استقبل الفلسطينيون والعرب عموما، إعلان دولة الإمارات، تطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال على مستويات عدة، منهم من شعر بالأسى الشديد، وراح يستذكر ما قاله محمود درويش في أحمد الزعتر ومديح الظل العالي «وحدي آه يا وحدي» «كم كنت وحدك يا ابن أمي كم كنت وحدك». علما أن هذا ليس صحيحًا، لم يكن الفلسطيني وحيدًا ولا مرة، دائما كان من أبناء الأمة العربية من هم معه، منذ عام النكبة حتى يومنا، سقط شهداء كثيرون من العرب نصرة لشعب فلسطين، مباشرة أو غير مباشرة، وما زال معظمهم يعتبرها قضية العرب الأولى، ويرفض التسليم بضياعها.
غضب البعض غضبًا شديدا، وأعرب عن ذلك من خلال مفردات تتحدث عن الخيانة للقيم وللمقدّسات وغيرها، ونشر كثيرون قصائد هجائية ممجوجة للأنظمة وللحكام وتصف حال العرب، إلا أنه وبعد ردود الفعل الأوّلية، بدأ البعض بمرحلة النِّكات، فأبدع كثيرون أفكارًا حول زيارات الأخوة الخليجيين إلى تل أبيب.
«كيف تتعلم الأماراتية من غير معلم». «للصبايا العازبات اصبرن عسى أن تتزوجن خليجيا» خليجي يسأل» كيف أصل هرتسليا طال عمرك»؟
استوحى الفلسطينيون من حياتهم اليومية، فكتب البعض خبرًا عن مشادة اشتعلت بين شبان خليجيين على شاطئ بحر يافا، وهو أمر ليس نادرا بين الشبان الفلسطينيين من العرب. وكتب آخر إذا أردت التسلل من الضفة الغربية إلى داخل مناطق 48، فارتدِ الدشداشة الخليجية، لن يسرعوا بإطلاق النار عليك.
إلا أن أخرى كتبت إن الخليجيين سوف يكتشفون بسرعة بأن الإسرائيليين لا يحترمونهم كما يتظاهرون الآن، فلا حدود لنرجسية الإسرائيليين واستعلائهم على الأمم الأخرى، ونظرة أكثرهم إلى العرب هي أنهم متخلفون ومتوحّشون.
لو يعرف الخليجيون العبرية لنصحتهم بمتابعة ردود فعل الإسرائيليين وتعقيباتهم على خبر مقتل عربي برصاص قوات الاحتلال، أو عن خبر عادي يتحدث عن كارثة حدثت لعرب، مُعظمها تتحدث بمنطق الشماتة و»نقص العرب واحدًا».
في مدينة نتانيا نادٍ يتدربون فيه على إطلاق النار، أما المهداف فهو مجسّمات إنسان، كتبوا على كل واحد منها: عربي.
سوف يكتشف الخليجيون سذاجتهم في تعاملهم مع الإسرائيليين، وهذا ما يعرفه المصريون والأردنيون جيّدا، بعد عقود من اتفاقات السّلام، فالإسرائيلي ينظر إليهم من فوق أنفه، ومعظمهم ينظر إلى العربي الذي يتعامل معه كخادم سخّره الله له، وسيكتشف الخليجيون أن قطاعا واسعا من الإسرائيليين مؤمن بأن الله سخّر أبناء الخليج لخدمة شعبه المختار في تحقيق وعده.
أفضل التعقيبات على قرار التطبيع، هو ما تمناه أحدهم بأن يخرج عشرة آلاف سائح إسرائيلي إلى دولة الأمارات، هذا كفيل بأن يكتشف الخليجيون حقيقة الإسرائيليين بسرعة، فهم سوف يسرقون المناشف وقطع الصابون وحتى الحنفيات، وكل ما يمكن أن تقع عليه أيديهم في الفنادق، هذا ما ذكره الإعلام الإسرائيلي نفسه مرات عدة، وفي مناسبات كثيرة عن السائح الإسرائيلي البشع، الذي يترك انطباعا سيّئا حيثما ذهب.
