أحدث الأخبار
الجمعة 22 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
من أحاديث الكمامة…!!
بقلم :  سهيل كيوان ... 27.08.2020

قبل بضعة أشهر لم تكن تعني شيئًا.
كنتَ إذا دخلت متجرًا وسألت عن كمامة، أدار البائع رأسه جانبًا وقلّص فتحتي عينيه، ونصّب أذنيه كي يسمع جيّدًا :أي كمامة! هل تقصد تلك التي يستعملها العاملون في دهان السيارات أم ماذا؟؟ لأي غرضٍ تريدها؟
كانت صورة وجه إنسان مع كمامة، تعني أنه باحث أو عامل في مختبر أو طبيب جراح، وربما ممرض.
حدثت طفرة تاريخية، فجأة أصبحت أكثر المنتوجات المطلوبة عالميًا بعد الماء.
في كل يوم يُنتج مئات ملايين منها، ويُلقى بمئات ملايين منها إلى القمامة، وتُجرى عليها أبحاث، كم تقي بالفعل من العدوى؟ وما هو النوع المفضل منها! صارت جزءًا من مظهر الناس اليومي، في كل مكان ومناسبة، على مقاعد السيارة، وتحت الأرجل، ومعلقة في المرآة فوق رأس السائق.
قبل أن تخرج من البيت، تتحسس جيوبك للتأكد من وجودها في حوزتك، ستحتاجها في كل مكان تدخل إليه، لن تستطيع دخول معظم الأمكنة بدونها.
الآن، وبعد هذا الانتشار الواسع للفيروس والمصابين، حتى لو كنت وحدك في الحيز العام، فأنت ملزم بالكمامة أو الغرامة.
اللافتات الأكثر شهرة على مداخل المحلات كانت: «المكان مُكيّف، ادفع الباب إلى أمام»، عُلّقت فوقها لافتة «عفوًا، بناء على تعليمات وزارة الصحة، الدخول ممنوع بدون كمامة».
على مداخل المؤسسات والمراكز التجارية موظف خاص: لحظة من فضلك! ويصوّب إلى جبينك جهازًا لقياس درجة حرارتك.
في المطاعم يختارونها فتاة رقيقة مع ابتسامة، تفحص
وتسجّلُ رقم هاتفك، ثم تقول لك بمرح: تفضل، ادخل.
خلال الفحص أقول: أنا بخير، أعتقد أن حرارتي ثمانية وأربعون مئوية فقط! «النكتة» نفسها أقولها للجميع، وأمضي..
الشرطة تنفّذ حملة غرامات، خمسمئة شيقل للفرد، وخمسة آلاف للمصالح والتجمعات المخالفة للنظام.
-هذا بيتي، أنا أقف أمام بيتي، قال الشاب للشرطي الذي تقدّم منه بِهمّة لتسجيل غرامة.
ردّ الشرطي: حتى لو كنت أمام بيتك، فهذا مكان عام، ويجب أن تضع كمامة..
-ولكن معظم الناس بلا كمامات، فلماذا اخترتني أنا بالذات؟
-لا تخف، سنغرّمهم كلهم.
قال الشاب وهو ينظر إلى يد الشرطي وهي تسجل الرقم 500: يجب أن تعرف أنني مطرب أيضًا.
-أها…أحقًا أنت مطرب؟
-نعم أنا مطرب…
-عندما تغني في العرس تستطيع أن تتنازل عن الكمامة، ولكن في الحيز العام، يجب أن تثبتها.
بعد دقائق، كتب أحدهم منشورًا على الفيس بوك: هل سمعتم نكتة اليوم؟ أحد شبان بلدتنا استعطف الشرطي وقال بأنه مطرب، وذلك كي لا يسجل عليه غرامة!
تعقيبًا على المنشور: هذا المطرب الوحيد في العالم الذي فرض نفسه بالقوة على البلد… كل شيء توقعنا أن يكون بالواسطة، أما مطرب بالواسطة، فهذا لم يحدث إلا في بلدنا…
ردًا على التعقيب: تسخر مني يا حيوان! على كل حال حسابك قريب، ستدفع أنت الغرامة خاوة، وإلا.. تعرف ما سيحدث لك.
