أحدث الأخبار
السبت 23 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
إنفصام العقل!!
بقلم : مها صالح  ... 27.11.2018

نعيش بواقع متلون يحمل في طياته جميع ألوان الطيف تتوزع بين القتامة والميعان حيث تتشعب الأخلاق على أكثر من إتجاه وزاوية ويظن الإنسان صاحب الخاصية المعقدة والغريبة بعض للشيء أنه الاذكى والأنبل ولا ينافسه سوى من هو أكثرمنه بؤسا وخداعا للذات. إزدواجية المعايير التي تنأى بالشخص عن رؤية الحقيقة الكاملة والتي تكمن بالفهم للصحيح للأشياء بعيدا عن المغالاة والتطرف، إزدواجية المعايير التي تخضع للمصلحة الذاتية والآنية للشخص والذي ينصب نفسه فوق الانتقاد والشبهات، لماذا تنتقد إنسانا يقترف نفس أخطائك؟ لماذا ترضى أن تكون جلادا وضحية بنفس الوقت؟ لماذا تتقمص دور المظلوم وتكون أنت الظالم؟ لماذا تتقصد خداع نفسك وتؤمن بما هو حق لك وتنكره للآخرين؟
لست باحثة علم إجتماع أو علم نفس لكن نتيجة ما أشاهده وأقراه من تصرفات بعض الاشخاص جعلني أتمحص وأستنتج لأجد إجابات على تلك الظاهرة المنتشرة بين بني بعض البشر لأجد أن التربية والمنشأ منذ الصغر هي من تضع الانسان بهذا القالب الغير سوي وبالتالي يكبر وتكبر معه بعض العقد والتي من خلالها يصقل شخصيته المبهمة بمفاهيم وسلوكيات غير سوية او مفهومة. يعتقد هذا الإنسان أنه مربي فاضل ولسانه لا يكف عن الذم والقدح، يعتقد أنه حضاري وأفعاله لا ترقى للمستوى الراقي في التواصل مع الآخرين، يعتقد أن يعلم كل شيء وما يقوله صحيح لا يقبل الشك وهو يحلل ويشك بتصرفات الآخرين، يعتقد أنه مواكبا للتطور وتجده يضيع في حوار يتحدث عن العولمة والانفتاح.
انفصام العقل ليست حالة عرضية بل حالة مرضية تكبر مع الشخص كل يوم، صاحب هذه الحالة هو إنسان متحول يغير تصرفاته بسرعة فائقة تجده وديعا للحظات ثم يتحول إلى شرس، منصتا لما تقول ثم هجوميا عليك، طيب لبرهة ثم لئيم، هادئ ومن ثم يقلب عصبيا مجنونا. العوامل المحيطة به تعمق الشرخ بينه وبين ذاته ، من لديه مصلحة معه يؤيده بكل شيء خوفا على مصالحه وهذا ما يخلق لديه يقينا بأنه على حق دائما ومن يخالفه حلت عليه اللعنة.
سيغموند فرويد الذي أسس مدرسة كاملة في التحليل النفسي، وفسر السلوك الإنساني قال:" أن الضمير أشبه دائما بالرجل اليقظ تحدوه الحكمة والروية، أما النفس- والنفس أمارة بالسوء – فميالة دائما الى التهور وتذوق الجيفة دون تفكير في النتائج السيئة". كما قال فرويد أن كثيرا من الاضطرابات جاءت نتيجة الصدمات العنيفة التي تعجز عن تحملها النفس. كل ذلك يقودنا الى نتيجة واحدة أنه ما لم يواجه هذا الشخص بتصرفاته وردود أفعاله الغريبة محاولة لمواجهة أخطائه وتقويم هذا الاعوجاج السلوكي عن طريق مختصين ستتفشى هذه الحالة في مجتمعنا وتسود ويسود معها أزمة تواصل بشري على أسس صحية سليمة وبالتالي سيتعمق الشرخ ونصل الى طريق مسدود الى الحد من هذه الظواهر الشاذة.
لم نخلق على هذه الدنيا لنشقى ونشقي غيرنا بمحض إرادتنا، لم نكبر لتقلل من غيرنا، لم نتعلم لنكون بمصاف الجاهلين، إختيارنا أن نكون قيمة مضافة للحياة وليس رقما للإحصاء. مواجهة الذات من أهم عوامل التصالح مع الذات والآخرين ولنفوت الفرصة على المتربصين لإيذاؤنا والنيل من تحقيق أهدافنا بما يسهم في رفعة المجتمع الذي ننتمي له وينتمي لنا. انصهارنا في البيئة المحلية لسد للثغرات التي تحول دون تحقيق شراكة وتعاون بين أفراد المجتمع ضمن مفاهيم سوية وتعامل صحي وراقي يخدمنا جميعا دون تمييز وليس فرض الهيمنة على الآخر وإلغاء دوره في التواصل والبناء. المشاكل الاجتماعية وما تفرزه من سلوكيات شاذة لبعض الأفراد هي من أهم الأسلحة الفتاكة التي تقضي على التطور الحضاري وتضعنا في الصف الأخير في مدرسة الحياة، فإما نكون أو لا نكون. مجيئنا الى هذه الدنيا ليس اختيار، لكن كيف نعيش هو الخيار.
كيف أهذب نفسي وأمنعها من الانجرار وراء تصرفات غير مسؤولة هو الخيار، كيف أصنع حصانة لعقلي ضد أي اختراق من شأنه ان يتغلغل بفكري وينبت أشواكا سامة هو الخيار. كيف اتصالح مع نفسي وأمنع عنها الغل والحقد هو الخيار، كيف أتعلم وأصقل مواهبي لأضع اللبنة الأولى نحو والانفتاح والتطور وتقبل الاخرين واختلافاتهم العرقية والدينية والثقافية هو الخيار. خيارنا الصحيح هو ما يضعنا في مصاف الدول المتحضرة وليس قاعها.

1