هناك جيش إلكتروني مهمته زرع البغضاء بين أبناء الشعوب العربية بهدف توسيع الشقة والكراهية بين أبناء الأمة الواحدة
هذه حقائق اكتشفها الأتراك، لهذا يعاملون السياح الإسرائيليين بعدم احترام، ليس من منطلق تضامنهم مع الحق الفلسطيني في مواجهة عربدة إسرائيل فحسب، بل بسب التصرفات الفوضوية التي تميّز معظم السائحين الإسرائيليين، بمن فيهم عرب يحملون الجنسية الإسرائيلية، متأثرين بما يسمى» الوقاحة الإسرائيلية» فالوقاحة أمر محبّذ إسرائيليا، وتعتبر فهلوة وذكاءً، وحقا من حقوق الإسرائيلي على غيره من الشعوب.
لهذا السبب فإن إدارات الفنادق التركية تمنع حافلات السياح التي تقل إسرائيليين من مغادرة الفندق، إلا بعد فحص جميع الغرف التي شغلوها، فإذا وجدوا نقصًا أو شيئا ما محطّما، أرغموا من أقام في الغرفة على دفع ثمنه مضاعفا.
لا أعرف الوضع الآن، ولكن فنادق الخمس نجوم في القاهرة، رفضت لمدة طويلة استقبال إسرائيليين، بمن في ذلك العرب من حاملي الجوازات الإسرائيلية، ليس لإسرائيليتهم، بل بسبب الفوضى وقلة الذوق التي تميّزهم حيثما يتواجدون.
على العرب عموما والأخوة الخليجيين خاصة، أن يعوا معاناة الفلسطينيين اليومية تحت الاحتلال، وما يكابده أهل القدس بشكل خاص، فهم يواجهون سياسة عنصرية همجية عدوانية منهجية تهدف إلى تفريغ المدينة المقدسة منهم، بكل الوسائل والمضايقات.
لهذا لا أنصح أي أخ خليجي بالاستجابة إلى دعوة نتنياهو بزيارة القدس من باب التطبيع، لأنه لن يُستقبل كضيف ولا كسائح، وهذا ما لا نرضاه لأخوة أعزاء.
ليس شرفا كبيراً أن يدخل عربي إلى أسواق القدس ومقدّساتها، في حراسة شرطة حرس الحدود الإسرائيلية، المعروفة كقوة قمع لا تتردد عن قتل الشباب العرب لمجرد الاشتباه بحمل سكين، أو بسبب حركة لم ترق أحدهم، ولا يكاد يمر يوم واحد بدون اعتداءات على العرب، أو أسبوع بدون ضحية جديدة.
إضافة إلى ما ذُكر، هناك جيش إلكتروني مهمته زرع البغضاء بين أبناء الشعوب العربية، خصوصًا في الأزمات السياسية، بهدف توسيع الشقة والكراهية بين أبناء الأمة الواحدة.
أنصح إخواني الفلسطينيين، بوقف الكلمات المسيئة لأي شعب عربي كان، بما في ذلك شعب الخليج الطيّب، وعدم الانجرار إلى البذاءات اللفظية، فالشعب الخليجي شعب عربي أصيل، وتاريخه عريق، والتعامل مع قرار التطبيع على أنه قضية حكّام ربطوا مصائرهم بالحركة الصهيونية، بل بالجناح المتطرف الأكثر عدائية فيها للعرب.
يقيني أن الدّم لن يصبح ماءً، لا على الصعيد العشائري الضيق، ولا القومي الأوسع ولا الديني، ولكن الأهم على المستوى الإنساني، فالشعب الفلسطيني صاحب قضية وحقٍ أبلج، وواجب كل الأمم وليس العرب فقط، أن يكفّوا عن دعم الباطل، وأن يقفوا إلى جانب العدل والحق.
هل يصير الدّمُ ماءً؟
بقلم : سهيل كيوان ... 20.08.2020