وبين حين وآخر تظهر منشورات: تحذير، إخوات ال… يقفون في المدخل الغربي، ويوقفون السيارات الخارجة من البلد، وغرامات كبيرة للسائقين وللركاب، انتبهوا، للكمامات…
وقالت امرأة لجارتها: البوليس فات على عرس أولاد عبد الله، وسجل غرامة 5000 شيقل للعريس، كل المعازيم بدون كمامات…
-هذا نقوط للعريس يعني! خمسة آلاف شيكل، يا حرام.
أكثر الناس يعتقدون أن هذه الغرامات سوف تلغى إذا جرت انتخابات، سيتهافت أعضاء الكنيست على تقديم اقتراح قانون لإلغائها، تفهّمًا لوضع الناس الصعب، وسوف ينجح القرار بسهولة.
ويعتقد آخرون أن السلطة تستعيد المساعدات التي وزعتها على الناس من خلال هذه الغرامات، يعطون باليمين ويستردونها بالشمال.
-لكن المهم يا صديقي، هل تقي هذه الكمامات من الفيروسات؟
-ليس بشكل كامل، ولكن بنسبة ما، يعني، بدلًا من انتقال العدوى إليك باستنشاق مئة مليون فيروس مثلًا، تنتقل بعشرين مليونًا فقط، وهذا فارق كبير، وقد يكون حاسمًا لدى البعض، لهذا السبب تختلف الأعراض من شخص إلى آخر، هذا يتعلق بمناعة كل فرد وتاريخ أمراضه ونوعها. على كل حال، إن هي لم تنفع فلن تضر، على الأقل تقي من غرامة مالية، القصة ليست مزحة ولا مؤامرة، ودون حذر وكمامات وتعقيم سوف ينتشر الوباء بصورة كارثية.
-أي تعقيم يا صديقي؟ المادة التي يستعملها الناس لا تحوي على أكثر من 20% من الكحول، وليس 70% كما كتبوا عليها، وهذا غير كافٍ، هذا بعد فحص مخبري أجرته إحدى القنوات التلفزيونية.
كنت قد توقعت هذا، هذه العبوات البلاستيكية، ليس عليها أي علامة تجارية بحسب المعايير، ألصقوا عليها ورقة مكتوبًا عليها 70% كحولاً، وهذا طبيعي، في كل زمان ومكان يوجد انتهازيون ولصوص، تنكشف أخلاق الأمم في الأزمات، لا ضمير ولا ما يحزنون، بالنسبة للبعض هي فرصة للربح وليس أكثر.
-لا تتحدث عن الضمير يا رجل؟ ثلاثون رجلاً اشتركوا في اغتصاب فتاة قاصر في إيلات، ما تفسيرك لهذا؟؟
-لو فعل هذا عرب لطالبوا بإعدامهم، ولسمعنا أوصافًا للعرب لم تسمع الأمم مثلها منذ نوح إلى يومنا هذا…
-هل يعقل أن يتواطأ كل هذا العدد من الرجال على اغتصاب قاصر..
-بصراحة، عندما سمعت الخبر كنت مطمئنًا إلى أن عربًا لن يفعلوها، لو كانوا ثلاثين في المكان، لاعترض منهم خمسة وعشرون إن لم يكن أكثر، ورغم ذلك خشيت أن يكونوا عربًا، لا ينقصنا تحريض وعنصرية، كان بيبي نتنياهو سيعلن في مؤتمر صحفي بأن «ثلاثين من الوحوش الآدمية فعلوا هذا معها لأنها يهودية، سمموها واستغلوا ضعفها، هذا عمل إرهابي نتيجة تحريض طويل».
ماذا أقول لك؟ أنا شخصيًا أؤيد السجن مدى الحياة لهذه النماذج، كيف يمكن أن يوافق كل هذا العدد من الرجال على فعلة كهذه بحق قاصر، هذا يحتاج إلى بحث عميق، إنه ليس انحرافًا جنسيًا وأخلاقيًا فقط وراء عمل كهذا، توجد عبثية جماعية غير قابلة للتفسير، تستطيع أن تأخذ فكرة من هذه العينة، أمثال هؤلاء خدموا أو يخدمون في الأذرع الأمنية المختلفة، وتذكّر أن بعضهم «يتسلى» بين حين وآخر، بإطلاق النار على العرب…

1