أحدث الأخبار
الجمعة 22 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
السلطة الفلسطينية والنصر المهزوم!!
بقلم : لميس أندوني* ... 22.11.2020

يتجاوز إعلان السلطة الفلسطينية النصر، بعد إعادتها "العلاقات" مع القوة الإسرائيلية المحتلة، الغرابة، إلى حد إهانة المشاعر والاستهانة بالعقول، لكن الأدهى هو عمق الوهم الرسمي الفلسطيني الأسير لعملية سلام كاذبة، على الرغم من النهب الإسرائيلي الممنهج للأراضي الفلسطينية، ومن استباحة مستمرة لحقوق الإنسان الفلسطيني وكرامته.
مشهد رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد اشتية، وهو يلوح بالرسالة الرسمية الإسرائيلية بالتزام دولة الاحتلال بالاتفاقيات الموقعة محزن جداَ، وأضاف فرح وزير الشؤون المدنية الفلسطينية، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، حسين الشيخ، "بالانتصار" الفلسطيني سوريالية غير قابلة للتصديق. لا أشكك هنا بصدقية سعادة كل منهما، لكن عمق الوهم يجعل ذلك كله مرعبا في أبعاده وتداعياته.
مصدر الاحتفال المعلن اعتقاد يسود قيادات فلسطينية عليا أن "صفقة القرن" التي وضعها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لتصفية القضية الفلسطينية، اختفت من الوجود، وأنه تم سحب خطة ضم أجزاء من الضفة الغربية إلى إسرائيل، وأن الرسالة الإسرائيلية تؤكد التزاما بالاتفاقات الموقعة، ويسمي الوزير الفلسطيني السابق، غسان الخطيب، هذه الأمور الثلاثة أسبابا ظاهرة لعودة السلطة إلى العلاقات والاتصالات مع إسرائيل، وإن كانت غير دقيقة أو غير واقعية. ولكن سياق التفاؤل المبالغ به هو فوز المرشح الديمقراطي جوزيف بايدن برئاسة الولايات المتحدة، وانتهاء عهد ترامب، ولا شك أن هذا يخفف من الضغوط على الشعب الفلسطيني، ولو مؤقتا، مع احتمال استئناف الولايات المتحدة دعمها المالي وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" وإعادتها فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وهي رسالة مهمة إلى الكونغرس، ولكنها لا تصل إلى تأييد حقوق الشعب الفلسطيني أو استقلاله.
عودة أميركا إلى سياستها "التقليدية" في عهد الرئيس المنتخب، جوزيف بايدن، لن تجعلها صديقة للشعب الفلسطيني، فالانحياز الأميركي السافر للمشروع الصهيوني لم يبدأ في عهد ترامب، ولن ينتهي في عهد بايدن، وخصوصا أن الأخير سوف يبني على اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل وكل من الإمارات والبحرين، وعلى كل الاتفاقيات والترتيبات مع دول عربية، ما يبقي الفلسطينيين في عزلةٍ خاصة، بعد تبني الدولتين المذكورتين الرواية الرسمية الإسرائيلية، بشكل غير مسبوق في أيٍّ من أشكال التطبيع المدانة بين أنظمة عربية وإسرائيل.
نعم، عانت السلطة الفلسطينية من أزمة مالية خانقة منذ إعلانها في مايو/ أيار الماضي وقفها التنسيق مع إسرائيل، احتجاجاً على خطة ضم أجزاء من الضفة الغربية إلى دولة الاحتلال التي ردّت بحجز تحويل ما تصادره من ضرائب شهريا إلى الحكومة الفلسطينية، ما جعل الأخيرة تضطرّ إلى خصم 50% من رواتب كوادر السلطة ومؤسساتها، إضافة الى أن الاتفاقيات، كما يذكّرنا غسان الخطيب، تسمح باحتجاز الأموال ستة أشهر، أي إلى نهاية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، وبعد ذلك يتم وضعها في حساب إسرائيلي خاص، يجعل عملية استعادتها طويلة وبالغة التعقيد.
من دون التقليل من الأزمة المالية وخوف السلطة من انهيار كامل، ومن ضيق الفلسطينيين الشديد، إذا كان هذا هو السبب الحقيقي، لماذا لم تتشاور السلطة مع القيادات والخبراء الفلسطينيين، ولماذا اتخذت قرارها من دون علم حركة فتح والفصائل الفلسطينية؟ ولماذا لم يخطر ببال الرئيس محمود عباس أن يصارح، هو أو رئيس حكومته، الشعب الفلسطيني بالخيارات أو السيناريوهات المحتملة؟ فقرار إعادة التنسيق كان المفروض أن يكون فعلا مقاوما، وليس تكتيكا مدروسا لخدمة القضية الفلسطينية، وليس انتظارا لنتائج الانتخابات الأميركية؟ كل الدول تعمل لتهيئة نفسها لنتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية، ولكن ذلك يكون في خدمة تصور استراتيجي، وليس في إطار تجديد الدور الوظيفي لأنظمة مهزومة. وليست هذه الأسئلة من قبيل السذاجة، لكن الخطوات الإسرائيلية التي سمح بها ترامب، من اعتراف بالقدس عاصمة إسرائيل، واعتبار المستوطنات قانونية وشرعية في قاموس السيادة الأميركية، أسست لواقع جديد يحتاج رؤية ثاقبة، فالوصع الحالي خطر حتى على السلطة الفلسطينية التي لا تهتم إلا باستمرارها وضمان دورها الوظيفي.
