للوضع القائم في رام الله، دفعني دفعا إلى توجيه هذه الرسالة إليك.
ست سنوات مضت تقريبا على آخر مكالمة معك.. وكنت في لحظتها تنتظر عبور جسر الكرامة في طريقك إلى منفاك الاختياري. أذكر أنني سألتك بكل وضوح إن كنت قد هُرّبْت، كما كانت الإشاعة في حينها، من منزلك في رام الله، قبيل وصول رجال أمن السلطة، بسيارة القنصل الأمريكي؟ ونفيت الإشاعة جملة وتفصيلا. وغادرت الوطن ولم تعد إليه. وكان ذلك قرارك وخيارك وهذا من حقك، رغم أنه لم يكن هناك ظاهريا ما يبرر ذلك، حتى لو كانت السلطة «المتسلطة» تخطط لمحاكمتك لأي سبب كان، فأنت ابن السلطة العارف بخفاياها ولديك من المعلومات والأسرار ما يرعب الجميع.. فوجودك في غزة كحاكم بأمر الله وضع بين يديك الكثير من الاسرار. لكن قرار الرحيل طرح الكثير من علامات الاستفهام.
اخترت بخروجك الطريق الأسلم، وهو الهروب من المواجهة، وآثرته على الصمود في وجه الاتهامات بالفساد وغيرها، وعلى مواجهة «الفئة المتسلطة والمغتصبة وغير الشرعية كي تثبت براءتك.. بالمناسبة القيادة التي تتحدث عنها وانتقدتها في خطابك في اجتماع باريس، هي القيادة نفسها، فنحن نحب أن نحنط قادتنا، التي كنت قطبا فيها ولعبت دورا اساسيا ومحوريا، دور المدافع عنها وحامي حماها.. وقادة حماس بالأخص خير شهود على ذلك.. ولا اعتقد أن الدكتور محمود الزهار سينسى لك حلق ذقنه في المعتقل إمعانا في الإهانة… يا رجل تنتقد الاعتقالات التي تقوم بها السلطة الآن ونحن ندينها بأشد العبارات، لم تترك في أيام حكمك لغزة أيا من قادة حماس وغيرهم الكثير، الا واعتقلته، بدءا من الشهيد عبد العزيز الرنتيسي والمناضل محمد ضيف فنازلا.. وحتى الشهيد الشيخ أحمد ياسين لم يفلت من بين يديك فوضعته تحت الإقامة الجبرية. ولا تقل لي أنك كنت في حينها تحمي المشروع الوطني وتنفذ الاوامر.
الهروب من الضفة لم يكن الهروب الكبير.. وهل هناك أكبر من الهروب من قطاع غزة وترك المقاتلين لمصائرهم؟ وهذه ليست من خصال القائد، فالقائد الحقيقي لا يهرب من ساحة المعركة والمواجهة.. هكذا علمنا « القائد الرمز» الذي زينت بصورته منصة اجتماع باريس. فقد صمد ابو عمار في المقاطعة برام الله، رغم أن فوهات مدافع ودبابات الاحتلال كانت تطل عليه من النوافذ.. ولم تهتز له قصبة وبقي صامدا، حتى طالته يد الغدر والخيانة وسقط شهيدا كما أراد.
ولم يغب عرفات عن جنوده في معركة طرابلس، وعاد من تونس ليقودها، وحقق الانتصار على قوى الانفصال. ولم يكن هذا حالك عندما وقع الانفجار في غزة في يونيو 2007 فلم تهرول عائدا إلى القطاع كما فعل ابو عمار، لتقود المعركة بنفسك ضد من سميتهم بالانقلابيين، وآثرت البقاء مع مدير الأمن الوقائي ونائبه، بعيدا في القاهرة تتفرجون على الانهيار الكامل للاجهزة الأمنية، إلى حد أن مدير المخابرات المصري في عهد مبارك، عمر سليمان وبخ ثلاثتكم… وهذه ليست من خصال القائد.
والشيء بالشيء يذكر فإن احد الذرائع التي ساقتها حركة حماس لضرب الاجهزة الامنية في القطاع، هو اتفاقك مع الجنرال الامريكي كيث دايتون المنسق الأمني للفلسطينيين للاطاحة بها.. ووصفت ما قامت به بضربة وقائية لمخطط دحلان/ دايتون.
عزيزي محمد واسمح لي باستخدام هذه الكلمة.. صدقا أود أن اعرف ما تريده وقد يكون لديك ما تقوله من كل هذه الفرقعات الاعلامية في عين السخنة وفي القاهرة وباريس وها أنت تخطط لاجتماع في واشنطن يحضره اعضاء كونغرس «من أصدقاء الشعب الفلسطيني!».
