للعام الثالث بعد المائة على وعد بلفور المشؤوم , يحضر التاريخ كشاهد لا يحابي ولا ينافق ليصرخ بالظلم التاريخي الذي وقع على الشعب الفلسطيني , وعد من لا يملك لمن لا يستحق , بدأت معه معاناة واضطهاد الشعب الفلسطيني ومحاولات طمس هويته الوطنية وسلب أرضه وإنهاء وجوده , هكذا كان يخطط قادة إمبراطورية الشر البريطانية , للتخلص من المشكلة اليهودية التي كانت تؤرق أوروبا , ولو كان ذلك على حساب عذابات الشعب الفلسطيني وأجياله .
نجدد الذكرى كي لا تغيب الحقيقة , وتبقى الذاكرة متيقظة من محاولات الإختراق والتزييف , فحماية الوعي الفلسطيني والعربي مهمة لا تقل أهمية عن حماية الأوطان, بل معركتها أشد ونتائج الخسارة فيها كارثية, فالمعركة الآن هي للحفاظ على القيم والمبادئ وما نطلق عليه بالمسلمات والبديهيات في صراعنا كشعب وأمة في مواجهة العدوان والإحتلال الصهيوني الجاثم على أرض فلسطين, فالحقيقة التي لا تقبل التأويل , واضحة كوضوح الشمس أن فلسطين أرض عربية فلسطينية لا تقبل القسمة ولا التجزئة , وأن الوجود الصهيوني المسلح هو إحتلال غاشم , وقع على أرض عربية فلسطينية في حين غفلة من الأٍ ة العربية , ومن الطبيعي أن لا يقبل العرب الضيم أو التسليم للعدوان الأجنبي, ويسعون إلى مقاومة الغازي وطرده عن الأرض المحتلة , يستندون في ذلك إلى عقيدة إسلامية راسخة توجب التضامن والنصرة إلى جانب القيم العربية التي تأبى الخضوع أو الخنوع أو التسليم للأجنبي , والتاريخ العربي زاخر بالبطولات ومقاومة الدخلاء وطردهم عن الأرض العربية مهما عظمت التضحيات.
كان الموقف العربي الشعبي والرسمي يعلن الرفض لوعد بلفور المشؤوم , نؤمن بصدق الشعوب وإلتزامها المبدئي اتجاه فلسطين قضيتها المركزية, وتشكك الحوادث بمدى مصداقية المواقف الرسمية للأنظمة العربية , ويفضح التطبيع الآثم نوايا خبيثة تنافق لسنوات شعوبها وتخون أماناتها , التطبيع الخياني هو إحياء لوعد بلفور الذي شكل خنجراً مغروساً في قلب الكرامة العربية ,ليقضي التطبيع الآثم على ما تبقى من أنفاس لهذه الكرامة, بل إن تطبيع الأنظمة العربية أخطر من صك بلفور المشؤوم ,في تداعياته الخطيرة على الوعي العربي الجمعي وزلزال يضرب مفاهيم الأمن القومي العربي, كيف يمكن أٍ يصبح السارق مالك ؟, وهل يجوز للقاتل الإرهابي أن يبني دولة يعترف بها العالم ؟ متى يصبح إحتلال أوطان الغير طريقاً للحصول على كيان لجماعة مارقة ؟ , كيف أصبحت "شالوم " تتردد على ألسنة وزراء الخيبة المطبعين وإعلام الهرولة المأجور , ككلمة السر لأن تخون التاريخ وتفتك بالحقيقة وأنت تبتسم بلا خجل ولا تشعر بألم يهز كيانك الداخلي ؟
التطبيع جريمة بحق فلسطين لا تقل في فظاعتها عن وعد بلفور ,فالتطبيع بمثابة التساوق القاتل مع الرواية الصهيوأمريكية المضللة التي تبرر سرقة فلسطين ونهب ثرواتها وتدنيس مقدساتها ,التطبيع تفريط في مجد أمة وهدم لأسوار المنعة فيها ليستبيح الأعداء حرمتها , ولكن ما يجهله المطبعين وأسيادهم أن هذه الأمة لا تنكسر مهما عظمت الابتلاءات أوصُبت النكبات على ظهرها فإنها تنهض أكثر قوة وصلابة .
تأتي أوجاع فلسطين أكبر من ذكرى وعد بلفور المشؤوم , فلقد خانها القريب وتركها في وسط الطريق تقاتل الضباع وحدها , بل أدهى من ذلك تأتي الذكرى المشؤومة وقد تشكلت جيوش من الكلاب الضالة لنهش لحم فلسطين وتمزيقه لكي لا يبقى شئ يذكر أصحاب القصور بالخيانة, ليصرخ إعلامهم المخمور بكل السيئات والموبقات هل هناك شئ إسمه فلسطين ؟! ولا يعلم هؤلاء أن عجوزا فلسطينياً معمراً أكبر عمراً من كياناتهم القمعية .
في الذكرى الثالثة بعد المائة لوعد بلفور المشؤوم , تبقى فلسطين أقوى حضوراً من كل أكاذيب المحتل , وأنصع بياضاً في حقيقتها من سواد الخيانة والإحتلال , سيزول بلفور والتطبيع وينتهي الأمر إلى حرية فلسطين رغم أنف بلفور وترامب والمطبعين .
*كاتب وباحث فلسطيني
وعد بلفور وخنجر التطبيع!!
بقلم : جبريل عوده* ... 02.11.2020