في ظل استمرار المشروع الصهيوني لا بد أن ينتهي دور السلطة، وترامب أعطى قوة هائلة لليمين الإسرائيلي المتطرّف في حلف غير مسبوق في شراسته بين إدارة أميركية يمينية واليمين الصهيوني. كما أن الرئيس المنتخب، بايدن، لا يعارض المشروع الصهيوني، وإنما يريد حلا "للعقدة الفلسطينية" التي تبقى مصدرا لعدم الاستقرار. وتجعل الاتفاقيات التطبيعية العربية الإسرائيلية المتسارعة العامل الفلسطيني أقلّ تأثيرا، إلا إذا تمسّكت القيادة الفلسطينية بالتزام حقيقي بالحقوق الفلسطينية، لأن ذلك يضعف صمود الشعب الفلسطيني، ويساهم في إضعاف القضية في الوجدان العربي. ولذلك، فإن الاحتفالية الرسمية الفلسطينية غير المفهومة برسالة من مسؤول إسرائيلي تبعث رسالة سلبية، بل ضارّة، إلى الشعوب العربية والعالم، خصوصا إذا صحَ الحديث عن إعادة السفيرين الفلسطينيين إلى الإمارات والبحرين، وتاليا إلى أي دولة قد تلتحق بهما. كما أن هذه الاحتفالية تعطي انطباعا بأن صفقة القرن قد طارت، وأن خطة ضم الضفة لم تعد على الطاولة، الأمر الذي يضلل كل مناصري القضية الفلسطينية، فإسرائيل ماضية في تطبيق جزء مهم من الصفقة، باستمرارها في مصادرة الأراضي وتوسيع المستوطنات، أي رسم خريطة الأجزاء التي تنوي إسرائيل ضمها على الأرض، وليس فقط في مخطّطات المشروع الصهيوني.
بدأت إسرائيل، في الأسبوع الماضي، وخلال إعلانات الانتصار الفلسطينية، بناء ألفي وحدة سكنية قرب مستمعرة على أراضي جبل أبو غنيم المصادرة، لعزل مدينة بيت لحم عن القدس، وبناء وحدات سكنية للمستوطنين داخل القدس، لربطها بواحدة من أكبر المستوطنات تمهيدا لعملية الضم التي تصبح، في حالة عدم تنفيذها في المستقبل القريب، من الحقائق على الأرض، ولن تعارضها أي إدارة أميركية مقبلة.
عن أي التزام بالاتفاقيات الموقعة تتحدث الرسالة الإسرائيلية التي أعلنت فيها اقتراب تحويل أموال المقاصة الفلسطينية إلى السلطة؟ حتى اتفاقيات أوسلو وما تبعها، وعلى الرغم من كل مصائبها، تلزم الطرفين بعدم اتخاذ إجراءات تغير من الوضع القائم على الأرض، وذلك يتضمن مصادرة الأراضي وإقامة المستوطنات وإن لم تشر إليها، لكن إسرائيل منذ عام 1993 لم تلتزم إلا بالجوانب التي تعزّز سيطرتها الأمنية والسياسية، وتجاهلت أي بنود تحدّ من قمعها وبطشها، ومن سرقة الأراضي وتدمير البيوت وتشريد سكانها، بغرض تغير الواقع على الأرض لصالح مشروعها.
لم تحاول الدول العربية الغنية خلال الأشهر الستة الماضية نجدة الشعب الفلسطيني، وهي أيضا ملومة على عدم نجدة السودان وأهله، وذلك لا يبرّر تطبيع السودان أو موقف السلطة، إلا أن هذه الدول تتحمل مسؤولية ترك شعوب عربية عرضة للابتزاز الأميركي – الصهيوني، فلم يتوقف تطبيق صفقة القرن، لأنها في النهاية صفقة مكملة للمشروع الصهيوني، وإدارة بايدن ستبطئ تسارع تصفية القضية الفلسطينية، ولن توقفه أو تنهيه. وذلك يعطي مساحة للتنفس، وليس للرضوخ لضغوط أوروبية وأميركية، بغرض إحياء "عملية السلام" التي شكلت غطاء لتنفيذ إسرائيل مشروعها الاستيطاني. لتتذكر السلطة أن الشعب الفلسطيني يبقى الرقم الصعب في المعادلة، فلا يحق لها المشاركة في إخضاعه وتطويعه، فما فعلته أخيرا تدمير للمعنويات لا يغتفر ولا يُنسى.

*كاتبة وصحفية من الأردن..**المصدر : العربي الجديد
1