هل الغرض حقا تصحيح مسار العمل السياسي الفلسطيني، ووضع المفاوضات على طريقها الصحيح لتحقيق حلم الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، «الذي دمرته قيادة منظمة التحرير برئاسة ابو مازن»، كما اشرت في خطابك امام اجتماع باريس؟ أم تريد العودة لاسترداد نفوذك وتحقيق طموحك للوصول إلى سدة الرئاسة التي تعتبر نفسك وريثا شرعيا، ليس لابو مازن الذي كان بالنسبة لك مجرد الجسر الذي يوصلك إلى الزعامة، فحسب بل لعرفات، ولا أعرف من أين أتيت بهذه القناعة؟ صحيح أن الدول الغربية ووسائل اعلامها كانت تعمل على تسويقك في تسعينيات القرن الماضي خليفة لعرفات، ورجل الامن القوي القادر على ضبط الامور.. رغم أن موضوع الخلافة اصلا لم يكن مطروحا فلسطينيا، ولم يكن ذلك سوى بالونات اختبار كانت تطلقها اسرائيل عبر وسائل اعلامها في الغرب، بغرض البلبلة وإلهاء الناس وشق الساحة الفلسطينية وصرف الانظار عن الهدف الاساس.
ودفعك طموحك إلى تصديق هذه الاكاذيب واعتقدت خاطئا أن الولاية من حقك، رغم أن مقوماتك ومخزونك السياسي لا يؤهلانك إلى منصب كهذا.
لن ننكر أنك ناضلت في شبابك ودفعت ثمن النضال سنوات في المعتقلات الاسرائيلية.. لكن كم من الفلسطينيين دخلوا المعتقلات لسنوات اطول ومنهم من لا يزال يقبع في السجون التي زج فيها، منذ ما قبل اوسلو ولم يكافأوا كما كوفئت؟
نصبت مسؤولا عن أمن غزة.. ولا اعرف ما هي الدورات الأمنية التي اهلتك لهذا المنصب؟ ومارست نفوذك كحاكم بأمر الله على قطاع غزة فأسأت استخدام السلطة، وفي اول محك حقيقي اثبت انك لست ذاك القائد الفذ.
وهذا ليس فقط لا يؤهلك لكي تكون قائدا بل يضعك تحت طائلة الحساب والتهرب من المسؤولية. وانت تعرف عقوبة الجندي الذي يهرب من ساحة المعركة، ناهيك عن القائد.
ولم تكن افضل حالا كمفاوض فنتائج المفاوضات الامنية بعد 24 سنة، لا يزال الشعب الفلسطيني يدفع ثمنها.. صحيح انك اخليت مسؤوليتك عن فشل المفاوضات في خطابك في اجتماع باريس، وكما قلت انك خارج المسؤولية منذ عشر سنوات لكن المسؤولية لا تسقط بالتقادم… وكانت المفاوضات اصلا متوقفة قبل خروجك، نتيجة اتفاقات لاسيما الامنية منها، اقل ما يقال عنها انها خاطئة.. كما لم أسمع منك صوتا معارضا أو منتقدا. ومبرراتك لا تعفيك من المسؤولية.
أما كسياسي فالمؤشرات غير مشجعة على الاطلاق فالاعتماد على اطراف خارجية بداية غير موفقة بل فاشلة. فقد اخفقت حتى الان ورغم الاموال الطائلة التي تنفقها، في أن تطرح بديلا أو تشكل تيارا سياسيا واضحا.. فما سمعته منك في خطابك في اجتماع باريس، والنقاط الـ 13 في البيان الختامي، لم تكن اكثر من كلام ممجوج ومكرر سمعناه من قبل من غيرك، ممن اخرجوا من دائرة السلطة. ولكن ما يضحك في هذه النقاط هو مطالبة السلطة بوقف اتفاق التنسيق الامني وكأنك بريء منه.. وهل نحن بحاجة إلى التذكير بانك انت واضع الترتيبات الامنية لمعبر رفح والاشراف الاسرائيلي عليه؟ ألم تكن صاحب اتفاقية مبعدي كنيسة المهد الذين لا زالوا في المنافي؟
وفي الختام اقول صادقا.. انت لست بديلا ولن تكون بديلا لاحد فقد فاتك القطار.. دع السياسة لاصحابها.. جربت وأخفقت.. ونصيحتي لك أن توفر جهودك وأموالك واموال الداعمين.. وتركز على ما ابدعت فيه وهي التجارة ايا كان نوعها ولن اقول تجارة السلاح، والعلاقات العامة؟
رسالة للأخ محمد دحلان!!
بقلم : علي الصالح ... 18.03.2017
*كاتب فلسطيني..المصدر: القدس العربي