الفلسطيني فدائي ومُضحٍ بروحه ثمناً لحرّية شعبه ووطنه، سواء باستشهاده أو إصابته، أو من خلال قضائه فترة طويلة في سجون الاحتلال، وهذه القافلة ماضية منذ قرن وأكثر إلى يومنا هذا، ولن تتوقف حتى الحريّة.
في المقابل لدينا الفلسطيني الخائن والمخرّب والعميل، منهم مع سبق الإصرار والترصّد، ولدينا المخرّب الذي ينهش في جسد شعبه ويشغله في قضايا ثانوية تخدم الاحتلال ومشاريعه بقصد أو بغير قصد.
مقابل المستعدين للتضحية بأعز ما يملكون وهم الأكثرية النبيلة، يوجد خونة يعملون مباشرة مع أجهزة الظلام ويخدمون مخططاتها. يوجد منحطون يثيرون الفوضى في مجتمعهم، نتيجة جشعهم وسعيهم لجمع الأموال بطرق غير مشروعة، هذه القلة التخريبية تشمل تجار سموم وسلاح وقروض في السوق السوداء، وقتلة مأجورين وسماسرة، وهي ظاهرة خطيرة يواجهها فلسطينيو 48، وتؤدي إلى صراعات بين عائلات وثارات، وأحياناً في داخل العائلة نفسها، وبالتالي يسفر عن ضعف في التماسك الاجتماعي، وإلى فقدان الثقة والأمن بين الناس، والسعي إلى الخلاص الفردي. هذه الصراعات على خلفيات جنائية في معظمها، وقليل منها على خلفية الانتخابات البلدية، وأدى بعضها إلى سقوط قتلى، ويبدو أن البعض يرى في السلطة المحلية منفذا إلى الربح السريع، من خلال عقد صفقات غير مشروعة، وإلا فما معنى دفع أموال طائلة وتجنيد السلاح الناري والاستعداد لتفجير المشاكل التي تصل إلى إحراق الأملاك وتخريبها، وحتى إلى القتل لأجل الوصول إلى كرسي سلطة محلية؟
هذه النوعيات تستنزف قوة المجتمع وتضعف حصانته واقتصاده وثقته بنفسه، وتدفع بالهمّ الجماعي والقومي والصراع الأساسي جانباً، وهذا بالضبط ما يلبي رغبة السلطة العنصرية، فتكافئهم بغض الطرف عن جرائمهم. المخابرات تعرف من خلال أجهزة الهاتف مع من وقفتَ، ومع من تحدثتَ، وفي أي مقهى احتسيتَ قهوتك، ويرسلون إلى هاتفك أسماء أناس مررت إلى جانبهم مشبوهين بإصابتهم بكورونا، ويُطلب منهم التزام الحجر الصحي، لكنهم لا يعرفون تحركات القتلة والمجرمين ومنفذي الجرائم، التي يبقى الفاعل في معظمها مجهولا. من الواضح أن هذا التجاهل يأتي خدمةً لأجندة سياسية لنظام عنصري يسعى إلى إضعاف ضحاياه وضرب استقرارهم وتعاضدهم، وإثارة الشكوك، وزيادة التوتر والعنف في ما بينهم، لأنه ينظر إليهم كأعداء، لهذا، فهو يجد بالمجرمين حلفاء طبيعيين له، ومصدر قوة له، وهم يجدون فيه مصدر أمن لهم وليس مصدر تهديد.
أما النموذج الذي ذكره غسان كنفاني في قصة «القميص المسروق»، والذي ينهب مخصصات اللاجئين من المخازن، بالتواطؤ مع موظف الأونروا الأمريكي، فهو ما زال ناشطاً وبقوّة، بنسب متفاوتة بين الضفة وقطاع غزة ومخيّمات لبنان.
هذه الشخصية الفاسدة هُمّشت إلى حد ما، في فترة المدّ الثوري الذهبية لمنظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، ولكنها عادت بقوة بعد ضعف نفوذ منظمة التحرير في لبنان والمخيمات، بل إن الصراع بين بعض الفصائل، أدى لتقوية ظاهرة الفساد ونهب مخصصات اللاجئين. في الأيام الأخيرة أطلق بعض السكان من مخيم الرشيدية والبص وبرج الشمالي وشاتيلا نداءات لإنقاذهم من عربدة عصابات إجرام، تمارس كل المحرمات، بهدف الربح على حساب آلام الناس وإذلالهم. في مخيمات لبنان يمارس البعض دور العميل، من خلال نشر السموم وابتزاز نساء، وبث الفوضى والذعر بين الناس وزعزعة أمنهم، وإشغالهم ببعضهم بعضًا، وكأن الحصار ومعاملة السلطات اللبنانية والأونروا المُذلة ومشاريع الاحتلال التصفوية لقضيتهم لا تكفي.
تحت عنوان «صرخة مخيم»، تقوم مجموعة فلسطينية في الدنمارك ببث حملة لدعم المخيمات في لبنان، وذلك عن طريق الفيسبوك، يجري خلالها الناشط علي صالحاني لقاءات مع مسؤولين فلسطينيين، لإسماع مشاكل وقضايا الناس الذين يتصلون من المخيمات، بهدف تخفيف معاناتهم. القصص التي يرويها الناس حول وضعهم المعيشي والصحي والإذلال والابتزاز والعنف والجرائم، التي يتعرضون لها في المخيمات، والمساعدات التي لا تصل أصحابها ومستحقيها، بل يُنهب أكثرها قبل توزيعه، ووضع شروط تعجيزية أمام المواطن للوصول إليها، رغم ضآلتها، لا تختلف في جوهرها عن جرائم تدفيع الثمن التي يمارسها غلاة المستوطنين في داخل فلسطين المحتلة، بهدف التيئيس، وبث الرعب والفوضى والدفع إلى الترحيل، وتمرير ما يسمى صفقة القرن، بحسب شروط ترامب ونتنياهو، في ظروف مثالية بالنسبة للاحتلال والعدوان من ناحية الوضع العربي العام، وإشغال أصحاب القضية بعضهم ببعض، وإطلاق يد الفساد والجريمة والفوضى في ما بينهم، مباشرة أو عن طريق وكلاء، كي يقبلوا في نهاية المطاف أي عرض يطرح لحل قضيتهم مهما كان بخساً. إلا أنه وكما ما ذُكر في بداية المقال، فإن غالبية الشعب الفلسطيني، كانت وستبقى مخلصة لوطنها ولنفسها ولأجيالها القادمة، وللتضحيات الجسام التي بذلت، وستعرف كيف تتخلص من المجرمين والمفسدين والخائنين.
فدائيٌ وعميلٌ ومخرّبٌ!!
بقلم : سهيل كيوان ... 28.05.2020