في أكثر اللحظات التي عشتها قتامة كنت أظنها النهاية لأشياء جميلة مرت في حياتي مرور الكرام ولم تتوطن في داخلي لفترة طويلة بل مر سحابة ضلت الطريق ورحلت بأثيرها الذي كلما أتذكره يعتصر قلبي ألما على هذا الطيف الجميل الذي زارني بسرعة الوميض وكأنه يقول لي " لا تتعودي السعادة كي لا تلعني التعاسة "، لم أكن أعلم بأن الألم سيكون رفيقي لفترة ليست بالقصيرة ولو كنت حينها أنعم بالراحة بالحد الأدنى منها لكنت أصبت في مقتل ورحلت وأنا على قيد الحياة.
لا السعادة مطلقة ولا الحزن مطلق، بل الأمور نسبية تبعا لأهوائنا ،تفكيرنا ، معطيات الحياة ،المعوقات، المطبات التي تعترضنا، والبيئة التي نعيش فيها ومنها ينطلق شغفنا في الحياة والذي قد يتحول إلى صراع البقاء أو بقاء الصراع. قد لا نفهم خياراتنا بالحياة إلا متأخرا أو عندما تحل علينا مصيبة ونظنها نهاية الحياة، أو عندما ننجز وننجح ونفشل في المحافظة على هذا النجاح. قد نختار الظل ونستكين ونبعد على القيل والقال وما قد يرضي البشر، قد نختار أن نكون أمام الشمس ونتحمل لسعة النجاح والشهرة وما يترتب عليهما من سهر الليالي وركض النهار لنستمر في الانجاز والعطاء، وقد نختار الشهرة والمال بلا تعب، بل بتقديم تنازلات والتخلي عن المبادىء والقيم والاخلاق بثمن بخس لا يدوم إلا لبرهة من الزمان مع الشعور بالرخص واللامعنى وقد تتحول لمتلازمة وعقدة يخسر صاحبها الهدف من الحياة عندما يصحو الضمير ويجد نفسه لا يسوى شيئا. اذا هذه الخيارات قد نقوى عليها وقد تقوى علينا، لكن المهم أن نعرف ما يتقاطع مع مكنوناتنا ويحقق تقدما لا إخفاقا، وإن اخفقنا لكن بشرف وإن نجحنا بفخر.
كنت ألعن المصيبة عندما تحل على ولا أعرف سبب إختيار الله لي من دون البشر، كنت أحزن وأهرب من ذاتي إلى زاوية لا تتسع الا لقدمي ويدي عندما أضمهما على رأسي لأختبأ من نور الشمس الذي لا أريد أن أراه لسخطي على الحياة وعلى قدري، لكن مع كثرة السقوط الذي استسلمت له طواعية تبلدت مشاعري وجفت أناملي لكن بقي عقلي الباطن يعمل حتى في يوم ما تردد على مسامعي صدى لكلمات حفرت في عقلي وفي قلبي " أكون أو لا أكون "، وكأن الله يقول لي لا تقنطي من رحمتي . صحوت من كبوتي ونفضت عن مداركي الغبار وقررت أن أكون رغما عن كل شيء. بدأت المشوار وقررت أن أختار أن أكون أمام الشمس وأتحمل لسعاتها وكنت وقتها على يقين أن الآتي لن يكون أسوأ من الماضي. وفعلا بدأت مشوار الألف ميل بخطوة كانت صعبة لكنها بسبب إيماني بنفسي والتي روضتها رغما عنها لتكون آمنة مستقرة متصالحة رضخت لإرادتي واستسلمت لرغبتي بأن النجاح والانجاز سيكونا حليقي وهكذا سارت الأمور...... إلى أن تحققت تطلعاتي وقضيت جزءا من حلم كنت قد تخليت عنه أو تخلى عني ليس مهما من المذنب الآن، المهم أنني تجاوزت المرحلة بأقل الخسائر التي كان من الممكن أن تجعلني أهدم مكنونات لدي خرجت بالوقت المناسب لتجد بيئة خصبة أينعت أهدافها.
بين الصعود والهبوط يقف الإنسان حائرا إلى أين الطريق؟! لكن نور قلبه وعقله ونور الشمس يجعلانه يدرك بأن الحياة هي بالصعود والنزول وليست الوتيرة الواحدة والتي تجعل من قلبه ساكنا لا متحركا. الانتصار بعد هزيمة يجعلك تشعر بلذة الحياة. طعم الحياة الأوحد تجعلنا نهرب الى الظلام حتى تجرب ما هو مختلف وقد يكون الثمن غاليا لا يسترد. في وقت سابق لعنت الظلام لكن أتى الوقت بأن أشكر قتامة الايام التي عشتها ولولاها ما رأيت نور الله في داخلي والذي حرك سكونا أحمقا ارتأيت أن يسكنني ويتوطن في داخلي لكني جعلته محطة قطار سريعة . كن مع الله ولا تبالي ف نور الله ونور قلبك هما نور على نور.
وأختم بقول ل جلال الدين الرومي: "والنور الذي في العين فليس إلا أثراً من نور القلب . وأما النور الذي في القلب فهو من نور الله".
كلام صحيح