أحدث الأخبار
الجمعة 22 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
جريمة منال وعامر!!
بقلم : سهيل كيوان ... 29.10.2020

كتب كثيرون حول ما يدور في فرنسا هذه الأيام، وعن أسباب التوتر المتصاعد بين السلطات بقيادة ماكرون ومسلمي فرنسا، الذي امتد إلى قيادات ودول إسلامية. هناك وجهات نظر كثيرة، فالمشكلة معقدة وروافدها كثيرة، وجذورها عميقة ومتشعبة وليست جديدة. قال البعض، إنّ من لا يعجبه نمط الحياة الفرنسي والأوروبي فيلعد إلى وطنه الأصلي! حسناً، هل تذكرون الفتاة الفرنسية السورية الأصل منال ابتسام التي شاركت في برنامج ذي فويس الفرنسي؟
هل ممكن أن نفهم ما هي الجريمة التي ارتكبتها منال؟ وما هو التطرّف الذي مارسته؟ وكيف يمكن أن تكون متطرّفة من تصعد إلى المسرح لتغني بالفرنسية أمام الملايين، ثم يتوجه عضو لجنة تحكيم ليضمّها ويقبّلها على وجنيتها وهي سعيدة، والجمهور يصفق بحماس؟ أليست هذه ثقافة غربية فرنسية؟ أليس هذا نمط الحياة الغربي، الذي لم تعترض عليه منال ابتسام، بل أرادت الانخراط فيه؟ إذن ما الذي جرى بعد هذا؟
هناك مجموعات تكره المسلمين وتحرّض ضدهم، وتعمل على شيطنتهم، هناك جهات معنية بهذا العدو «الإسلامي» كي تجرّ أكثر ما يمكن من شعوب ودول إلى حالة توتّر وصراع مع المسلمين، هذه المجموعات راحت تهاجمها وتهاجم البرنامج، لأنه منحها فرصة في الظهور والمشاركة، وطالبوا بانسحابها، جريمة منال كانت واحدة ووحيدة، هو الزي الذي ارتدته على رأسها، فهذا كان كافيا للنبش في ماضيها، وماذا تبيّن؟ تبين أنها تؤيد حق الفلسطينيين وتتضامن معهم، وتدعم جمعية للمرأة المسلمة. كل من يرى ظهور منال الأول يرى أنها كانت متحمسة وممتلئة رغبة للعيش بمحبة وتآلف واحترام، وحتى الاندماج التام في المجتمع الفرنسي، الجمهور الواسع استقبلها بمحبة وإعجاب، ولكن كان هناك من يراقب، كان هناك من لم يرق له ظهور مسلمة مسالمة وفنانة، وتحمل رسالة في التعايش والألفة بين مختلف العقائد والقناعات الفكرية، وتكون على واجهة برنامج عالمي، توالت الانتقادات والضغوط حتى قررت منال الخروج من البرنامج. ما جرى لمنال يظهر قوة التحريض الذي يجري بصورة ممنهجة، والذي يتكرر على مدار الساعة، حتى يتحول إلى حقائق، فالمسلم متهم بالتعاطف مع الإرهاب، إلى أن يثبت براءته، ولكن كيف يثبتها؟ حتى منال لم تنجُ من التهمة؟ ولماذا على المسلم أن يشعر بأنه أمام محكمة دولية في حالة انعقاد مستمرة؟ ألا تمتد جذور هذا التحريض إلى الصراع على أرض فلسطين، ومن الرابح من كل هذا التحريض؟ يشترك في هذا التحريض قادة دول كبيرة، أجنبية وعربية، وذلك من خلال ربط أي عمل إجرامي جنائي، أو نشاط سياسي لا يروق هذه الجهات مع هوية الجاني الدينية، وهذا فقط عندما يكون مسلما، ومع التكرار المستمر، تتحول الطائفة كلها والديانة كلها إلى متهمة.
هذا لا يعني أن جميع المسلمين ملائكة، وبأنهم لا يرتكبون الجريمة أو الجنايات، وأنه لا يوجد متطرفون بينهم، بل يوجد وهذا طبيعي في أي مجتمع تجري فيه صراعات وتدخلات من مختلف الألوان والأشكال، وهذه النسبة تختلف من مجتمع إلى آخر وتتعلق بظروف تشكّله وتطوره، ولكن لا يمكن دمغ ديانة أو قومية بالجريمة والإرهاب، لأن بعض أفراد منها مارسوا التجارة في المخدرات، أو تصرفوا بصورة متطرفة وعدائية تجاه الآخر، إلا إذا كانت هناك مآرب سياسية.
قبل أيام وفي يوم الأحد الأخير تحديداً، قتل جنود الاحتلال الإسرائيلي شاباً فلسطينياً في الثامنة عشرة من عمره، يدعى عامر عبد الرحيم صنوبر من قرية يتما في شمال رام الله، وكيف قتل عامر؟ قُتل بأعقاب البنادق ورفساً بالأرجل، لم يكن عامر مسلّحاً لا بمسدس ولا بسكين، كان مع صديق له في السيارة، عندما رأيا دورية احتلالية هربا، لأن السيارة كانت بدون ترخيص، وهي جريمة جنائية بسيطة، طاردهما الجنود، وعندما ألقوا القبض على عامر سقط على الأرض، وبدلا من اعتقاله للتحقيق معه، ركلوه وضربوه بأعقاب بنادقهم بلا رحمة، حتى حطموا جمجمته ولفظ آخر أنفاسه. هكذا بكل بساطة يقتل بوحشية ويحُرم شاب من حياته، ويثكله والداه بدون سبب. طبعا هذا نوع من «الإرهاب الحلال» الذي ليس له أي صدى، إنه موت الفقير، هذه الجريمة المروّعة تُعامل كحادثة انزلاق عن السلم أثناء العمل، والسبب أن وراء هذا «الإرهاب الحلال» دولة قوية ومعربدة، ووراءها دول كبيرة وصغيرة تمارس «الإرهاب الحلال» مثلها، ولهذا نجدهم يصطفون إلى جانب بعضهم بعضاً، ويشدّون من عضد بعضهم، فأمة «الإرهاب الحلال» واحدة. ها هي دولة الاحتلال تصطف تلقائياً إلى جانب ماكرون في الأزمة التي اختلقها مع مسلمي بلاده والعالم، وطبعاً أمريكا وبعض القادة الأوروبيين. منال السورية الفرنسية المسلمة حوصرت واضطرت للخروج من «ذي فويس» الفرنسي بسبب التحريض الممنهج ضدها، رغم رغبتها في العيش والاندماج في الحياة الفرنسية، وعامر الفلسطيني القابع تحت الاحتلال، قُتل رفساً وبأعقاب البنادق، لأن القتلة يعرفون أنهم لن يحاسبوا عندما تكون الضحية من «أمة الإرهاب.. أمة مُحمّد».

1